Culture Magazine Monday  14/01/2008 G Issue 229
فضاءات
الأثنين 6 ,محرم 1429   العدد  229
 
رفيف
السيمولاكروم (1-2)
د.فاطمة الوهيبي

 

 

السيمولاكروم مفهوم يكاد يصبح مصطلحًا. وهو بالفرنسية Simulacre سيمولاكر، وبالانجليزية سيمولاكروم Simulakrum، وهو لفظ مأخوذ من اليونانيةsimulacra وتعني صورة عن الشيء. وقد حُمّلت دلالاته في الفلسفة الحديثة معنى الزيف والنسخة السلبية الباهتة.

وقد تناولت الثقافة الغربية منذ أفلاطون وأرسطو، قضية الحقيقة والمظهر والانعكاس. ومن المعروف أن أفلاطون قد تناول هذه المسألة في حديثه عن نظرية المثل والصور والظلال. ولقد توارثت الثقافة الغربية هذه المشكلة وناقشتها.

ولعل الثنائي المشهور المتعلق بالأصل والنسخة يبرز واضحًا في مقولة الأيقونة والسيمولاكروم. فالأيقونة محاكاة للأصل قائمة على فكرة التشابه أما السيمولاكروم فهو النسخة السالبة. وكان الفكر المسيحي في العصور الوسطى قد لامس اللبس والتداخل بين مفهوم الأيقونة والوثن، واتصل اللبس إلى أن ظهرت في القرن الثامن عشر فئة أو جماعة مناهضي عبادة الأيقوناتIconoclastes. وهذا الصراع قائم في الأساس على خلفية دينية. ولكن ظل الوعي الفلسفي، والوعي الديني على نحو أقل وضوحًا يصارع الفكرة القارة وراء هذه المسألة، ففكرة الانعكاس أو التمظهر الإلهي ليست ببعيدة في النقاش الفلسفي عن التأمل الانعكاسي للكون وللذات المتأملة في موجدها الأول أو محرك وعيها عبر العقل واللغة واصطدامهما بمسألة الهوية والتناهي. فالبعد الأيقوني يقوم على فكرة التشابه، أما السيمولاكروم فهو النسخة الباهتة أو الزائفة، وهويته (أي السيمولاكروم) تضمحل مقارنة بالأيقونة. والمسألة على هذا النحو تبدو مسألة التماس هوية أوتيقن هوية. فالأيقونة تمتّ بسبب قوي وواضح ،لم تبهت ألوانه محاكاتيًا بالأصل الذي هي صورة عنه، ومسألة الهوية هذه ستفضي، ضرورة، إلى مسألة محدودية الكائن وتناهيه.

إن كل نقاش حول الأيقونة والسيمولاكروم على مفصل الكينونة والهوية والوعي بالذات والتعبير عنها باللغة سيستدعي التأمل في تمظهرات الوعي واللغة بوصفهما أيقونة أو سيمولاكرومًا أو بوصفهما أدوات أو محددات لتلك التمظهرات فحسب.

من قلب ذلك الاختلاف برزت تلك المناقشات حول الأصل والصورة، حول الأيقونة والسيمولاكروم. وظهرت الهرطقات، واحتدم الجدل حول تحريم التصوير والتجسيم والنحت واقتناء التماثيل، وكثر الجدل، في المسيحية والإسلام، حول الأوثان وما ترمز إليه. وكان مرتكز ذلك الاختلاف في التفريق بين الأيقونة والوثن يعتمد على فكرة العين والنظر والمنظور، إذ الأيقونة والوثن (ضربان لفهم الألوهية في مجال ما هو منظور ومرئي، أي إدراك ما لا تدركه الأبصار بالأبصار... إن الشيء الذي صنعته يد الإنسان لم يصبح وثنًا... إلا في اللحظة التي قرر فيها الإنسان أن ينظر إليه، جاعلاً منه نقطة تثبيت أو محورًا مركزيًا لنظرته الخاصة.. فالنظرة وحدها هي التي تصنع الوثن).(1)

وهكذا (يقوم الوثن كما لو كان مرآة.. تحيل إلى النظرة صورتها، أو على الأصح صورة مقصدها، وما لهذا المقصد من مغزى. فالوثن من حيث هو دالة النظرة يعكس لها مغزاها أو مدلولها).(2)

لكن الأيقونة لا يصنعها النظر, وهي تحفز النظر إلى ما يتجاوزها، لأنها تحيل - وفق هذه الرؤيا الدينية - إلى اللا منظور من خلال كونها صورة عنه على نحو منظور. وقد أظهر الفن التشكيلي في الثقافة الغربية الأسرة المقدسة بوصفهم أيقونات بلا ظلال، ولأن (الأيقونة تحفز النظرة إلى تجاوز نفسها بألا تتثبت على المنظور، طالما أن هذا المنظور لا يقدم نفسه إلا من أجل اللا منظور، فالنظرة لا يمكن أبدًا أن تستقر أو أن تهدأ، إذا كانت تنظر إلى أيقونة. وإنما عليها دائمًا أن تعلو على المنظور، كيما تبلغ فيه اللا منظور. وبهذا المعنى فإن الأيقونة لا تجعل اللامنظور منظورًا إلا باستثارة نظرة لا متناهية).(3)

وهذا التفريق بين الأيقونة والوثن تمثل في الفلسفة الحديثة في التفريق بن الأصل والسيمولاكروم. واحتل السيمولاكروم في هذه الثنائية في النظرة إليه موقع الوثن الزائف أو الوهم والخداع. وقد تسربت إلى السيمولاكروم تلك المنظومة من السمات السلبية عبر أفلاطون الذي جعل الصور إما صورًا صادقة مشابهة، أو نسخًا مشوهة مزيفة، تلك التي سماها سمولاكروم (4). ثم اتخذت المسألة في الفلسفة والدراسات الحديثة منعطفًا يتعلق بالمعقول والمحسوس والمرئي وغير المرئي، وما يبقى وما يضمحل في مسارات الزمن المشتبكة بتعقيد بالغ مع التقنيات الحديثة ووسائل الصورة وقنوات الإدراك المرئي.

الهوامش:

(1) القول لماريون نقلاً عن د. محمود رجب الذي نقل مقطفات من أقواله من الفرنسية إلى العربية ضمن كتابه فلسفة المرآة ص 185-186.

(2) المصدر السابق ص 186.

(3) المصدر السابق ص 187.

(4) يعمد بعض المترجمين إلى ترجمة سيمولاكروم بالشبح، والفرق بين المفردتين كبير. والأولى الاحتفاظ بالكلمة الأجنبية ما دامت مفردة الشبح لا توفر المعنى الدقيق للمصطلح. ينظر مثلاً ترجمة د.محمود رجب لعنوان كتاب جيل ديلوز Simulacre) (Platon et le ب(أفلاطون والشبح) ص 182 من كتابه فلسفة المرآة, وترجمته لكتاب متّى المعنون ب (الغريب والشبح) ص 117 من كتابه فلسفة المرآة.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7845» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض Rafef_fa@maktoob.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة