Culture Magazine Monday  12/05/2008 G Issue 247
قراءات
الأثنين 7 ,جمادى الاولى 1429   العدد  247
 

رحيل محسن باروم
أول ملحق ثقافي سعودي في الخارج
محمد بن عبد الرزاق القشعمي

 

 

غادر هذه الدنيا الفانية رجل من رجالات التربية والعلم والمعرفة يوم الأربعاء 10-4-1429هـ وقد تجاوز الثمانين من عمره حافلة بالعمل الصالح المثمر، حيث ولد الأستاذ محسن بن أحمد باروم بمكة المكرمة عام 1347هـ- 1928م. وبمدرسة الفلاح تلقى تعليمه الأولي والتخصصي، ثم واصل تعليمه في مصر حيث التحق بكلية اللغة العربية في جامعة الأزهر وحصل منها على (البكالوريوس)، وعمل فور تخرجه في الإذاعة السعودية كمذيع عند إنشائها عام 1369هـ-1950م، وكان متعلقاً بالتعليم فلهذا عاد مدرساً بمدرسة الفلاح، ثم في مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة، وقد أمضى في التعليم تسع عشرة سنة، تقلد مناصب تعليمية عدة ؛ إذ كان مفتشاً للغة العربية ثم مفتشاً أول في مديرية المعارف العامة فمعتمداً للتعليم في جدة، ومنذ أن تحولت مديرية المعارف العامة إلى وزارة عام 1373هـ شغل مناصب تعليمية وتربوية مختلفة منها : مدير إدارة التفتيش الفني، مدير عام التعليم الابتدائي، مدير عام التعليم الثانوي، مشرف التعليم المتوسط ومعاهد إعداد المعلمين والتعليم الفني، مدير المكتب الثقافي في أوربا، مدير عام التعليم العالي، مستشار وزارة المعارف للمنطقة الغربية حتى تقاعد بناء على طلبه في شهر رجب عام 1390هـ.

وقد ألف خلال مسيرته التعليمية نحو 22 كتاباً للمراحل الدراسية في مختلف فروع اللغة العربية، كما شارك في تأليف الكتب الدراسية المقررة على المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة والثانوية للبنين والبنات، وله كتابات تربوية واجتماعية في الصحف والمجلات المحلية، كما ألقى الكثير من المحاضرات التربوية الثقافية.

وقد اختير عضواً في الهيئة التأسيسية لمشروع إنشاء جامعة الملك عبد العزيز بجدة ثم أميناً عاماً لها، إضافة لعمله كعضو بهيئة نظارة أوقاف السادة العلويين بمكة المكرمة حتى عام 1415هـ بعد تقاعده، وإضافة لإشرافه على مؤسستين علميتين هما دار الشروق ودار عالم المعرفة وكان هدفه من ذلك نشر العلم وليس الكسب المادي ويقول عنه الدكتور محمد بن علي الحبشي: (وأعرف شخصياً أن دخله منهما لا يكاد يغطي مصاريفهما، كما نشر في آخر حياته كتابين هما : (من أعلام التربية والفكر في بلادنا)، و(مطالعات نقدية في ألوان من الكتب)، يدل أول الكتابين على صفة الوفاء فيه ويدل الثاني على حبه للمعرفة).

لقد زرته بمكتبه بأوقاف السادة العلويين بجدة مساء يوم 16 جمادى الأولى 1418هـ وكنت وقتها في زيارة عمل بجدة حيث كلفتني مكتبة الملك فهد الوطنية بمقابلة بعض الأعلام من الأدباء والمربين، وقد كان فعلاً، حيث ثم التسجيل مع الأساتذة : عبد الله مناع، وحسين عرب، وعمر عبد ربه، وأبي تراب الظاهري، وعبد الغني قستي، وعبد الفتاح أبو مدين، ومحسن باروم، رحم الله من توفي منهم وأطال عمر الباقين.

لقد كان لقائي بالمرحوم بمكتبه، وما أن اتصلت به وعرف مهمتي حتى رحب بي وأعطاني ثلاث ساعات من وقته تكلم باستفاضة وبصراحة متناهية.

عرفت منه الكثير من المعلومات التي لم أكن أعرفها فإضافة لعمله القيادي في مجال التربية والتعليم والهيئة التأسيسية لجامعة الملك عبد العزيز، يعتبر أول أمين عام لها عندما كانت جامعة أهلية، كما أنه أول أمين عام للجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بوزارة المعارف من عام 1380هـ، وله دور مهم حيث شارك في تنظيم المراحل الدراسية وتقسيم التعليم الثانوي إلى متوسط وثانوي بعد أن كان سابقاً يطلق عليه ثانوي فقط لمدة خمس سنوات. كان رحمه الله يتحدث اللغة العربية الفصحى ويتجنب الحديث باللهجة المحلية.

تحدث عن ظروف انتقال الوزارات من مكة إلى الرياض وصعوبة وجود الأماكن المناسبة للإدارة أو للسكن، وتأقلم ابن الحجاز مع البيئة النجدية. وقال إن هناك بعض الإشكاليات حصلت بين بعض مسؤولي المعارف، وأن الأستاذ ناصر المنقور قد انتقل من الوزارة إلى أمانة مجلس الوزراء وأنه بحكم علاقته وصداقته مع جميع المسؤولين بالوزارة قد علم بالخلاف، ومن خشيته أن يزداد. اقترح إنشاء مكتب ثقافي تعليمي بسويسرا يكون مسؤولاً عن الطلاب السعوديين الذين يتعلمون في أوربا، وقد صدرت الموافقة السامية فعلاً ونص على أن يتولى هذا المكتب في جنيف الأستاذ محسن باروم شخصياً.. وقال إن الأستاذ المنقور قابله بعد أسبوع وسأله لماذا لم تسافر ؟ فقلت إلى أين ؟ فقال إن الأوامر قد صدرت بنقلك للعمل مسؤولاً عن الطلاب في أوربا وقد تمت الموافقة على افتتاح مكتب هناك. فرددت عليه بأنه لا علم لي بذلك، فعلم أن الأمر لم يبلغ للمقصود لأمر ما .. فما علمت في الغد إلا بالأوامر تصدر من وكيل الوزارة وقتها الشيخ عبد العزيز آل الشيخ - رحمه الله- .يقول إنه ذهب إلى هناك وافتتح المكتب - ويعتبر أول مكتب يفتتح بالخارج ويكون مسؤولاً عن الطلبة السعوديين بعد مصر - وبدأ بجولة في أوربا للاطلاع على أحوال الطلبة وربطهم بالمكتب وحل ما قد يعترضهم من مشاكل وعقبات وكان يلتقي بهم في إجازة كل أسبوع وأصبحوا كالأسرة الواحدة، وأثناء هذا نقل الأستاذ عبد العزيز المعمر كسفير للمملكة في (برن) عاصمة سويسرا فكنا نخصص للقائه بالطلبة ليلة كل سبت حيث العطلة الأسبوعية فكان يعامل الطلبة معاملة الأب لأبنائه، فكان يتابع دراساتهم ويهتم بأمرهم وأخذ يمتدح المنقور والمعمر ويكيل لهما الشكر والثناء.

وكان يعقد في منزله بجدة بطريق مكة لقاءً دورياً يجمعه بزملائه المهمتمين بالتربية والتعليم وبعض الأدباء والكتاب. وبالمناسبة فإني أقترح على المسؤولين تخليد اسم هذا الرجل بتسمية إحدى قاعات جامعة الملك عبد العزيز باسمه مع تسمية أحد الشوارع المهمة بجدة باسمه .. وعزائي لابنيه الكريمين الدكتور سامي والمهندس مازن وذويه وأصدقائه وزملائه ومحبيه، رحمه الله رحمة واسعة.

فبوفاته فقد الوطن علماً بارزاً من أعلام التربية والفكر.

{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة