Culture Magazine Monday  23/06/2008 G Issue 253
حوار
الأثنين 19 ,جمادى الثانية 1429   العدد  253
 

وصف تجربة شعراء الثمانينيات بأنها (محنطة) في متحف..
العباس: ما زلنا ظلاً ولم نتحول إلى مركز منتج للمعرفة والثقافة

 

 
* الثقافية - عبدالله السمطي:

هل لأنه يسعى لقول الحقيقة النقدية، فهكذا يمكن وسم آرائه بالآراء الصادمة؟ هل لأنه يمارس (الكيّ) النقدي على جراح الساحة الثقافية يوصف بالمغايرة والكتابة خارج لعبة السياق؟ هل لأنه متابع إلى درجة التماهي لمختلف الظواهر الأدبية، بل إنه عراب أحدها وهي ظاهرة قصيدة النثر، تسمق رؤاه إلى مرتبة المصداقية النقدية؟

هكذا هو الناقد محمد العباس، الذي سطع خارج الأكاديمية النقدية، وقيودها النظرية المصطنعة، تبدو آراؤه أكثر قرباً من العملية الإبداعية في مختلف أجناسها، وأكثر حيوية وألفة ومعايشة مع النصوص.

صدر له مؤخراً كتابان على درجة من الأهمية هما: (شعرية الحدث النثري) و(نهاية التاريخ الشفوي) فيهما قدر من معانقة النصوص الشعرية والسردية، وإضاءة لمكامنهما.

في حواره مع الثقافية يقدم العباس آراءه الصادمة، فينفي أن تكون المملكة قد تحولت إلى مركز منتج للمعرفة، ويصف تجربة شعراء ثمانينيات القرن العشرين بأنها (تجربة محنطة)، فيما يصف الدكتور عبدالله الغذامي بأنه (كائن غير حواري) على الرغم من أنه أكثر الذوات الثقافية حضوراً في المشهد الثقافي، ويرى العباس -مواصلة لآرائه الصادمة- أن الرواية السعودية ما زالت في طور التجريب، ولم تظهر رواية فنية حتى الآن، كما يؤكد على أن التحشدات الاجتماعية -على حد تعبيره- تصيب الرواية في مقتل.. آراء كثيرة صادمة يطرحها العباس في هذا الحوار الصريح، والجريء معاً، وهذا نص الحوار:

* تتسم كتاباتك النقدية بالمغايرة، وبوجهة نظر مختلفة مستقلة، أي أنها كتابات خارج السياق النقدي العام، فهي تنقد الظواهر دائماً، ولها موقف من المستوى القيمي للرواية السعودية، وترى أنها طفرة كمية لا نوعية، فما هي الأسس التي تستند عليها في إبداء آرائك النقدية؟

- هي أسس جمالية في الأساس، نحن نبحث عن رواية ذات تأثير، ومبنية على نسيج معرفي وجمالي، وتكون منطلقة من ذات متمثلة لخبرات الكتابة، ولخبرات القارئ في تلقي هذا المنتج.

ما لاحظته بالنسبة للرواية، هي مكتوبة بواسطة أجيال مختلفة، لكن في لحظة واحدة، نجد مثلاً بعض الأسماء التي تكتب الرواية قد أنجزت مجموعة من الأعمال الروائية، لكنها لم تحقق ذلك النجاح لا على المستوى الفني ولا حتى على مستوى المضامين، وإن كانت تثير بعض القضايا المضمونية، وهذه قضايا قد تثير بعض الزوابع، لكنها لا تؤدي إلى تأسيس خطاب روائي حقيقي. أما كتاب الرواية الواحدة، أو الضربة الروائية الأولى، فأعتقد أنهم في طور تجريبي، وبالتالي يصعب الحكم على هذا المنجز بشكل نهائي. هي حالة من حالات الصيرورة في المسألة الروائية، وأعتقد أنها ستأخذ شيئاً من الدوران المستمر حتى تنتهي إلى منطقة يمكن من خلالها مراقبة المنجز ككتلة كاملة بالإضافة إلى ما نلاحظه من قراءات منفصلة إلى كامل المنجز.

* هل تعتبر أن ما يمكن تسميته بالرواية الشبابية حفزت مجموعة من الأجيال الأخرى للدخول في سياق هذه الرواية؟

- بالتأكيد، قد يكون هذا التوجه له جانب إيجابي، لكن في السعودية لا توجد أسس وخبرات حقيقية لكتابة الرواية، وبالتالي عندما يكون التأسيس، أو أكبر شريحة من كتاب الرواية هم الشباب، فإن هذا يمثل انقطاعاً، كما أسلفت: ظاهرة الكتابة الشبابية ظاهرة صحية من ناحية، لكنها ستظل تدور حول المنطقة الكمية، ولن يحدث من خلال هذا التراكم بالضرورة حالة نوعية، أو هذا ما تشير إليه الظاهرة حتى الآن، قد نتسامح مع روائي ينتج رواية للمرة الأولى ونعتبره في طور التجريب أو الإطلالة، ولكن نبدأ نحاكم هذا الروائي من خلال منجزه للرواية الثانية والثالثة، ومن الواضح أن هناك استمراراً على المواصلة بدون اختبار الإصدار الأول أو الضربة الروائية الأولى أو سماع الآراء النقدية والقرائية المتعلقة بالرواية الأولى.

* ألا يبرر اهتمام الروائيين على الأغلب بسرد ما هو واقعي وما هو اجتماعي أدى إلى أن تهتم الدراسات النقدية بما هو واقعي واجتماعي في الرواية فقط لا غير، بدون تركيز على المعمار الروائي، البنية الروائية، لغة الخطاب الروائي المؤسسة.. الخ؟

- هذا الكلام صحيح، وقد يتحمل الناقد جانباً من هذا، لكن في الأساس هذه الروايات روايات لا تمثيلية وغير بنائية، وبالملاحظة لكثير من النقاد، الكثير منهم يحاول الابتعاد عن المنطقة المعمارية أو الأسس الجمالية في الفن الروائي، بالنظر إلى أن هذه المعركة خاسرة من الأساس، فلا توجد رواية من الناحية الفنية حتى الآن مكتملة العناصر، توجد إلماحات وإطلالات بسيطة، وبالتالي هذا التعويض المضموني عن الأسس الفنية هو الذي يجعل من الناقد يهرب من مجادلة الأسس الفنية حتى لا يجرح هذا المبدع الذي يتصوره على درجة من الهشاشة، وعلى درجة من عدم القبول بفكرة مجادلة منتجنا الروائي على المستوى الفني وبالتالي نحن مجتمع في النهاية يقترب فيه الاجتماعي من الثقافي إلى درجة كبيرة.

هذا هو سر هروب أغلب النقاد من مجادلة الأسس المعمارية والفنية إلى المضامين. وفي النهاية لا يفترض أن يستمر هذا الحال إلى الأبد.

فبعض النقاد من المفترض أن يعطوا أحكاماً معيارية وجازمة في هذا الموضوع، بحيث لا تتحول الرواية إلى خطاب للتحاور بين الفئات، كما لاحظنا فقد تحولت الرواية إلى أداة حوارية أكثر مما هي خطاب جمالي.

* ذكرت أنه لا توجد تجارب فنية، هل حتى بين الأجيال السابقة مثل: عبده خال، أو رجاء عالم، أو أحمد الدويحي؟

- توجد ملامح، لكن الرواية المكتملة الرواية التي يمكن أن تتشكل كمرجعية نهائية، أو على الأقل تشكل ملامح تجربة روائية ناضجة قليلة جداً، بل ونادرة.

لا نستطيع في النهاية أن ننفي هذا التجديد، وبما أنك ذكرت رجاء عالم أنا أعتبر أن رواية (ستر) بغض النظر عن بعض الشروحات والإطالات اللا مبررة كانت رواية اقتربت من منطقة جمالية مقنعة.

* اسمح لي أن أنتقل من الرواية إلى الشعر، وصفت شعراء الثمانينيات بأوصاف سلبية؟ هل ترى أنهم توقفوا عند مرحلة معينة لم يتجاوزوها؟

- بالتأكيد، هم شعراء مرحلة، وكان لكل منهم تجربة خاصة، وككتلة كانوا يمثلون تياراً أو موجة مقنعة إلى حد ما.

لكن نحن نعرف أن الأجيال بعد فترة زمنية تتعرض إلى مقروئية جديدة، وإلى نوع من الغربلة على مستوى الذائقة والتلقي، وما نلاحظه أن أغلب هذه التجارب بعد ممارسة شيء من التقطير، والاستصفاء، نجد أنها لا تمتلك هذا الخطاب الهائل الذي كان يهيمن ويسيطر على تلك المرحلة، وبإمكاننا أن نلتقط حتى المؤثرات الواضحة على جيل الثمانينيات، وما استجلبته هذه التجربة من روافد عربية وعالمية، ومحاولة (سعودتها) أو وضعها ضمن تجربة محلية خاصة.

هذه التجربة كلنا لاحظنا بعد فترة زمنية أنها توقفت، ولم تستطع أن تتجاوب مع متغيرات اللحظة الشعرية، ومتطلبات الذائقة وبالتالي أصبحت كأنها تجربة محنطة في متحف فتحاول أن تتعايش على أمجاد تلك اللحظة لا أكثر.

- هي تتعلق بأسباب داخلية وخارجية، مهما قيل يظل المشهد المحلي صدى لمشاهد أخرى، ويظل المشهد ظلا لعواصم منتجة للمعرفة، نحن ما زلنا ظلاً ولم نتحول إلى مركز منتج للمعرفة والثقافة، بمعنى أن هذه الظواهر التي تحدثت عنها، لا تنتج كحالة أصيلة، أو كمتطلب ذاتي، أو كنبت طبيعي، لكن تتشكل كصدى لحركة موجودة في عوالم أو دوائر أخرى، تستجلب وتتحرك ضمن إطار زمني أو ضمن جماعة أو فئة، أو مجموعة متحمسة لهذا الطراز أو إلى هذا اللون الكتابي، بمجرد أن تفقد هذه المجموعة حماسها أو تنطفئ شعلة هذا التوجه في الدائرة النائية، تموت الظاهرة وتستبدل بظاهرة أخرى هي مجرد موضات لا أكثر ولا أقل، وإن بقي القليل من هذه الظواهر بما يشبه الجمر المتواري تحت الرماد.

* هل تتوقع لظاهرة الرواية في السعودية المصير نفسه؟

- أتصور أنها ستأخذ مجموعة اتجاهات، لكن لكل ظاهرة دائماً بواكير، وعلامات ومؤشرات، الرواية آخذة في التحول إلى شكل من أشكال الحضور المجاني لكل الذوات تقريباً، وقد لاحظنا أنه لدينا الآن، رواية تكتب بنفس ديني، ورواية تكتب بمنزع طائفي، ورواية تكتب بتوجه مناطقي، وكل أمراض المجتمع تقريباً تتحشد داخل الخطاب الروائي، وبالتالي كل هذه التحشدات ستصيب الرواية في مقتل، وكل الحماس القرائي الذي نلاحظه، سينطفئ وهو ما سينعكس بالتأكيد حتى على شكل الإنتاج ومنسوبه.

لا يوجد في مقدمات الظاهرة الآن ما يشير إلى بشرى برواية رواية مقنعة، يمكن أن تحفظ لهذا الخطاب شعلته واستمراريته. بالعكس هي آخذة في التمدد الأفقي وبالتالي يمكن أن تصل إلى منطقة، تتحول فيها الرواية، إلى مجرد خطاب استعادي واستهلاكي، قد تتوفر كشكل وكم، لكنها لن تتحول في المستقبل القريب على الأقل إلى حالة من حالات النضج الفني، واللون الإبداعي المقنع الذي يمثل بالفعل ما يجري على أرض الواقع.

- الكثير من الروايات السعودية لا تحمل سمة الرواية، حتى من أسماء لها قامة، الرواية بالتأكيد هي إطار فضفاض وقابل لكل الاتجاهات التجريبية، لكن أن تتحول إلى لنقل: (خطاب)، وهي تصورات طرحها هيجل في فكرة أي عمل إبداعي: عندما ينخفض منسوب الجمالية، ويرتفع منسوب الفكرة تتحول الرواية إلى خطاب، وهذا هو الحال بالنسبة إلى رواية (عيال الله) وأمثالها.

- إن كل ما ينتج حالياً ينتج تحت هذا العنوان، ومجرد إدراجها ضمن قراءة أو مجادلة لا يعني إضفاء الشرعية عليها كجنس روائي، وإلا سنخرج 90% مما ينتج من مفهوم الجنس الروائي.

* قصيدة النثر، كان لها شعراؤها في التسعينيات، وأنت أحد (عرّابي) هذه القصيدة، حيث اشتغلت عليها نقدياً بشكل كثيف، ما الذي حدث لقصيدة النثر في السعودية وتواريها؟ هل بسبب من تبنيها فنياً في المنطقة الشرقية؟

بالنسبة لقصيدة النثر كما تعرف، وأنت من المتابعين لهذه الموجة، تعددت القراءات بالنسبة للنشأة، البعض أرجعها إلى حرب الخليج وأعتقد أن هذا الرأي تأويلي بشكل مفرط، والبعض أرجعها إلى كونها تأثراً وصدى لما يحدث في بعض الدوائر العربية الأخرى، وكذا توالت القراءات.

أتصور أن قصيدة النثر مثلها مثل أي جنس إبداعي، بحكم أن المثقف المحلي هو مجرد مراقب لما يحدث في الخارج، ومستجلب بشكل آلي. قد تتطور هذه التجارب من خلال أفراد أو مجموعات تستطيع أن تستجلب هذا الشكل الجديد وتحوله إلى أداة، أو إلى لون إبداعي له مواصفات محلية.

نحن نعرف أن تجربة التسعينيات كانت تقع تحت مؤثرات، ويمكن إرجاع تجربة كل شاعر إلى مؤثر، فالبعض تأثر بالتجربة البيضونية - نسبة إلى عباس بيضون- والبعض تأثر بالتجربة العراقية، تحديداً: جماعة كركوك، وهكذا، وبالإمكان القراءة اللاحقة تبين منسوب وحجم هذا التأثر.

حدثت بعض التطورات على مستوى الفئة التي كانت تدير هذه الموجة، وتوصلت إلى نتيجة بأن كل تيار لا يصلب مواقفه ولا يتشكل ضمن جبهة أو تيار ويرفض جمالياته من خلال التعامل المباشر مع الواقع ومع مختلف الظواهر يصاب بهذا الموات، أو بالانطفاء، وهذا أمر قد حدث بالفعل.

الكثير ممن تناولوا قصيدة النثر، كانوا يحاولون تجديد قصيدة النثر من داخل خطاب قصيدة النثر، وهذه جريرة، فقصيدة النثر بالإمكان تجديدها من خلال التعالق مع كافة الفنون التشكيلية والسينمائية، البصرية بشكل عام، والسماعية، وكان هناك حديث تلك الفترة عن القصيدة الشعرية متعددة الأبعاد التي تكتب بكافة الحواس.

أغلب المجموعة التي كانت تتعاطى قصيدة النثر، كانت تتعامل مع القصيدة كنزوة وبالتالي لم تنضج التجربة بما يكفي. بقيت بعض الرموز وما زالت على درجة من الولاء لهذا الفن.

ما حدث أن قصيدة النثر أصيبت بالمجانية الفارطة، فنتج جيل أقل كفاءة من الجيل السابق وأكثر جرأة على اللغة، والنشر، والحضور، وبالتالي أثر حتى على الموجة السابقة، فصار ينظر إلى قصيدة النثر على أنها قصيدة سهلة، اعتباطية، وبالإمكان الإتيان بها بأي شكل، وفي أي مكان وفي أي زمان وأنت مراقب للساحة وتعرف الأنطولوجيات الكثيرة، والمشاركات، وتعدد الأسماء التي لا تنتمي إلى فعل الكتابة، ولا تنظر إلى قصيدة النثر كقصيدة متجاوزة.

شخصياً ما زلت متحمساً لقصيدة النثر، وأعتقد أنها من ضمن الخيارات الإبداعية المهمة جداً في المملكة العربية السعودية.

بالنسبة لسؤال وجودها في المنطقة الشرقية: هي لم تتواجد في المنطقة الشرقية بشكل خاص، فأحمد الملا في المنطقة الشرقية، وعلي العمري في الرياض، وحمد الفقيه في الطائف، هناك تنوع، وهذا أتصور أنه امتياز لقصيدة النثر، وهي قصيدة مدينية بامتياز، ولكن كيف حدث أن تكتب قصيدة النثر من ذوات تعيش في فضاءات ريفية. هذا كان سؤالا محيرا، لكن حين نقرنه بالمرجعيات السيسيولوجية، نجد أن الأنساق القروية والريفية بالفعل قد ماتت، حتى الذوات التي اتجهت للمدينة صارت تكتب قصيدة النثر بنفس حميمي إلى مفردات القرية، ومن الأشياء الصادمة أن تجد شاعراً من الأحساء يكتب قصيدة نثرية، فالأحساء منطقة قروية وفارطة في القروية، فأن تتصدى ذات من منطقة ريفية ذات نفس رعوي، لكتابة قصيدة النثر قد تكون امتيازاً، وقد تتحول في حين من الأحيان إلى شيء من المجانية، والتجرؤ إلى كتابة فعل إبداعي غير مستوعب كتقنية وكمضامين. ولو تأملنا خارطة الذوات التي أنتجت قصيدة النثر نجدها توزعت على مستوى المملكة، وهذا شيء من امتيازات قصيدة النثر. أضف إلى ذلك، أن قصيدة النثر استطاعت أن تجلب وتستدعي الجانب الأنثوي، فتورطت ذوات أنثوية في كتابة قصيدة النثر في الوقت الذي كانت فيه شعرية التفعيلة مقتصرة نوعاً ما على نبرة ذكورية، وهذا امتياز يضاف أيضاً إلى قصيدة النثر.

هذا الاتساع لقصيدة النثر بكل معطياته السيسيولوجية والجمالية أتصور أنه كان مجالاً إلى إنتاج نص نثري متعدد الأبعاد، فيه القدرة على التفاعل مع مجمل الخطابات، وفيه قدرة على تقريب الأبعاد المناطقية، وإنتاج نص مختلف، وهذا ما يحدث الآن، نجد أن قصيدة النثر استطاعت أن تتمدد على رقعة أوسع.

* موقفك من الدكتور عبدالله الغذامي هل هو موقف حول كون نقده لا يؤسس لنقد نظري راسخ- فيما تزعم-، أم أن المسألة أنه قد يتضاد بعض الأحيان مع ما يقوله من فترة لأخرى كما ذكرت ذلك في مقامات سابقة؟

- أتصور أن الدكتور عبدالله الغذامي من أكثر الذوات الثقافية الفاعلة في المشهد، بدليل إصداراته وحضوره الفاعل باستمرار، وأعتقد أنه بحاجة إلى قراءة ممتدة وعميقة، لكن مشكلة الغذامي الأساسية أنه كائن غير حواري. الغذامي لا يحاور أحداً، وهو يتفاعل مع ما ينتج وكأنه فعل إبداعي ناجز، وقار، ومنتهٍ. وبالتالي لا تتأسس لديه قناعات مبنية على حوارية ومبنية على كافة الأطراف وكافة التوجهات الموجودة في الساحة، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى أن الغذامي سريع التماس مع دوائر الآخر، واستجلاب ما ينتج بتلك الدوائر، بدون قدرة أو رغبة ربما على تكييف هذا المنتج مع متطلبات السياق المحلي، وتطبيقها بشكل عملي. في تجربة الغذامي وتاريخه الكثير من التناقضات، وهذه التناقضات كان ينظر إليها في لحظة من اللحظات بمعناها التعددي أنها دلالة على الحيوية، وأعتقد أن الأمر لم يكن بهذه الطريقة، فأحياناً التناقض ينسف كثيراً من جهود المفكر أو المبدع أو الناقد. يظل الغذامي رمزاً ومثالاً حياً للمثقف الذي يرغب في تحريك الساحة وتفعيلها، لكن أعتقد أنه بحاجة إلى التركيز على البعد الحواري. عندما نقرأ ما ينتج الغذامي نجد أنه يؤكد في كل ما يكتب على أنه واحد أحد في المسألة الثقافية. بالشعور أو اللا شعور، فهذا أمر واضح، وأعتقد أن كثيراً من المثقفين قد توصلوا إلى هذه النتيجة منذ فترة، ولم يعد بداخلهم أي رغبة للتفاعل مع ما ينتج. حتى على مستوى القراء العاديين لم يعد الغذامي ذلك الرمز الذي ينتهي عنده القول الفصل في المسألة الأدبية.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة