Culture Magazine Monday  10/11/2008 G Issue 260
فضاءات
الأثنين 12 ,ذو القعدة 1429   العدد  260
 

لبرلة (الفَرَح)...
من الفطري إلى الثوري
حزب السَّعادة الليبرالي

محمد عبدالله الهويمل

 

 

حق طبيعي لأي أقلية طموحة أن تتحالف مع أي أطراف حتى لو كانت بطبيعتها غير قابلة للاستقطاب أو التطويع .. هذا ما يحيكه الحال مع موجة الاستمالة وكسب الأصوات في مشهدنا الثقافي السعودي ما بين قوى محافظة وأخرى تغييرية ليبرالية ويبدو أن برنامج الأقلية في كل التجارب الإنسانية لا يكاد يطرأ عليه أي تبدل لاسيما إذا كانت متطلعة ومتوترة والعلاقة عضوية وحتمية بين المفردتين الأخيرتين.

توتر الطموح الليبرالي السعودي مشوب بهاجس ثقيل ويقيني بكسب الجولة ضد المحافظين خصوصاً أنهم هيمنوا هيمنة شبه تامة على مفاصل الإعلام ووجهوه باتجاه التسويق للأجندة تسويقاً حذراً ومراوغاً، بل أدرجوا أي تطور أو تغير يصدر عن القيادة حتى لو كانت إيجابيته تنال المحافظ قبل الليبرالي - وأدرجوه ضمن مكتسبات الإلحاح الليبرالي فمس الليبرالين هوس المكتسب وإحراز النقاط الانتخابية مع كل حراك فتجدهم يلجاؤون إلى المفردة الثورية الحركية (لأول مرّة يحدث ...) ولماذ (لأول مرّة) لأنهم مارسوا ضغط ضد جهات محددة فاتجهت المصلحة إلى إحداث تغيير طبيعي يتم اختطافه لمصلحة الليبرالي ضد الطبيعي والفيصل في هذا الحسم يؤول إلى المنبر الإعلامي الذي هو غالباً في حوزتهم. ومن التعبيرات ذات الأصول الثورية ما يكرره الليبرالي الطموح المتوتر: (انتهى زمن الأحادية) وهذه اللغة الساخنة هي من قبيل اشعال المدفئة في قائض ومن تطمين المناصرين على أنهم في طريق الظفر والإمساك بزمام الثقافة السعودية واللافت هو أنهم تواطؤوا على استخدامها بحرفيتها فـ (الإقصائية والأحادية و.....) باتت انشودة لابد لجميع الليبراليين من حفظها وترديدها دون وعي وإنما استجابة لدواعي المعركة ففي المعركة تتشابه الهتافات ليشجع القوي الأضعف.

ومن مظاهر الاستقطاب الثوري إعادة إنتاج السعادة والفرح وتَحْدُثُ اللبرلة بإجراء تعديل على القيمة الإنتاجية لثقافة السعادة من الفلكوري إلى التنويري الليبرالي والفرح كممارسة أو قدر لن يتجاوز مظاهرهُ المحددة له من حيث التجمع والطقوسية المشتملة على تغيير إيجابي في الملبس والنفسيه والإقبال على المتعة وعلى الخص الأعياد والأعراس. إذاً الفرح يمثل حالة استثنائية ينطوي على تغيير مؤقت في الحال و(التغيير) هو مادة المشروع الليبرالي وهو ذو قيمة تكتسب بعداً جديداً إذا تم استلابها أو تعريفها من فلكلوريتها أو شيء منها وإحلال الفراغ بمادة لا تقل حيوية ولا تقلل في فعالية السعادة وهي اعطاء الفرح وبشكل متدرج شكله الحزبي المتصادم مع الحزن والبؤس وثقافة الموت التي تم تحزيبها من قبل الليبراليين في أشكل خصومهم الدينيين.

إن المقالات الليبرالية ذات الصلة بمناسبات الفرح كالأعياد تأخذ حيزاً فضفاضاً من توتر الليبراليين تبلغ بهم بمبلغ مصادرة أو المزايدة على خصومهم إذا لم يحملوا نفس الإيدلوجية الثورية ضد ثقافة السائد فمن لا يبالغ في البهجة فهو عدو الفرح ومن تحرى الطرق الشرعية في إعلان فرصته فهو عدوّ للفرح أيضاً وهكذا تحول الفرح من ممارسة فطرية إلى شعار إيدولوجي ومحك ويتم تصنيف السعوديين فيه إلى أنصار الحياة وأنصار الموت وكل هذه المقالات تُطرح على مرأى ومسمع المسؤولين الإعلاميين دون أن يرف لأحد جفن. واللافت أيضاً أن الليبراليين لا يبتهجون بعيد الأضحى والفطر قدر ابتهاجهم باليوم الوطني لأن الأخير أقل التباساً بالديني فهو قابل للبرلة أكثر منهما بل مضى الأمر إلى مطالبة أحد الليبراليين في إحدى الصحف بأن نبعد العبارات الدُّعائية الدينية من رسائل الجوال المهنئة بالعيد للمحافظة على جمال الاحتفال بالعيد بمعنى آخر تنقية وإزالة الشعارات الدينية لإحلال مكانها شعارات ليبرالية ولا يأتي هذا إلاّ بافتعال أزمة (من طرف واحد) ضد الدينيين وتصعيدها بدون مناسبة حتى تتم المواجهة بين حزب (السعادة) الليبرالي وأعدائه (أعداء الفرح!!) ورغم هذا التصعيد إلاّ أن غير الليبراليين لا يعرفون حتى الساعة عن هذه الأزمة التي انتهت صيحةً في واد.

الليبراليون في تصعيدهم الحزبي بشأن العيد والسعادة يعمدون إلى مفردات اتهام لا رصيد لها في الواقع ولا تنسجم مع قوانين العلم والمعرفة فوصفوا خصومهم في الصحف: (أعداء الحياة)، (خصوم الحياة)، (خصوم السعادة)، (خفافيش الظلام)، (أعداء الفرح) ........ والواقع والعلم يؤكدان أنه لا يوجد إنسان عدو للحياة أو السعادة وحالة الاستمتاع بالحياة تجلّ ٍ لحالة شفافة من السعادة بل لا يوجد إنسان لا يفتش عن المتعة والفرح فهل لهذا التصادم مع قوانين العلم والمعرفة ما يسوغ لوصف هؤلاء الليبرليين بأعداء المعرفة والعلم.

ومن المَشاهد على تجنيد السعادة للعمل للأجندة الليبرالية ما كتبه أحدهم معلقاً على منع هيئة الأمر بالمعروف استخدام الطبول للاحتفال بالعيد في إحدى المحافظات أو الأحياء في إحدى مدن شمال الرياض فوصفهم بأنهم (أعداء الفرح) وهذا التعبير رغم استهلاكيته ضد التوصيف العلمي الحديث لدوافع المشهد فالعلم الحديث يقول: إنّ السبب هو رؤية دينية تبناها هؤلاء الأفراد تعترض على استخدام هذه الآلة وليس الاعتراض على البهجة بهذا العيد الذي هو عيد إسلامي). هذا هو توجيه العلم الحديث المتصادم مع ما يكتبه أعداء العلم الحديث. إن أزمة الليبراليين مع قوانين وتجليات ونظريات المعرفة الجديدة لا تحرضهم على البحث العلمي فلا مكان لأوصاف (أعداء الحياة والحب والسعادة والفرح) في نتاج العلم الحديث ولكن لها مكان في الكراهية الليبرالية الحديثة المتصادمة مع معطيات المعرفة والإنصاف.

أطرح في الختام سؤالاً (لماذا هذا التحالف الحزبي مع العواطف والوجدانيات) والجواب أن العواطف بطبعها فاقدة للهوية وإنسانية محضة .. فليس ثّمةَ فرح إسلامي وفرح مسيحي أو علماني ... هناك فرح وحسب ولا مزايدة عليه ولكن هذا لا يكسبه المرونة فقط بل يجعله مطواعاً للتجنيد دون وعي وهكذا حال فاقد الهوية لذا تم استثماره لغفلته وانقطاعه عن رعاية العقل له ولو حدث العكس لكان (الفرح) عاطفة علمية عقلية ولما حاول الليبرالي أن يستمليها للتعبئة ضد الآخر ولكن ثقافة (الفرح) منجذبة إلى منظومة علمية حديثة ترعاه وتوجهه وعندها يخرج عن سيطرة الليبرالي لأن هذا الاستقطاب الليبرالي للعواطف متمرد على العلم الحديث والواقع. وأذكرها بإحدى الدراسات التي صدرت في الكويت تناقش انحسار الليبرالية فأكدت الدراسة أن عدم قدرة الليبراليين إثبات هذه التوصيفات الآنفة جعلهم في قفص محاكمة اجتماعية فالذي كتب (إنهم أعداء الفرح) غير قادر على الإثبات ولكن ليس هناك من طالبه بالإثبات ربما لأن أحداً لم يقرأ ما كتبه وما ينفخه في رماده.

إن استقطاب الوجدانيات والعواطف كان السبب الأول لفشل الليبراليين في استقطاب الأفراد فالتفوا على مشاعرهم اللاواعية لتكون لبرلتها الخطوة الأولى للبرلة الأفراد. ما أرجوه أن نعود فطريين طبيعيين كما كُنّا وأن تتجلى مشاعرنا تجاه ما نحب دون أن نتعرض لأدلجة اللحظة المناسباتية البرئية لا لشيء إلا لأن هذا الكاتب الليبرالي يكره (المطاوعة) فيريد تعميم كراهيته للخطاب الديني ولكن على حساب فطرتنا وعواطفنا وبهجتنا المستمتعة بطفولتها وبراءتها.

hm32@hotmail.com

الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة