Culture Magazine Monday  11/02/2008 G Issue 233
ذاكرة
الأثنين 4 ,صفر 1429   العدد  233
 

أثر المعدة.. في الأدب العربي
محمد بن عبدالله الحمدان

 

 

قبل أن أبدأ في استعراض الكتب الأربعة المتعلقة بالمعدة اسمحوا لي أن أذكركم ونفسي بالحديث أو الأثر (المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء) و(ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، فإن كان لابد.. فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه (بفتح الفاء) (والمفاطيح وما أدراك ما المفاطيح والدهون والزيوت).

ومن جماعتنا - أقصد أهل البير - رجل يحب حليب الخلفات كثيراً لدرجة أنه يقول: (ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث للحليب).

وحليب الخلفات - أيها السادة - فيه منافع كثيرة، تحدث عنها كثيرون، ومجلة العلوم والتقنية التي تصدرها (مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية) أصدرت أعداداً عن الإبل وذكرت منافع حليبها، بل ولحمها، وأذكر أن أحد المختصين فيها حذر في المجلة من الذين يبيعون حليب الخلفات خارج المدن وذكر أنهم يعطون النياق مادة تجعلها تدر الحليب باستمرار لدرجة أن الدم يخرج أحياناً مع الحليب (والله يخلي لنا الوطنية الزراعية وحليب خلفاتها النظيف المبستر).

أعود - أيها السادة - للموضوع، فبين يديّ كتب أربعة:

أولها: أثر المعدة في الأدب العربي تأليف بهيج شعبان، منشورات عويدات بلبنان 1966م (270 صفحة).

قال المؤلف في مقدمته عن الكتاب: (كتاب جديد في موضوع جديد) وأضاف: (أن أثر المعدة في الأدب العربي لم يعالجه -كما أعلم- أحد بعد لا في الأولين ولا في الآخرين) وذكر أنه أول من شق الطريق ومهده لمن يأتي فيما بعد ويود الوصول إلى نهاية المطاف في متابعة هذا البحث الطريف، وقال: (إنني أتحدث في كتابي هذا عن أثر المعدة في الأدب العربي.. لا عن تأثيرها، والفرق ظاهر بين الاثنين، فالبحث في التأثير يحتاج جهداً أكبر، ودراسة أعمق وأوسع).

ومن أبواب الكتاب:

1- المعيشة في العصر الجاهلي، وبدأه بهذا البيت (الأعرابي):

وإني لأصطاد اليرابيع كلها

نفاريتها والتدمري المقصّعا

وجاء بهذه الأبيات:

إذا ما أكلنا كل يوم مذيقة

وخمس تميرات صغار كوانز

فنحن ملوك الناس خصبا ونعمة

ونحن أسود الغاب عند الهزاهز

وكم متمنّ عيشة لا ينالها

وإن نالها أضحى بها جد فائز

ويفضل الأعراب الضباب (جمع ضب) على السمك، فهذا أحدهم يقول:

لعمري لضب بالعنيزة خائف

يضحى عراراً فهو ينفخ للقرم

أحب إلينا أن يجاور أرضنا

من السمك البني والسلجم الرخم

القرم: الجوع.

ويقول الآخر:

أكلت الضباب فما عفتها

وإني لأهوى قديد الغنم

وركبت زبداً على تمرة

فنعم الطعام ونعم الأدم

فأما البط وحيتانكم

فما زلت منها كثير السقم

وقد نلت منها كما نلتم

فلم أر فيها كضب هرم

2- الصعاليك والجوع

3- الأعراب

وأورد فيه هذين البيتين:

يبيت يراعي النجم من جوع بطنه

ويصبح يُلقى ضاحكاً متبسماً

إذا كان لي قوت يومي وصحة

فلا حال أرجو بعدها أن أنالها

وأورد هذه الطرفة:

جاء رجل إلى تمّار بالكوفة فقال:

رأيتك في النوم أطعمتني

قواصر من تمرك البارحة

فقلت لصبياننا أبشروا

برؤيا رأيت لكم صالحة

قواصر تأتيكم بكرة

وإلا فتأتيكم رائحة

فقل لي: نعم، إنها حلوة

ودع عنك لا، إنها مالحة

فأعطاه التمّار قوصرة تمر وقال: أحب أن تتركني من تلك الرؤيا، فإن رؤيا يوسف صدقت بعد أربعين سنة.

4- الجفان والقدور

ولابن سكرة الهاشمي:

على الأثافي لنا قدور

سكانة النبض لا تفور

قامت على سوقها لأكل

ونحن من حولها ندور

5- الأطعمة

وعدّ في هذا الباب 33 نوعاً من أنواع الأطعمة، وذكر منها:

الرغيدة، الحريرة (دقيق يطبخ باللبن)، الحساء، المضيرة (وهي الأقط)، الثريد، العصيدة، الهبيد.

وألغز علي بن محمد المشهور ب(ابن الكلاس) في الخبز، فقال:

ومستدير الوجه كالترس

يُجْلَسُ للناس على كرسي

يدخل مثل البدر حمّامه

وبعدها يخرج كالشمس

يواصل السلطان في دسته

واللص في هاوية الحبس

لو غاب عن عنترة ليلة

وهت قوى عنترة العبسي

6- الحلويات والفواكه

وأشهرها عندهم العسل، ثم جاء الفالوذج واللوزينج وفيه هذه الحكاية:

قيل لأبي الحرث: ما تقول في الفالوذج؟ فقال: وددت لو أنه وملك الموت اختلجا في صدري، والله لو أن موسى لقي فرعون بالفالوذجة لآمن، ولكنه لقيه بالعصا.

وقال شاعر في اللوزينج:

ولوزينج يشفي السقيم كأنه

بنان لكف بضة لم تغضن

وكان الفالوذج أول الأمر يصنع من مزج العسل بلباب البر ثم أضيف إليه السمن بعد ذلك ثم الزعفران.

ومن الطريف أن شاعراً يخاطب الكنافة ويقول: إنها تصد عنه من قبيل الدلال والغنج، وتتهمه بمحاباة القطائف دونها، إلا أنه يرد التهمة بقوله:

وما لي أرى وجه الكنافة مغضبا

ولولا رضاها لا أرى رمضانها

عجبت لها في هجرها كيف أظهرت

عليّ جفاء صدّ عني جفانها

ترى أتهمتني بالقطائف فاغتدت

تصد اعتقادي أن قلبي خانها

ومنذ قاطعتني ما سمعت كلامها

لأن لساني لما يخالط لسانها

ومن الطريف - أيضاً - أن في مكتبتي الكتب المطبوعة التالية:

1- رسالة في قمع الشهوة عن تناول التنباك والكفتة والقات والقهوة.

2- منهل اللطائف في الكنافة والقطائف.

3- فيض المنن في الرد على من فضّل السمك على اللبن، وأمثالها كثير.

7- الجوع والعشق

وفيه هذان البيتان:

إذا اجتمع الجوع المبرح والهوى

نسيت وصال الغانيات الكواعب

فدع عنك تطلاب الغواني وحبها

وراجع تمورا من لباء ورائب

وهذان:

إذا كان في بطني طعام ذكرتها

وإن جعت يوما لم تكن لي على ذكر

ويزداد حبي إن شبعت تجددا

وإن جعت غابت عن فؤادي وعن فكري

وبعكسهما هذا الشاعر الذي يقول:

وإن طعاماً ضم كفي وكفها

لعمرك عندي في الحياة مبارك

فمن أجلها أستوعب الزاد كله

ومن أجلها أهوي يدي فأدراك

وتحضرني طرفة (بالمناسبة):

قال أشعب لزوجته وهما يأكلان: ما أحلى الطعام لولا الزحام، فقالت: أين الزحام ولايوجد سوانا؟ فرد: وددت أني والقدر لوحدنا.

8- الجوع والتدين.

9- آداب المؤاكلة.

وفيه هذا البيت:

وزاد وضعت الكف فيه تأنسا

وما فيّ لولا أنسة الضيف من أكل

والبيتان المشهوران:

أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله

ويخصب عندي والمحل جديب

وما الخصب الأضياف أن يكثر القرى

ولكن وجه الكريم خصيب

وعدد عيوباً كثيرة في الأكل (ذكرها أيضا الأبشيهي صاحب المستطرف) بلغت 25 عيباً.. منها: الرشاف، النفاض، النفاخ.

10- الأكلة (بفتح الكاف)

قال في أوله: (والأكلة النهمون كثر والحمد لله)

وفي الباب (كما في غيره) طرائف وأشعار.

11- من نوادرهم.

12- من أقوالهم.

13- طفيل وبنوه.

14- موائد البخلاء.

15- موائد الكرام.

16- موائد المترفين.

17- الشعراء الجياع.

ثانيها: آداب الأكل - لابن عماد الأقفهسي 750 - 808هـ.

تحقيق: د. عبد الغفار البنداري ومحمد السعيد زغلول - دار الكتب العلمية بيروت 1406هـ (93 صفحة) فيه من الفوائد والطرائف الشيء الكثير (ما عاب رسول الله طعاماً قط) (القصعة تستغفر للاعقها).

ثالثها: رسالة آداب المؤاكلة - لبدر الدين محمد الغزي 904 - 984هـ.

حققها د. عمر موسى باشا - مكتبة المعارف - الرباط 1404هـ (54 صفحة) جاء فيها المؤلف بواحد وثمانين عيباً من عيوب الآكلين.. منها:

المبعبع، الرشاف، النفاخ، المقزز، الناثر، المرشش، الموسخ، المصاص، وقد شرح المؤلف ووصف كل نوع.

وجاء المحقق في آخر الكتاب ب(ملحق الرسالة) فذكر ما أورده الثعالبي في (فقه اللغة) من عيوب عديدة.

رابعها: المعدة بيت الداء محاضرة ألقاها د. محمود زكي، بنادي جمعية الشبان المسلمين بالمينا بمصر عام 1954م طبعت عام 1957م (1377هـ)، وجاء في 32 صفحة.

قال فيها: اتقوا الله في معداتكم وفي صحتكم، وهي أمانة في أعناقكم، ولا تكونوا من الذين ينطبق عليهم المثل المشهور (إنهم ينبشون قبورهم بأسنانهم)، وأشار إلى كتاب (عش مرحاً تعمر طويلاً)، وذكر بالحديث (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع).

والمحاضرة قيمة وفيها فوائد كثيرة، ليت المقام يسمح بإيراد شيء منها.

- الرياض - البير


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة