Culture Magazine Monday  12/05/2008 G Issue 247
أوراق
الأثنين 7 ,جمادى الاولى 1429   العدد  247
 

بيانات الغربة
طارق بن سعود السياط

 

 

حسناً. لن أزدري الحياة جرّاء حفنة من المعطوبين. ولن أنفكّ عن التحليق صوب آفاق الجمال الرحبة خشية البنادق الصدئة. إنّ الملطّخين غير متاح لهم تدنيسي بتاتاً، وإن كابدوا. وما منحت قزماً مأثرة جذب عملاق، كي يتمرّغ، على غراره، في وحل السفاسف.

إنني لا أُحسن الولوغ، وما جربّت الرضوخ لسطوة البرهة. ومهما احلولكت العتمة، ففي جنحها سيبزغ بريق قنديل.

نحن لدينا عدد كافٍ من الناس يساعدوننا على الانتحار. صدقت يا توماس فريدمان.

أجل. إنهم هائلون بوفرة تحرّض على تلاشي الأمل، بيد أنّ الكائنات المشوّهة يتعيّن عليها أن تبيت قابعة في حيّز الشذوذ، مهما زمجر صوتها ذو البحّة. وحتّى في خضمّ الإعمال، فإنّهم لن يستنزفوا مخزوني الباذخ، والقادم من أعطيات السماء بكمّ جمّ وعصيّ على النفاد. وطالما الأمر كذلك، فما برح أمل ثمّ. وما زلنا أحياء هناك، لأنّ الرب يعرفنا، كما كتب ماركيز.

الحياة لا يمكن لها أن تكون حكراً على طائفة، بغضّ الطرف عن تكدّسها، فكيف بأولي العلل؟

تبّاً للممعنين في طلاء الحياة بألوان رماديّة. ولكنهم، على كل حال، وإن تواطؤوا على خدش الرهافة، ونتف الإكليل، فإنّ أمراً ذا بال، بفعلهم، لن ينشب على الإطلاق.

الرئة التي تدمن استنشاق عبق المسك، ستلفظ الروائح الآسنة، مهما أنتنت وفاح بخارها.

ألا فلتهوّن عليك أيّها الفؤاد. إذ محال أن تضيرك الوحشة، وإن تفشّت. وما كان بمقدور امرئ ما أن ينال منك شروى نقير. حسبك ما بحوزتك، أيّها الزاخر. والطود الأبيّ لن يكترث بهبّات غبار بين فينة وأخرى. ستمضي محصّناً ضدّ العطب، مثل قصر ملكي. وما كان بمقدور كائن قط أن يذهب بالوئام الذي ترفل فيه أدراج الرياح.

أيّتها الكائنات النشاز، هاكم هذه الوجبة من ال (لن) الجازمة بخوائكم: لن أتعبّد في محرابِ إله زائف. ولن ألهث باقتفاء السراب، كائنا ما كان منسوب ظمأي. ولن أستدرّ عطفا، حتى لو تقطّّّعت بي السبل.

وإذا كان ميلان كونديرا قد عدّه بلا سعادة، ذلكم الذي يرغب ترك المكان الذي عاش فيه، فأيّ لعنة ترغم المرء على ترك السعادة التي كانت في ريعان رفيق؟

وحيث إنّ الأرض تقتل الجاهل بها، كما قد روي، فإنّ صناديق الأفاعي محكمة الغلق تلكم، كان من شأنها، وعلى نفس الشاكلة، أن تقتل الجاهل بها لا محالة. بيد أنّ الرب، برأفته المعهودة، كان دوماً ما ينهي الأمور بأقلّ الخسائر.

وحينما اندلع الداء الخبيث في أحشائه، وشارف على أن يقضي نحبه، باح لوتشياني بافارتي، مغنّي الأوبرا الإيطالي ذائع الصيت: (كنت سعيد الحظ وناجحاً. والآن جاء الوقت لأدفع ثمن كل ذلك).

- الرياض ts1428@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة