Culture Magazine Monday  20/10/2008 G Issue 257
الملف
الأثنين 21 ,شوال 1429   العدد  257
 

الشاعر الوجداني
عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس

 

 

عرفت الأستاذ الشاعر محمد الفهد العيسى من خلال قراءتي لقصائده التي كان ينشرها في جريدة (البلاد السعودية) وكان يوقعها باسم: (الفهد التائه).

ثم جمعتني به جيرة السكن في حي (الملز) حيث كنت أسكن على شارع الجامعة، وكان هو يسكن شمال الشاعر بما يقارب مئتي متر إلا أنه لم يطل المكث في هذا الحي؛ فقد انتقل إلى حي آخر.

وكانت فرصة اللقاء بيننا تتم في المسجد القريب من بيته. وما زلت أذكر (رسمة باب بيته) التي كانت عبارة عن صورة (عود) أو هي صورة (كمنجة)!

(وأبو عبدالوهاب) ذو معرفة بفنون الموسيقى ومتفاعل معها.. إلى حد أنه كان يقدم (برنامجاً) أسبوعياً في التلفاز السعودي عن شؤون الموسيقى، ووظيفة كل آلة منها.. وكان برنامجاً شيقاً وحيوياً، ولذلك كانت علاقته وصداقته مع (موسيقار الجيش السعودي) الأستاذ طارق عبدالحكيم، صداقة مثرية لكل منهما؛ فالشاعر أو (الفهد التائه) يمد طارق بالكلمات الشعرية.. وطارق من جانبه يحولها إلى أغنية.

حينما أكملت (القسم الأول) من كتابي (شعراء نجد المعاصرون)، وهو القسم الدراسي، وبدأت في (القسم الثاني) من الكتاب في تراجم الشعراء وتسليط الأضواء الخافتة على شعرهم، ذهبت إليه في مقر عمله بعمارة في شرق البطحاء، وكان مسمى عمله يومذاك (مدير عام فرع مصلحة الزكاة والدخل)، وأخبرته بتأليفي هذا الكتاب، وبحكم أنه شاعر طلبت منه أن يمدني بعدد كبير من قصائده لأختار منها ما أراه الأجود إبداعاً.. وكان بجانبه رجل عليه سمات العافية.. فالتفت إليه قائلاً: والله هذا شيء جيد.. ثم التفت إلي يقول: أشكرك جزيل الشكر على هذا المشروع.. بس أنا شعري غنائي..؟ قلت: أنا لا أبحث عن الشعر المسرحي ولا الملحمي.. فأرسل إليّ أجود ما عندك (بشرط) ألا يكون شعر المديح، ولا شعر الهجاء.

بعد ثلاثة أيام وصلتني منه رزمية تتضمن (15) قصيدة، وهو شرطي على جميع الشعراء، اخترت منها (7) قصائد هي التي رأيتها تمثل أجود أو من أجود قصائده.

(في مدينة عنيزة من القصيم - حيث ترقد هناك كثبان الرمال الصافية، وتتأود أغصان النخيل الناضرة، وأشجار الفواكه الباسقة، تحت خطرات النسيم المنعش الجميل - هناك ولد أكبر عدد من شعراء نجد المعاصرين، نسبة إلى المدن الأخرى. وكان أول هؤلاء الشعراء بروزاً على أديم عنيزة محمد الفهد العيسى المعروف بـ (الفهد التائه).

شاعر عاطفي ذو طاقات فنية رائعة.. لولا أنه قد جعل لوجدانياته السلطان المطلق في استغلال تلك الإمكانات الشعرية.. في إطار الذاتية المحدودة.. غير حافل كل الحفول بما يعتمل في محيطه والمجتمع الإنساني الكبير.. من تعاسات وشقاء، وآمال وآلام.. أو حبذا لو أنه خدم بفنه (الفن والحياة) معاً.. وارفضّ من الاعتكاف داخل ذاته نهباً لأحلام اليقظة أحياناً - وللآلام النفسية - انفعالية أو مفتعلة - أحياناً أخرى. وقلما تجاوزت نجواه هذا الإطار إلا في القليل من نتاجه الشعري.

ولكن ما دام الشاعر قد انصرف عن نشر شعره في الصحف في المدة الأخيرة، فإنه جائز أن يكون هذا (الحكم عليه) حكماً مؤقتاً ريثما يطبع ديوانه.. ويومذاك يتضح اتجاهه في التجارب الشعورية المختلفة، التي عايشها بصدق، وعبر عنها بحرية، وهي التجارب التي لها أوثق اتصال (بمجتمع) الشاعر، ومع الإنسانية جمعاء). (شعراء نجد المعاصرون)، ص 113.

كان هذا هو رأيي في شعر محمد الفهد العيسى الذي قرأته وكتبت عنه منذ ما يقارب (نصف قرن)، ولا شك أن فترة بهذا الحجم الزمني الكبير الفاصلة بين الماضي والحاضر كفيلة بتوجيه عطائه الشعري الجميل نحو الالتصاق بهموم أمته ووطنه بقدر أكثر وأغزر من شعره الوجداني.. وعلى كل حال فجودة الإبداع الشعري لا تنقصه ولا تزيده نوعية المضامين.. لكن الأفضل أن يستثمر الشعر لرفعة الدين، والأمة، والوطن.

ولعل من (غبطتي) لأبي عبدالوهاب - وليس حسداً - أنه بعد تقاعده تفرغ لعبادة الله، وأصبح سارية من سواري المسجد القريب من بيته.. وقد مررت بذلك المسجد صدفة فإذا الناس قد خرجوا بعد الفريضة والسنة، وإذا هو جالس وحده يتلو كتاب الله، فسلمت عليه، وحاول أن يستضيفني في بيته على فنجال قهوة، فاعتذرت إليه؛ لارتباطي بموعد مع آخر.

نسأل الله أن يجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاه.

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة