Culture Magazine Monday  20/10/2008 G Issue 257
مراجعات
الأثنين 21 ,شوال 1429   العدد  257
 

شاطئ اليباب
عدنان السيد محمد العوامي
سعد البواردي

 

 

66 صفحة من القطع الكبير

يقولون الكتاب يُقرأ من عنوانه.. وبدوري أقول الديوان يُقرأ من خطاب مقدمته.. وشاعرنا العوامي اعطى لنا اشارة البدء رائعة بمكنونها ومضمونها:

في العيد أهديتك فستانا

قلت: مئات في خزاناتي

حملت نسرينا.. وريحانا

فلم تكن ترضيك باقاتي

قلت: فما تبغين؟ عقيانا

قلت: كثير عند جاراتي

قلت: ففيروزا.. ومرجانا

قلتِ: ألا تكفي مصاغاتي؟

قلتُ: أشيري. قلتِ ديوانا

أزهو به بين صديقاتي..

مدخل شاعر ليراع شاعر أحسبه شارة مرور خضراء آمنة كي نتحرك وفي قبضتنا أكثر من مشعل نستدل به في رحلة سفر مليئة بالوقفات..

(حبيبتي. والأرض) ترنيمة حب عاشقة وطويلة وجميلة. يكفي منها ما ينقل الحس.. ويفرح النفس.

لون الينابيع في أرضي يغازلني

فهل تغارين ان مرت على خلدي

هل تغضبين إذا رفّت بذاكرتي

وأنتِ تدرين أمري لم يعد بيدي

عشقتها فيكِ فردوسا وعشت لها

هوى تشرب في فكري ومعتقدي

ومع هذا العشق.. والشوق على بعد كان له أن ينتظر ويصبر (ويعاني مرارة البعاد) إلى أن عاد..

لما أتيتكِ أوصالي تنز دما

لم تهزئي من معاناتي ومن كمدي

لم تشمتي. لم تريني وجه ناقمة

بل كنتِ أحدب من أم على ولد..

الأرض يا شاعرنا أم الأمهات.. إنها تحتضن أبناءها عن قرب.. وتخشى عليهم عن بعد.. هكذا كنت.. وهكذا كانت.

(السبب).. وحين يُعرف السبب يبطل العجب.. أنه وله ودله الحب:

بخديك، يزهو الصبا مشرقا

ولون بعينيك لا يتقي

وشعر. فديت ارتجاح الحرير

عليه. فديت الشذا مُهرقا

مساكب عشق على منكبيكِ

تخبئ في ليلها مشرقا

وصبح تبلج عن ناشئين

على ربوتي صبوةٍ عُلقا

يلوبان فوق السنا يطفوان

هوى شيقا شيقا شيقا

فمعذرة ان رددت الجفون

وجاورت هذا الصبا مطرقا

بهذا الايقاع من النغم العاشق.. ومع هذا الموقع الوجداني اكتفى بإطراقه صمت الحديث فيها للغة العيون.. لغة كل شاعر..

(البكاء بلا دموع) إنه الأشد وجعا وإيلاما.. إنه بكاء التحجر.. والتفجر الذي لا تطغى لهيب ناره ماء.. ولا ارتماء في أعماق نهر.. وهل يسعف الدم مع عينين أمام مشهد الفراق لأغلى الأحبة؟ أبدا.. إنه لا يكاد يصدق أن الذي جرى قد جرى.

كذب ذلك النعي وزور

هل يموت السنا. ويذوي العبير

أتجف الورود في موسم العطر

وتغتال في صباها الزهور

أصحيح تقصف الغصن رطبا

وندى الصبح فوقه منثور

أصحيح أبا نزار؟ أأودت

بك كف الردى وأنت الأثير

رثائية وفاء لرفيق دربه الشاعر عبدالواحد الخينزي.. صاغها بقلم المه.. ومداد دموعه التي انتقلت من المآقي والأحداق إلى حبر يلون به وجه الوداع الحزين..

ملاحظة.. الكثير من أبياتك يا شاعرنا نستفهم.. بل تتعجب أينها علامات الاستفهام (؟). أو أينها علامات التعجب (!).؟

في لبنان كان لـ(صوت حرية يدفع به.. ويدافع عن عروبتها وحريتها)..

من أرض لبنان هذا الشادن الخفر

مِن لحصتيه سرايا الفتح تنهمر

يذود بالدم عن أرضي وعن شرفي

أين الجيوش تولت ما لها أثر؟

يا من تدافع عن أعراض أمتنا

بالمعصمين حنانا كيف أعتذر

إني - وعينك - لا أدري أيشفع لي

اني أغنيك شعرا كله هذر

معذرة يا شاعرنا من افصح عما بنفسه من شهامة وكرامة لا يهذر.. قلت هذه الصرخة ولبنان في أتون حربه الأهلية الطاحنة والاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على أرض لبنان المحبة التي أوجعت.. وأفجعت.. من حقك.. بل من واجبك ان تقول المزيد.. والمزيد

أنا من القوم. ذاتِ القوم ما اختلفت

لهم وجوه.. ولا اهتزت لهم صور

فما تلألأ من أسيافهم.. وهج

إلا وفي هامهم من نصلها طُرر

من دير ياسين لم تشهر حناجرهم

على عدو ولم يُقدح لهم شرر

يخاطب شعراء أمته وحكماء أمته الذين ران بهم الصمت المطبق أمام هول ما يجري.. يخاطبهم سافرا:

هزوا القصيد فهذا مهر عنترة

حامي الديار وذي الخنساء فافتخروا!

تسلموا بالقوافي أن أمتكم

لها من الشعر ما لا يملك البشر.!

من ذا يصدق أنا لم نزل عربا

لا ربيعة في الجلى، ولا مضر.!

ويتساءل في حرقة:

فما لنا اليوم لا يعلو لنا وهج

ولا يُشد لنا قوس ولا وتر؟

نمنا على الضيم ما ملت جوارحنا

طول المنام وإن ضاقت بنا السرر

كم نستذل ولا حس يحركنا

ونستباح ولا شكوى ولا ضجر!

واخجلتاه! أيحمي النمل مخبأه

ويستميت إذا ما انتابه خطر!

ولا نذود إذا بيعت كرائمنا

ولا نذب إذا أطفالنا نحروا!

قصيدة عصماء طويلة كانت رسالته لبني قومه الذين يتفرجون على المأساة ويهرجون من حولها لا حول لهم ولا طول.. كان هذا في الماضي يا شاعرنا المجيد.. اليوم تغيرت صورة المشهد المقاومون اللبنانيون استوعبوا الدرس قرؤوا مقولة شاعرنا

ما حك شعرك مثل ظفرك

فتول أنت جميع أمرك

قاموا بالمهمة على خير وجه.. دحروا الجيش المحتل الذي لا يقهر.. حرروا جنوب لبنان وطهروه من رجسه من حقهم عليك مهر عنترة الذي وعدت به حماة الديار.. انهم يستحقون.. غنى لتاروت التي تستحم بمياه البحر الدافئة..

تاروت أين صحا جفني وأين غفا

رآكِ ترسين في أهدابه فهفا؟

فجيعة البحر والشطآن! هل كبد

أوت إليك فما أوريتها دنفا؟

وهل ترحل في الآفاق منتجع

صبابة نمت في عينيه ما وقفا؟

فكيف ينكر من عرقي تشرده

على ضفافك إن غنى وإن هتفا؟

أنا المعنف في عشقي وفي ولهي

اعطي الجمان، فهل اجزى به خزفا؟

الله.. كيف أذود الشعر عن شفتي؟

وكيف أُمسك شرياني إذا نزفا؟

مادام وجهك تشكيلا لقافيتي

فواصلا في حروفي. ضمة. ألِفا

إنها معلقة شعر على جدار الزمن تبتز بها شعراء كثر لهم على ساحتنا ظهور غير مستحق.. اعترف لك بريادة جهلناها عنك.. أو تجاهلنا عنك.. سيان.. نيابة عنك أضفت إلى أبياتك المهملة علامات استفهام مطلوبة من تاروت المحظوظة بشاعرنا ومشاعره وشعرية تكون النقلة إلى (ذات الرداء):

نافورة الأطياب أين الهوى؟

أضعت في لونك لون المدى

من أين؟ من أين؟ متى اطلعت

ارضي كهذا رشا أغيدا!

ما كنت أدري قبل ان تسفري

ان لدينا سوسنا. أو ندى

والآن عرفت.. بماذا ستعرِّف:

يا هذه رفقا بأعصابنا

لا تشعليها للهوى موقدا

بشفاهنا عطشى. وأحداقنا

مجروحة الاهداب تفنى صدى

تلوي بها الاشواق.. تجتزها

مجنونة الاضراس حتى الردى

أتخمنا وصفا وتوصيفا.. ماذا بعد؟! وأين النهاية.. هل هي فراق.. أم غرق في بحر هواها؟

إنا هنا غرقى.. واحبابنا

يأبون ان يلقوا الينا يدا

احبابنا رفقا فأكبادنا..

غرثى مدماة عليها المدى..

نشقى. ويبقى العشق في جوفنا

يشقى. ويغتال دمانا سدى

نهاية منتظرة.!

شاعرنا العاشق اعترف بفرقة دون أن يلقى من يمد له يد العون.. ونحن جميعا معه نكاد نفرق لكثافة شعره الوجداني.. فما ان نخلص من مناداة حتى نبدأ في مناجاة جميعها تستحق الرصد لولا ان خيال الشعر.. وأدبيات العشق.. وخطاب الحب يتماثل في كثير من مشاهده..

(الحلم) وقفة جديدة.. مع حواء قصة عليه حلمها وتحدث شاعرنا ان يصوغه شعرا.. وفعل

أغفو فتوقظني الرؤى من مضجعي

وأظل بين ترقب. وتطلع

وأبيت ساهرة يراود مقلتي

طيف يقاسمني الهوى في مخدعي

تهفو يداه براحتيّ فأنتشي

وأضمه من لهفتي في أضلعي

وأحسه نفسا يوشوش وجنتي

ويطوف روحا في خيالي الممرع

واخاله قربي يدندن واقفا

آنا. وآنا جالسا يحكي معي

ويعود متكئا بقرب وسادتي

يرنو كما يرنو الوليد لمرضع

طال الوصف.. هل عقدت على حلمها الحلم وقد استيقظت من رقدتها.. هل تحول الحلم إلى شريك حياة تأنس به ويأنس بها؟!

أتراها اضغاث أحلام..؟ أم كوابيس نيام خادعة؟ أين تكمن الحقيقة؟!

فأرى الحقيقة ويح وهمي انني

وحدي مُسهدة أبيت بمخدعي

من يدري فقد ينتصر العلم على الحلم.. ويتحول السبات إلى يقين يقظة مشروعة.. غنى لصفوى فأجاد الأغنية: تخيلها حسناء تجول شعلها كعروس شعر فاتنة

ألم ترها يوما تسرح شعرها

بداروش كالموال مسترسلا حلوا

تريق دموع الليل فوق ضفافه

تسلسله ترخي ضفائره زهوا

تهدهده. ترعاه تحت ردائها

وتغفل احيانا فتنشره زهوا

وتنساه مسفوحا وابقى مشردا

ادافع اشواقي احاذر ان اروى

على هذا النسق يمتد به أوار العشق مأخوذ بجماليات الصور المتدافقة في ذهنه حتى لا يكاد ينتهي.. ولكن في النهاية اختزل صورة في بيت شعر واحدة هو قصيدة بذاتها..

تمنيت لو كانت حياتي قصيدة

أغني بها أهلي. أغني بها صفوى

أحسنت يا شاعرنا العوامي.. وأجدت..

(رسالة) إلى من؟ لا أدري.. أعرف أنها لعزيز أو لعزيزة غالية عليه فرقت بينهما الأيام.. وأبقت لهما مجرد ذكريات لها عذوبتها ولها أيضاً عذاباتها.. من هذه القصيدة أكتفي بمقاطع منها..

أيها الغائب المقيم بفكري

انت لي ما بقيت طيبي. وعطري

لم تزل ذلك الحبيب المفدى

وقليل ان افتديك لعمري..

سلوتي انت يا رفيق حياتي

وعزائي إذا تنكر دهري..

لا تقل لي صبرا. فليس بشاف

ما بنفسي من القطيعة صبري

وبخطاب عتب لا يخلو من مرارة:

غير اني اشكو مرارة هجر

انت تدري به. وعينك تدري

(كمين) مشهد نشاهد في فزع على مدار الأيام والليالي.. قصة شباب المراهقة وهم يتغزلون دون حياء.. ويطاردون بلا أدب بنات جنسهم..

وكان ان مر بنا صدفة

منور البسمة. حلو الإهاب

فاجأنا. نمشي على غفلة

انا. واختاي منى والرباب

كنا ثلاثا في ربيع الصبا

وكان يزهو في نعيم الشباب

لما رأيناه مدى خطوة

منا تنبهنا.. نرد الحجاب

لكنه شد بنا طرفه

حتى خشينا ان نشف الثياب

هنا بدأت ملامح الكمين الذي لابد وان يُعد له..

قالت منى: (مال بال هذا الفتى

لا يستحي. لا يرعوي. لا يهاب

تأملا عينيه. إني أرى

كأن في عينيه دنيا رغاب)

قلت: (وما يعنيك من أمره

هذا فتى يجري وراء السراب

ماذا تريدين؟ أنلهو به؟

مهلا فعندي ألف باب وباب

رباب تغويه بإيماءة

من جفنها. تغريه بالاقتراب

وسوف أحتال على فرجة

تكشف عما لذَّ مني. وطاب

حتى إذا قصّر من خطوه

فلوِّحي أنت له بالخضاب

ثم انظري إن كان رأس الفتى

مازال فيه فضلة من صواب

الكمين لم يكتمل، لا أدري لماذا جاءت النهاية بلا نهاية، تمنيت لو ان شاعرنا أوصلنا إلى الكمين الذي وعد به، ولم يفِ به.

أخيراً. مع آخر الحروف.. آخر محطات المرحلة مع شاعرنا الإبداعي عدنان العوامي في ديوانه (شاطئ اليباب)..

إلى متى يا شراعي تذرع الحقبا؟

لا القلب ثاب ولا نبع الهوى نضبا؟

سواك يؤثر حضن الموج ملعبه

وأنت تعشق دون اللجة السهبا

كم تزرع المرو نسرينا وترقبه

فما تعبت. ولا وعد الجنى قرُبا

رفقا فما عدت تستهدي لسادرة

عينا تؤانس ضوءا أو ترى لهبا

فالليل مازال ليلا والمدى غبشا

أجئت توقد أسداف الدجى شهبا؟

والصيف مازال صيفا والمراح لظى

ففيم في الصيف تزجى المزن والسحبا؟

تساؤلات كثيرة مليئة بالتأملات والأخيلة المسارحة في متاهات الفكر يحاول استجلاء معالمها عله يصل إلى حقيقة توقظ التائهين..

ليت الألى حين علقنا حبائلهم

ذاقوا بنا بعض ما ذقنا بهم نصبا

وليت خولة تدري كم ولهت بها

وكم لقيت على وجدي بها عجبا

ويصل معنا إلى نهاية آخر حروفه الحارقة

ما راعني سيف من يحمي مضاربنا

إذا تنفس جرحي راعفا وثبا

وإن تلألأ وجدي في ضفائرها

أو سال دمعي على خلخالها غضبا

لكن خولة لا تدري بأن هنا

عمرا أضيع. وقلبا مدنفًا ذهبا

تعال نطو جناحيها على مهل

إلى متى يا شراعي تذرع الحقبا؟

ونحن بدورنا مع شاعرنا المتجلي نطوي أجنحة الرحلة باحثين عن أشرعة جديدة نذرع معها وبها رحلة جديدة ممتعة كرحلتنا هذه.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5013» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض ص.ب 231185 الرمز 11321- فاكس 205333


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة