Culture Magazine Monday  23/06/2008 G Issue 253
فضاءات
الأثنين 19 ,جمادى الثانية 1429   العدد  253
 

عولمة الثقافة وثقافة العولمة
قاسم حول

 

 

عولمة الثقافة هي الحد الفاصل بين ثقافتين بشقيها الأدبي والفني، ثقافة هي أمتداد لتأريخ وإرث حضاري وإنساني وثقافة جديدة فرضتها ظروف معاصرة وتقنية معاصرة. ولهذه الثقافة وسائل تبشيرية وتثقيفية هي ثقافة العولمة تمثلها وسائل إتصال حديثة ومتطورة. وفي المحصلة فإنها تعني فرض سياسة الأمر الواقع عبر وسائل إعلامية قوية ومؤثرة. تمكنت من أن تلعب دورها في حياة ثقافية جديدة مختلفة تماما عما ألفناه في حياتنا السابقة في القرن العشرين.

وسائل إعلام ورموز ثقافية عالمية ومروجون إقليميون ومحليون بدأوا يفكون رموز العولمة الثقافية ويروجون لها وتكتب بصددها النظريات والبحوث وتعقد الندوات المباشرة واللقاءات التلفزيونية. هي سياسة واضحة لم تعد تقبل التأويل، إن حالة ثقافية من حالات الأمر الواقع ينبغي استقبالها أولا وقبولها ثانيا وممارستها أخيرا.

لو أردنا التمسك بالثقافة التي رست على أسس علمية وتأريخية وتطورت موضوعيا كما هو الحال منذ أن نشأت الثقافة والفن فطريا حتى السوريالية، لقيل إننا ماضويون عفا علينا الزمن وغفا. فثمة جديد يتفاعل مع روح الشباب وروح العصر نحن بعيدون عنه وغير قادرين على استيعابه.

في صبا كل جيل رغبة في التجديد والخروج عن السائد وعن التقليد. وتلك الرغبة كانت تنتج الغريب وتنتج الجديد وأحيانا تضمحل وتختفي لأنها كانت خاضعة للرغبة في التجديد والخروج عن المألوف من أجل الخروج عن المألوف والوقوف في دائرة الضوء حتى وإن كان بشكل مؤقت. فإذا كانت أية رغبة في التجديد غير قائمة على الأسس العلمية والأكاديمية فإنها خبت بالضرورة. فرسامو التجريد والتجريد التعبيري الذين لم يدركوا القيمة الفنية والتشكيلية للفن الكلاسيكي كان من الواضح جدا ضعف تجربتهم وعدم ديمومتها، بعكس الذين تحولوا من الفن الكلاسيكي إلى الفن التجريدي وبوعي فإن لوحاتهم عكست جمال الموضوع ولا تزال وستبقى قيمتها ماثلة أمام محبي هذا الفن الذي كسر المألوف ولكن بوعي وضمن أسس فنية متوارثة تطورها ضرورة الحداثة.

يقف اليوم أمام ظاهرة العولمة عدد كبير من المعنيين عن الثقافة والإعلام، وكذلك من المبدعين، في حيرة من طبيعة ثمار عولمة الثقافة. لأن الأمر لم يعد يتعلق بعولمة الثقافة أي بجعل الثقافة الإنسانية عالمية مثل عولمة الاقتصاد والهندسة والطب وكل شؤون الحياة الإنسانية وإنما بثقافة العولمة التي باتت تعبر عن سياسة الأمر الواقع.

لو عدنا قليلا إلى الوراء وتذكرنا لغة «إسبرانتو» التي كان يفكر صاحبها لودفيغ أليعزر رامنهوف عام 1887 بجعل البشرية تكتب وتتكلم لغة واحدة لكي يصبح اللقاء البشري سهلا وإنسانيا لتوصلنا إلى حقيقة هامة تقودنا إلى جدوى أو عدم جدوى عولمة الثقافة. وقد حاولت بعض الجامعات تدريس هذه اللغة واعتمدتها جزيرة صغيرة في الصين لغة لها، وأدرجت الإسبرانتو في وثائق الأمم المتحدة، لكن حتى الآن لم تحقق التجربة نجاحا يذكر على مستوى القبول. فاللغة هي أيضا ثقافة بل وثقافة هامة وعالية الرقي في حروفها، قواعدها، كتابتها، موسيقيتها، وإرثها الإنساني. فهل يقبل العربي والمسلم العربي إلغاء لغة القرآن مثلا والتحدث بالإسبرانتو؟! هنا تأتي فكرة قبول العولمة. فاللغة هي أصعب المفردات في عولمة الثقافة. فكيف يكتب الشعراء العرب قصائدهم بحروف لاتينية وبلغة تخلو من القواعد وتحول الكلمات إلى رموز من الحروف اللاتينية. كم من الأجيال والقرون يحتاج العرب والمسلمون للتعايش مع مثل هذه اللغة العالمية؟! هذا إذا فرضنا إمكانية التعايش معها مهما اتسعت رقعتها؟!

اليوم والكثيرون في حيرة إزاء عولمة الثقافة وثقافة العولمة. فنحن أمام تيار سياسي وإعلامي كبير وخطير أصبح أمراً واقعا يصعب رفضه أو الانسحاب من تياره وقد صار جزءا من وسائل الاتصال السمعية والبصرية والسمعبصرية. ثقافة تستقبلها في الهاتف الجوال وتقرؤها وتراها على شاشات التلفزة الفضائية وستنتقل بكاملها على شاشة الحاسوب ثم تنتقل بكاملها على شاشة الهاتف الجوال الصغيرة التي تلاحقك بمحبة أو بكراهية أو بالضرورة وأنت في القطار وفي سيارتك وفي رحاب استراحاتك. هي ليست ثقافة خيار، كأن تذهب في إجازة وتختار بضعة كتب أنت تختارها وتختار أوقات قراءتها أو عدم قراءتها، فيما ستكون مرغما على مشاهدتها وسماعها عبر جهاز الهاتف المحمول.

لقد فرضت علينا صيغ ثقافة العولمة عبر وسائل الاتصال. فاتخذت الصورة بسبب التطور التقني أشكالا مختلفة عن سابقتها. ليس فقط شكل الصورة بل أيضا وسائل تحقيقها، فألغيت مراحل مغناطيسية وضوئية كثيرة لإنجاز الصورة وسهلت وتطورت أشكالها وطرائق تحريكها وصولا للمدهش حقا وهو تطور لا يمكن الوقوف في تياره لأنه حقق إنجازات معرفية وتقدمت وسائل التعبير وقادت بالضرورة إلى اتساع خيال المبدع لأن أمامه وسائل تعبير جديدة وآفاقها غير محدودة وزال منها وعنها المستحيل. فهل تقف موقف الرفض أمام مثل هذا التطور؟! لا شك ستكون ماضويا وتعزز الاتهام بانتمائك إلى حقبة قديمة وتحجرك عن استقبال الجديد الممتع والمفيد. لكن ثقافة العولمة هذه تفرض عليك في ذات الوقت أن تقبل بمعطيات الأمر الواقع. أن تقبل الثقافة السائدة والتي هي ذات أبعاد اقتصادية وسياسية أكثر منها ثقافية وإبداعية. ففي الوقت الذي تطورت فيه أشكال التعبير البصرية وتطورت وسائل الطبع والنشر ووسائل الإتصال ونقل المعلومة وأصبح العالم قرية صغيرة وكل شيء في متناول اليد بالدقيقة والثانية، فإن مضامين ثقافية وأشكال ثقافية أيضا اختفت وتختفي بالضرورة. وأنت هنا لا تستطيع أن ترفض هذا التطور وهو بالأساس مفروض عليك ولا يمكنك التخلي عن ثقافتك التي نمت على أسس وصيغ مختلفة. لكن مواقع انطلاق عولمة الثقافة وفرض ثقافة العولمة عبر وسائل الاتصال الحديثة جاءت من مصدر واحد ليصبح العالم من منظور وحدة الثقافة الإنسانية شعارا مغريا يقف بالضد تماما من فكرة وشعار حوار الحضارات. ثقافة العولمة هو فرض مسبق لحضارة واحدة ورؤية ثقافية واحدة وشكل واحد لهذه الرؤية يؤدي إلى أهداف اقتصادية وسياسية وهي الفكرة الأساسية لعولمة الثقافة.

يقف الباحثون هنا في موضوعة العولمة موقف الحيرة لأن التجربة غير مأمونة النتائج إذ قد تكون فيها من الإيجابيات وهي توحي بذلك ومدعومة بنماذج ثقافية أدبية وفنية، وفيها إغراءات في مجال القيمة التقنية والفنية الجمالية، وقد تكون فيها سلبيات تتمثل في سيادة اللون الواحد والإيديولوجيا الواحدة والإنقطاع عن الإرث الإنساني في الثقافة. هؤلاء الذين يراقبون التسارع في سيادة الثقافة الجديدة لا يستطيعون فعل شيء غير الانتظار. فقدراتهم على مناقشة هذه الحرب الثقافية هي قدرة محدودة وهم يقفون أزاءها موقف المتفرج.

والسؤال المهم الذي يواجهونه هو أن العولمة هي مشروع أمريكي فيما حوار الحضارات هو مشروع أوربي. فلماذا نجحت فكرة العولمة واضمحلت فكرة حوار الحضارات التي هي أكثر احتراما للبعد الإنساني ولسمات المجتمعات وخصوصية انتماءاتهم وأديانهم. حوار الحضارات الذي اختفى في فترة زمنية وجيزة ولم يعد الحديث عنه قائما سوى بالمصادفة؛ فيما طغت ثقافة العولمة باتجاه عولمة الثقافة وأصبحت هي السائدة والمفروضة على الشعوب.

من الواضح أن طغيان عولمة الثقافة على الواقع الإعلامي وتحوله إلى ما يشبه الأمر الواقع واختفاء فكرة حوار الحضارات الأكثر إنسانية والأكثر رقيا والأكثر احتراما للثقافة يدلل على وجود طغمة مالية كبيرة ذات أهداف استراتيجية مسقبلية تتعلق بالمال والثروات، وتضع شعوب المنطقة رهينة بها، وهذا يتطلب ليس حوار الحضارات في تطوير المعرفة والتأثير والتأثر وإنما في تعميم ثقافة العولمة من أجل عولمة الثقافة القائمة على مكننة الثقافة وتفريغها من محتواها من أجل مجتمعات قادمة لا يمكن وصفها سوى بالتسطح وبذلك تسهل الهيمنة على مقاليد الشعوب.

في عولمة الثقافة في تقديري سوف تمحى الهوية الثقافية للشعوب وتعميم ثقافة مبهرة خالية من المضامين ومتقدمة في تقنيتها وسهلة التلقي. أما البديل فيكمن في حوار الحضارات.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7591» ثم أرسلها إلى الكود 82244

-هولندا sununu@wanadoo.nl


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة