Culture Magazine Monday  11/02/2008 G Issue 233
فضاءات
الأثنين 4 ,صفر 1429   العدد  233
 

من أوراق علاّمة الجزيرة 1416هـ
وقفات مع مؤلفات حمد الجاسر ( 1328-1421هـ )

 

 

حوليات سوق حُبَاشَة

هذا عنوان كتاب يحوي اثني عشر بحثاً للأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد أبو داهش تحقيقاً أو دراسة سوى واحدٍ منها عن (حُبَاشَة) بقلم الأستاذ حسن بن إبراهيم الفقيه، ويحسن عرض عناوينها: (رحلة الحج من يلملم إلى البلد الأمين لعلي بن الحسن العجيلي تحقيق - حُبَاشَة بقلم الأستاذ حسن بن إبراهيم الفقيه - رأي في تحديد بداية نهضة الشعر السعودي المعاصر دراسة - رسالة الضمدي إلى الإمام سعود بن عبد العزيز تحقيق - موقف أدباء الجزيرة العربية من الحملة الفرنسية دراسة - قصائد يمنية في جريدة أم القرى قبل سنة 1365ه جمع ودراسة - الدرعية في أعين الشعراء جمع ودراسة - رسالة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني إلى عبد الهادي بن بكري العجيلي دراسة - دور مجلة المنهل في حقل الأدب التهامي دراسة - رسالة في النقود لجمال بن محمد المالكي تحقيق - جوانب من حياة العسيريين العلمية في القرن الثالث عشر الهجري، دراسة - الضمديات من نتائج أدباء ضمد جمع إسماعيل بن أحمد الضمدي دراسة - من فهارس المخطوطات في مكتبة الدكتور عبد الله أبو داهش) ومنها ما نشر في بعض الصحف ك(العرب) وغيرها.

ولقد عرف الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد أبو داهش بشدة تعلقه واهتمامه وعنايته واتجاهه لدراسة الأدب في تهامة، وما يتصل بها بحيث يُعدُّ من أوسع المهتمين بهذا الجانب اطلاعاً، وأطولهم باعاً في هذا الأدب، وقد أضيفت هذه الأبحاث إلى سوق حباشة أحد أسواق العرب المشهورة في العهد الجاهلي وصدر الإسلام، الواقع على مقربة من مدينة (القنفذة) كما سيأتي توضيح هذا.

وفي تلك الأبحاث من الطرافة وغزارة الفائدة ما يستهوي القارئ المعني بما ترتبط به من موضوعات أضفى عليها قلم عالم محقق جليل، ما بسط الاستفادة منها ووسعها.

ولي وقفة قصيرة عند الحديث عن (سوق حباشة) ذلك أن حبيبنا الأستاذ حسن بن إبراهيم الفقيه أتى بمعلومات موجزة عن ذلك السوق، ويبدو من نشر مصور جغرافي لموقعه منسوباً إلى مجلة (العرب) أن الباحث الكريم قد اطلع على بحث منشور في تلك المجلة قبل أكثر من عشرة أعوام (من ذي القعدة وذي الحجة 1405هـ).

ولن أعتب عليه، إن كان قد اطلع على ذلك البحث، عدم الإشارة إليه، فقد سلك نهجاً ليس هو الأول من سالكيه، ولكنني سأبدي ملاحظات موجزة عن تحديد موقع ذلك السوق، وعن إعادة رسم المصور الجغرافي الذي بدا في الكتاب غير واضح، وفي وقفات قصيرة عندما ورد في كلام الأستاذ الفقيه، مع ملاحظة أن كل ما نقل من الأقوال عن تحديد السوق قد أوردتها في البحث المشار إليه.

1- أورد الأستاذ الفقيه من كلام الأزرقي بهذا النص: (في ديار الأوصام من بارق إلى صدر قنونا وحلي في ناحية اليمن).

وفي هذا الكلام خطأ يغير المعنى، وصواب كلام الأزرقي هو: (وهي في ديار الأوصام من بارق من صدر قنونا وحلي).

2- قال الأستاذ الفقيه قوله: (في ديار الأوصام من بارق يزيد من عبء الباحث إذا علم أنه لا يُعْرفُ في الحاضر أو الماضي اسم لقبيلة أو أرض بهذا الاسم (الأوصام) وإن كنت عددته تحريفاً لاسم (الاواس) القبيلة الأزدية التي حلت هذه السوق في ديارها آنذاك من صدر قنونا، وهو الموقع الذي يُعَد أقرب إلى الصواب في انه يبعد ست ليال عن مكة).

وغريب حقاً أن يقول الأستاذ حسن: لا يُعرَفُ في الماضي ولا الحاضر اسم لقبيلة أو أرض بهذا الاسم (الأوصام) أليس من الحسن أن يقال: لا يُعرف في الزمن الحاضر، أما الماضي فقد عُرفت قبيلة باسم (الأوصام)، وجهل الأستاذ الفقيه لها ليس من العلم في شيء، وكان الأولى القول: بأنه هو نفسه لا يعرف، أما نفي العلم عن غيره فلا يتفق مع الحقيقة.

3- متى حلت قبيلة الإواس من موقع هذا السوق وما هو المصدر الذي يعول عليه في ذلك؟

إن إطلاق القول هكذا، غريب من محقق فاضل كالأستاذ حسن الفقيه.

لقد أورد علماء النسب وإمامهم في ذلك ابن الكلبي، ذكر قبيلة تدعى (الأوصام) من بارق، فقد جاء في (مختصر كتاب جمهرة النسب) مخطوطة راغب باشا ص209 - ما نصه: (ومن بني ثعلبة بن عمرو الأوصام وشبرُ ولوذان والنَّباج قبائلُ كثيرة فمن الأوصام الشاعر وسنان بن أبي عطاء، قتلته الحجرُ بطنُ في السراة، ومُنْذر بن عوفٍ الشاعرُ).

وجاء في كتاب (نسب معد واليمن الكبير) - ج2 ص465 -: (وولد ثعلبة بن عدي بن حارثة حارثة، فولد حارثة ابن ثعلبة شنوا ولوذان والنباح والأوصام قبائل جماعة).

وثعلبة بن عدي هو أخو بارق بن عدي، وقد جاء في كتاب (الإنباه على قبائل الرواة): وأما بارق: فماء بالسَّراة، فمن نزله أيام سيل العرم كان بارقياً، ونزله سعد بن عدي بن حارثة، وابنا أخيه مالك وشبيب ابنا عمرو بن عدي بن حارثة فسموا بارقاً).

4- وقال الأستاذ حسن عن (الأوصام): (وان كنت عددته تحريفاً لاسم (الاواس) القبيلة الازدية التي حلت هذه السوق في ديارها آنذاك من صدر قنونا، إلى أن قال: (وكانت الاواس صاحبة الموقع على نحو ما فصلت عنه في البحث المطول الذي أعددته عن هذا السوق، وعزمت أن أنشره قريباً إن شاء الله).

لعل مما يفيد الباحث هنا أن يعرف ان الاواس من القبائل الازدية التي تقطن السراة، فقد جاء في كتاب (تاريخ العرب قبل الإسلام) المنسوب خطأ إلى الأصمعي: (سألت أبا علي الهجري عمن خرج مع أحمس بن أنمار، فقال خرج معه بنو بجيلة بن أنمار، وبنو أقبل بن أنمار، فسألته عن أقبل، فقال: منهم شهران وكود وناهس والأوس وإواس - إلى أن قال - هذه القبائل تعرف بخثعم وبجيلة.

وفي كتاب مغلطاي (الاتصال في مختلف النسة): الإِواس - بكسر الهمزة - أبو أحمد الإواسي من شهران من خثعم، قال أبو علي الهجري: أنشدني رجزاً له.

وقال الرشاطي: الإِواسي في الأزد، ذكر الهمداني قال الشنفرى بن مالك الإِواسي، ثم أورد له أبياتاً على قافية التاء. وفي (مختصر الفاسي لكتاب الرشاطي): الإِواسي في خثعم، وفي (معجم البلدان) رسم (عِيَار): هضبة في ديار الإِواس بن الحجر ويوم حراق من أيامهم، غزت غامد الإِواس بن الحجر، فوجدوا خمسين رجلاً من الإِواس في حضار، فأحرقوهم في هضبة يقال لها (عِيار) فقال زهير الغامدي:

نبغي الإواس بأرضها وسمائها

حتى انتهينا في ذوابة يكبدا

حتى انتصبنا في عيار كأننا

أظبُ وقد لبد الرؤوس من الندا

مما تقدم يفهم: أن الإِواس كانوا من خثعم، فدخلوا في قبيلة الحجر كغيرهم من قبائل خثعم، وبلاد هؤلاء لا تزال معروفة.

5- لقد كان من الأولى، وقد اختير لهذه الأبحاث اضافتها إلى اسم (سوق حُبَاشَة) أن يحدد الأستاذ الفقيه، وهو من أهل تلك الجهة، موقع ذلك السوق باختصار، إذ لم ير المناسبة داعية إلى نشر بحثه كاملاً.

ومن هنا: فقد حسن إيراد ما جاء في مجلة (العرب) عن تحديد الموقع: (في الجزءين الخامس والسادس الصادرين في شهري ذي القعدة وذي الحجة سنة 1405هـ - ص291) بعد إيراد طائفة من الأخبار، وأقوال المتقدمين عن ذلك السوق: (وقبيلة بارقٍ التي يقع سوق حُباشة في بلادها لا تزال معروفة مستقرة في مواطنها القديمة التي هي في غور سراة عنزٍ والحجر، وهي ازدية قحطانية، صريحة النسب من مازن بن الازد، وقبيلة بارق أخت قبيلة ألمع التي لا تزال في بلادها القريبة من بلاد بارق، وقد تحدثت عنها في كتاب (في سراة غامد وزهران).

ويحد بلاد هذه القبيلة من جهتي الشرق والشمال بلاد بني شهر من الحجر من الازد أيضاً.

وبارق بلادهم منتشرة في صدور قنونا، وما حولها من فروع الأودية.

ووادي قنونا من أشهر الأودية التي تخترق تهامة حتى تبلغ البحر عند ميناء القنفذة. وهذا الوادي لا يلي وادي حلي - كما يُفهم من كلام الازرقي - بل يفصل بينهما وادي يبسة - (يقع وادي قنونا على خط العرض: 10َ-19ْ وجنوبه وادي يبة على خط عرض: 00َ- 19ْ - ثم وادي حلي: 40َ - 18ْ - على وجه التقريب).

والأودية الثلاثة مشهورة قديماً، ومعروفة الآن.

ويظهر أن موقع السوق من صدر قنونا هو حيث يتسع حوض الوادي بمحاوزته ما كان يحصر مجراه من الجبال، وامتداده في سهل تهامة المتسع لنزول الكثير من الناس ممن يحضر ذلك السوق السنوي الشهير من مختلف الجهات.

وهناك في الأرض البراح ملتقى للطرق المسلوكة قديماً وحديثاً، حيث تقع قرية تدعى (الأحد) إذ يقام فيها سوق أسبوعي كل يوم أحد، لا استبعد أن يكون موقع سوق (حُباشة) القديم بقرب هذه القرية، وانه أُعيد بعد تخريبه من قبل أمير مكة داود بن علي، والتخريب - إن تم - يصدق على ما فيه من مبانٍ، والملاحظ في الأسواق التي لا تستمر زمناً طويلاً عدم الحاجة إلى المباني، بل الاكتفاء بالبيوت المنصوبة كالخيام ونحوها، مما يسهُلُ نقله عند انتهاء زمن السوق الذي لا يزيد على أيام.

ثم إن من عادة القبائل انها تستعيد ما قد تحتاج إليه عندما تقوى على استعادته، ومن المعروف أن سيطرة الدولة العباسية على هذه البلاد بدأت في الضعف منذ أول القرن الثالث الهجري، وأنها لم تتمكن من إخضاع جميع قبائل الجزيرة.

ويقع سوق (حُباشة) على ما ظهر لي (بقرب خط الطول: 12َ-41ْ وخط العرض: 10َ-19ْ) شرقي بلدة القنفذة بنحو عشرين كيلاً).

وألحق بذلك البحث مصور جغرافي (خريطة).

أراني قد توسعت في الحديث عن تلك الأبحاث القيمة التي كتبها الأستاذ الدكتور عبد الله أبو داهش، فرأيت إيضاح الموضع الذي أضيفت إليه لتتم الفائدة.

والكتاب من منشورات نادي أبها الأدبي سنة 1416هـ (1996م) في (292) من الصفحات في طباعة حسنة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة