Culture Magazine Monday  20/10/2008 G Issue 257
ذاكرة
الأثنين 21 ,شوال 1429   العدد  257
 
ماذا تقول إدارة اللاسامية بعد رحيل سولجينيتسن؟
سولجينيتسن واليهود
منذر بدر حلّوم

 

 

في ليل الثاني إلى الثالث من آب2008 رحل المقاتل العنيد ضد الاستبداد والقهر والدجل والضلال, حائز نوبل للآداب (1970) الكاتب الروسي العظيم الكسندر سولجينيتسن, وبهذه المناسبة المؤلمة أعود إلى محطة كانت قد استوقفتني عن إشكالية علاقة هذا الكاتب والمفكّر والمؤرخ بالـ(يهود), معتذرا من اليهود المضطهَدين عن أل التعريف هذه.

كان غوغول ودوستويفسكي وليسكوف وبونين وغوركي وبولغاكوف وروزانوف, قد سبقوا سولجينيتسن إلى معالجة المسألة اليهودية (الموضوع المؤلم) - على حد تعبير فلاديمير بوندارينكو نائب رئيس تحرير جريدة (زافترا ( الغد) -, فكل منهم, على طريقته, لامس مسألة العلاقة اليهودية الروسية. ومع ذلك فثمة اليوم ما يستدعي الوقوف عند سولجينيتسن بالذات. فمع صدور كتابه الأخير(مائتا عام معا)(صدر الجزء الأول في تموز 2001, والجزء الثاني في كانون أول 2002,عن دار روسكي بوت (الطريق الروسي, موسكو), تجددت الحملة المتهمة لسولجينيتسن بالعداء للسامية.

يستغرب بوندارينكو في (زافترا) أن يمكن للمرء الحديث بحريّة وفي جميع وسائل الإعلام عن العلاقات الأوكرانية الروسية وكذلك عن الأزمة الروسية الشيشانية, في الوقت الذي يتحوّل فيه البحث في العلاقة مع اليهود إلى تابو, متسائلا, في معرض حديثه عن كتاب سولجينيتسن الأخير (مائتا عام معا) والاتهامات التي وجّهت إلى كاتبه بمعاداة السامية, لماذا ذلك كلّه؟ فينتهي إلى أن ذلك يعود إلى غياب منهج موال لليهود في كتاب سولجينيتسن, ولذلك فلا بد من أن يصنَّف بين أعداء السامية, على الرغم من معالجته الموضوعية لوقائع تاريخية تؤكد مساهمات اليهود الهامة في بناء روسيا وفي قيام الثورة وانجازاتهم الكبيرة في العلم والثقافة. أمّا سولجينيتسن نفسه فيتحفنا بما هو أكثر من ذلك. ففي حوار أجراه معه فيكتور لوشاك رئيس تحرير صحيفة (أنباء موسكو) يقول سولجينيتسن بأنه اتهِمَ عند صدور روايته الأولى (يوم واحد من حياة إيفان دينيسوفيتش) بمعاداة السامية! وكان السبب عدم ورود كلمة يهودي في أي مكان في الرواية, ثم سبب آخر أكثر تفاهة, ألا وهو عدم مشاركة سيزر ماركوفيتش (الذي يجب أن يكون يهوديا) في رص الطوب! ويخاطب سولجينيتسن محاورَه لوشاك مستغربا: أتفهمون! بالعكس تماما, لأن كلمة يهودي لم تأت في النص! ثم يتابع سولجينيتسن حكايته مع اللاسامية في رواية (مدار السرطان), فهذه الرواية أيضا اتهمت بمعاداة السامية, أمّا السبب فلا يمكن أن يخطر ببال غير الخبير بإدارة منظومة اللاسامية والإفادة منها إلى أبعد حد... السبب - كما يقول سولجينيتسن - هو غياب وجود طبيب يهودي ضمن طاقم المشفى الطبي الذي تتحدث عنه الرواية... ويعبّر عن اندهاشه قائلا: عجبا, كيف يقرؤون؟! يأتي ذلك في معرض دفاعه عن نفسه أمام متهميه, فلديه - كما يقول - في(مدار السرطان) شخصية الطبيب ليف ليونيدوفيتش الجراح الممتاز والإنسان الجذاب للغاية, و:(قد أفردت له فصلا كاملا من الرواية, ومن الواضح هناك أنّه يهودي من خلال كلماته وحديثه ناهيك عن اسمه واسم أبيه..( لكنّ ذلك كله لم يكن كافيا لمستثمري (اللاسامية), وبالتالي بقي سولجينيتسن محط أنظارهم, فما أن ظهر عمله (آب, 1914) حتى استعرت الحملة ضده. يقول سولجينيتسن في حواره مع لوشاك: ( كان أكثر ما هزّني هو ما حصل مع (آب,1914), فلم يكن قد ظهر العمل بالإنكليزية بعد, ولم يكن أحد قد تمكّن من قراءته بالإنكليزية حين راحت تستعر الحملة التي تتهمه بالتطرف في العداء للسامية. ويعود ذلك, بالضبط, إلى أنني لم أُخْفِ أن بوغروف قاتل ستوليبين كان يهوديا... وقد وصل الأمر إلى انعقاد جلسة في مجلس الشيوخ الأمريكي (في آب, 1985) لمناقشة لاسامية كتابي, وبالطبع لم يكن أحد من المتناقشين قد قرأ العمل).

وفي الوقت الذي تجد فيه الكثير من النقاد الروس يتهمون سولجينيتسن باللاوطنية وبأنه باع نفسه لليهود, تجد قسطنطين بوروفي يكتب مع صدور الجزء الأول من (مائتا عام معا) في (كومسومولسكايا برافدا, 18 تموز, 2001): (إن السلطة الروسية الحالية بحاجة ماسّة إلى هذا الكتاب فمع مجيء بوتين تعود سلطة آل ك.ج.ب المطلقة ويعود زمن الحقد البشري, حيث النضال ضد الكوسموبوليتية وحملات العداء للسامية تمثُل استراتيجية السلطة...( فإذا كان الحديث في الكتاب يدور عن تاريخ مضى من العلاقات بين الروس واليهود( فإنني أخشى, بفضل سولجينيتسن أن يصبح الماضي مستقبلنا, وأن تصبح الاعتداءات على اليهود عرفا ). ولا تعني بوروفي, كما لا تعني غيره من مستثمري اللاسامية, في شيء أن يكون الكتاب موضوعيا أو لا يكون, فالموضوع نفسه كاف للاتهام باللاسامية, كما هو أي بحث آخر يتناول النازية خارج منظور (الهولوكوستيين). يقول بوروفوي:(في روسيا, البلد الذي يعيش فيه 128 شعبا, البلد الذي قادت الدولة فيه العديد من الحملات المعادية للسامية, يعني طرح مسألة علاقة مائتي عام استمرارا بتقليد الدولة المعادي للسامية... وإذا كان لا يزال الحديث عن ذلك ممكنا عندنا اليوم فهذا يعني أن مجتمعنا لم يفهم جيدا بعد معنى النازية... وفي حقيقة الأمر يأتي عمل ألكسندر إيسايفيتش كتأسيس أيديولوجي لنضال مستقبلي ضد الكوسموبوليتية...)..

وما أن صدر الجزء الثاني من (مائتا عام معا) حتى كتب فلاديمير أوبينديك في (بولييزنايا غازيتا) الجريدة المفيدة ( أعداد 219 - 227, شباط, 2003) متهما سولجينيتسن باللاسامية ومهاجما الكاتبة الصحفية الإسرائيلية دورا شتورمان التي يرى أنها من الجيل الضائع الذي لا يرى لاسامية سولجينيتسن الزاحفة. يكتب أوبينديك:( ليس عبثا أن سولجينيتسن يرصد منذ زمن طويل الصحفية الإسرائيلية دورا شتورمان التي تعيش في إسرائيل, فهو بأمس الحاجة إلى تقرير إيجابي من كاتب إسرائيلي ). ثم يقتبس بعضا مما جاء على لسان شتورمان:( في حينه كتب لي سولجينيتسن أنه يتابع منذ سنوات طويلة ما أكتبه. أرسل لي كتاب (مائتا عام) مفصحا عن رغبته في معرفة رأيي. وأنا طلبت (تأجيلا), وعلى الأرجح لن أكتب عن كتابه الجديد لأنني سبق أن كتبت عن علاقته باليهود وبإسرائيل. إنه لم يكن في يوم من الأيام معاديا للسامية, وهو دائما كان يكتب بامتعاض عن هذه التهم (جريدة (سبعة أيام) الإسرائيلية, 15 أيار 2002)). ويختتم أوبينديك مؤكدا اتهامه لسولجينيتسن باللاسامية, لافتا نظر القارئ إلى حاجة سولجينيتسن الماسة ( إلى آراء تثني عليه خاصة من اليهود, وإلاّ فلن يكون لديه ما يتبرّأ به إذا جاء المديح على لسان اللاساميين وحدهم, فهو يأمل بخداع اليهود السذج ثانية).

أخيرا, سأتوقف عند نقطة (السذاجة) هذه, مكتفيا بما أوردتُ, على الرغم من وجود مقالات أخرى كثيرة تتناول لاسامية سولجينيتسن, لأقلب, بسذاجة, الصورة على غير انتظار. فثمة ما يحزن في أن أحدا من العرب لا يتحرك رغم التجاهل الصريح لحقوق العرب في (مائتا عام). في (مائتا عام معا), مثلا, لا يذكر سولجينيتسن شيئا عن المسألة العربية, متبنيّا مقولة (أرض بلا شعب), وفي حواره الذي أشرنا إليه أعلاه مع لوشاك, يسأله الأخير: (ثمة مفارقة, أتمنى لو توضحوها لي: فقد عجز القياصرة على مدى قرن ونصف عن جعل اليهود يتأقلمون مع العمل الزراعي, ثم, كما تشيرون أنتم أنفسكم, عندما قامت إسرائيل قامت زراعة رائعة دون ماء ودون تراب... فيجيب سولجينيتسن: المفارقة في أن تكون صاحب الأرض - إنّه ولع, إنّه شعور عميق بالوطن.. ). ومع ذلك يتهمونه باللاسامية ونصمت نحن!

دمشق


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة