Culture Magazine Monday  23/06/2008 G Issue 253
مداخلات
الأثنين 19 ,جمادى الثانية 1429   العدد  253
 

فرصة لتأسيس معايير واضحة لنقد النص الشعري:
مسابقة (أمير الشعراء) مثالاً

 

 

لماذا الإبداعات الأدبية والشعر تحديداً لا تخضع لمعايير واضحة وجلية للمهتمين بها؟!!!!

فئات كثيرة من المتلقين والمتابعين والمهتمين بتلك الأجناس الأدبية، وبالذات الشعر ليس في صالحهم أن يعتمدوا في تكوين آرائهم على انطباعات واجتهادات فردية.

أن تُنصِّب من نفسك حكماً للشعر فأنت ألزمت نفسك أمامنا بوضع مفهوم محدد للشعر الذي طلبت منا أن نتسابق فيه، ومن هذا المفهوم يجب عليك استخراج معايير واضحة تقيّم شعرنا من خلالها، وإن لم تفعل فأنت أتحت لي فرصة الاعتراض والاحتجاج، وساهمت بشكل مباشر في توسيع شرخ الثقة والذائقة والمفاهيم عند المشاركين أو المتلقين، وحينئذ لا يحق لك أن تزعم أن اختيارك للأفضل (الفائز) كان محكماً ومتقناً.

حتى لو سلَّمنا بصحة الفرضية التي تقول: (الشعر لا تعريف له).. أو أنه يستعصي على التعريف الموحد، فإن الخسارة أو التقصير أو الضرر ستلحق بالمتعاملين معه لا محالة.. ويبقى نجاح وسلامة الممارس للشعر من ذلك الأذى مرهوناً بما يبذله من جهد (فردي) في تحديد مفهوم خاص به للشعر الذي يمارسه، سواء كان متفرداً في ذلك المفهوم أم مشتركاً فيه مع أصدقاء أو مجموعة غير رسمية أو منظمة رسمية.. مع التطور المعرفي الذي نعيشه الآن والذي لم يشهد التاريخ له مثيلاً، إلا أن بعض المعارف لم تحظ بمثل هذا التطور، وفي ظني أن (بعض) المهتمين بها والقائمين عليها تحديداً هم العقبة الأولى ضد هذا التطور الطبيعي وفق فلسفة الكون والحياة.

والمثال الذي ذكره الأخ المتألق (عبد المحسن الحقيل) في العدد قبل الماضي من هذه المجلة عن مسابقة أمير الشعراء وهو رفض إجازة أحد المتسابقين بحجة أنه لم يحفظ قصيدته.. وإنما قرأها بطريقة برايل لأنه أعمى.. مثال صريح على ما أقول وسأقول.. في كل مرة تجد انطباعاً ورأياً مختلفاً لكل عضو من أعضاء لجنة التحكيم، مع الاجتهاد الشديد أحياناً في إبراز القدرات النقدية لديهم.. لكن هذا التنوع وهذا التشتت في نقد النص لا يبرز القدرات والمهام المنوطة بلجنة التحكيم.. وكان من المفروض أن يتم التنسيق على الأقل بين الأعضاء ليتولى كل عضو معياراً واحداً أو أكثر.. ومن ثم يبدي النتيجة التي يستحقها المتسابق في ذلك المعيار.. ومن ثم تحسب نتيجة كل عضو لإخراج النتيجة النهائية وهكذا.. وامتعاض بعض المشاركين بعد استبعادهم والاجتهادات الغريبة من قِبل لجنة التحكيم أمر غير مستغرب وفق تلك الآلية الغامضة في التقييم، لكنه سيقل حتماً وقد يختفي حين تلتزم لجنة التحكيم بتنظيم طريقة التقييم.

إذا كان عمر المتسابق والالتزام بالفصحى وغيرها شروطاً أولية وكافية للدخول في المنافسة فماذا عن الشروط أثناء المنافسة؟!! هل هي الصورة؟ وإذا كانت الصورة معياراً فماذا عن كثافتها من قلتها أو عن جدتها وقدمها أو غموضها ووضوحها؟.. وإن كانت اللغة معياراً فماذا عن وضوحها، غرابتها، ابتذالها، جزالتها.... إلى غير ذلك من المداخل والثغرات على غياب الشروط والمعايير التي يُبنى عليها قرار لجنة التحكيم.

كيف لمنظمة أو مؤسسة ما أن ترشح للقب ال(أفضل) من دون أن يكون لها معايير محددة لمنح ذلك اللقب أو سلبه؟!!!

عدم الالتفات أو تعمد تجاهل وضع معايير لفرز المتسابقين دليل قاطع على (خلل إداري) قبل أن يكون فكرياً عند الجهة المنظمة.. وأكاد أجزم أن ليس لديها أيضاً معايير في اختيار وتقييم لجنة التحكيم نفسها.

هذا الكون مبني على معايير ويسير وفق معايير، ودخول الجنة والنار مبني أيضاً علي معايير، والقضاء والأحكام الجزائية مبنية على معايير، مما يحتم فرضية إيجاد المعايير (الواضحة) لأي عمل ولأي منجز أو مشروع نود القيام به، خصوصاً فيما يتصل بالآخرين ثواباً وحساباً، مما يؤدي أيضاً إلى رفض الأحكام المبهمة أو التي لا تقوم على الوضوح والدقة،

في حياتنا الكثير من المسابقات التي تقوم على معايير واضحة عند التقييم واختيار الفائز، على سبيل المثال:

بعض الألعاب الرياضية (الفردية) مثل ألعاب الجمباز والسباحة وألعاب القوى، والكاراتيه وغيرها، كلها مبنية على معايير واضحة ودقيقة وكل حكم من لجنة التحكيم مطالب أن يبني حكمه وفق تلك المعايير ويضع الدرجة المناسبة لكل معيار، لكن ما نراه في المسابقات الأدبية (شعر - رواية - قصة - مقالة - وغيرها) لا يقوم على مثل تلك المعايير وكأن وضعها لا يليق بتلك الفنون؟

حتى الجوائز العالمية المعروفة منذ عشرات السنين، لديها معايير واضحة لمنح الأفضلية في تلك المسابقات.

أنا كمتسابق:

كيف لي أن أدخل المسابقة وأنا لدي ضبابية في رؤيتي للمعايير؟..

كيف لي أن أعرف كفاءتي وتأهيلي من قبل أن أدخل في المسابقة؟!

كيف لي أن أُقيّم نفسي مقدماً؟

كيف لي أن أُقيّم غيري لاحقاً؟

كيف لي أن أتعامل مع تقييم لجنة التحكيم؟

أنا كجمهور:

كيف لي أن أتفاعل مع النتائج التي تقدمها لجنة التحكيم بعيداً عن العاطفة والتعميم؟!

لو كنت من الجمهور المتابع (بشغف التعلم) كيف لي أن أحظى بما أستطيع أن أبني عليه ذائقتي ومهاراتي سواء النقدية أو الإبداعية؟؟

كل ما نراه يغلب عليه الانطباعات (وإن كانت في بعض الأحيان مذهلة ومنطقية).. لكن لا يمكن أن نطلق عليها معايير، الجهة المنظمة لمسابقة أمير الشعراء تبذل جهداً عظيماً وغير مسبوق وهي أمام فرصة غير مسبوقة لتضع نفسها في مكانة غير مسبوقة حتى على المستوى العالمي، فرصة رائدة لمشروع متعثر، تلك المؤسسة أمام خيارين:

1- إما أن تستمر على الضبابية والغموض في المعايير، وهي بهذا الخيار تنتزع من نفسها المصداقية في التقييم، وتنتزع من نفسها أيضاً القدرة على إقناعنا بأن لديها معايير واضحة لاختيار الأفضل.

2- الخيار الثاني: أن تنتهج وتؤسس لمفهوم واضح للشعر المراد تقييمه في مسابقتها وفق معايير واضحة منطلقة من ذلك المفهوم وتجعل لرسالتها فضاء أوسع ولكنه واضح.. وترفق المعايير مع الإعلان عن المسابقة.. من خلال ما سبق يبرز السؤال المدهش والمؤلم: هل من الممكن ومن المقبول من تلك المؤسسة التي تود أن تضع نفسها في مكان الريادة العربية في إبراز الشعر أن تجعل من ضمن معاييرها (تصويت الجمهور)!!!

قديماً كانت الجماهير التي تحضر سوق عكاظ على قدر من الثقافة اللغوية وتحديداً الشعرية، تشترك في تلك الثقافة مع الشعراء أنفسهم.. والمحكمين أيضاً على الأقل في الحد الأدنى منه، مما يخول تلك الجماهير أن تبدي رأيها، ومما يخول أيضاً لجنة التحكيم أن تبني على رأي الجمهور حكمها في شعر المتسابقين، وهذه الثقافة الشعرية المشتركة ما بين الجماهير والمشاركين ولجنة التحكيم مبنية على معايير تصنف القصائد من خلالها، ولجنة التحكيم مرهونة بتلك المعايير التي يجب عليها أن تكون مقنعة للجميع وواضحة، وليست مجرد انطباعات متباينة وأحياناً متناقضة.. لا شك أن الذائقة العامة لها وزنها واحترامها ولكن لا يمكن أن نجعلها معياراً للتقييم، يكفي أن نرى أنها متباينة من الناحية الثقافية والاجتماعية وحتى الشعرية، إلا إن كان للجهة المنظمة مآرب أخرى.. فالله أعلم.. وإن كانت هناك مآرب أخرى فلا تدّعي المصداقية ولا تلزمنا بها، أو من الأفضل أن تبرز تلك المآرب لعلنا نقتنع بها.

بكل بساطة:

نحن سنلبس لقب (الفائز) على من يتوافق مع مفهومنا للشعر من خلال هذه المعايير:

-؟-؟-؟-؟-؟-؟ إلخ، وإذا كان لا بد من مشاركة الجمهور في التقييم فإن نسبة تقييمهم لا تتجاوز ؟؟؟على أقصى تقدير.

وبكل صراحة:

لو سألنا كل عضو من لجنة التحكيم عن مفهومه للشعر الذي يقيمه الآن هل سنجد إجابة واحدة مشتركة فيما بينهم؟ فكيف لو عممنا السؤال عن الشعر بأطيافه؟

والسؤال نفسه نسأله للقائمين على المؤسسات التي تُعنى بالشعر مثل الأندية الأدبية وغيرها هل سنجد نفس الجواب؟.... أتمنى أن تكون الإجابة نعم.

إبراهيم الخريف


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة