Culture Magazine Monday  09/06/2008 G Issue 251
تشكيل
الأثنين 5 ,جمادى الثانية 1429   العدد  251
 

من الحقيبة التشكيلية
أغفلها التشكيليون رغم أهميتها
الفصام ينجح في توظيف النقوش والرسوم الأثرية في لوحاته

 

 

تنعم بلادنا بكنوز عظيمة من الآثار التي تؤكّد قيام العديد من الحضارات في الجزيرة العربية، وإذا حاولنا أن نستعرض بعضاً من هذه الحضارات والإشارة إلى المواقع التي وجدت فيها آثارها فسنجد أنها موزعة على مختلف مناطق المملكة منها نقوش ثمودية في شرق الرياض في كهف يسمى كهف برمة تعود إلى قبل 2400 سنة وفي الجوف رسوم ونقوش تشبه النبطية وتختلط بها كتابات عربية.

وفي دومة الجندل كانت مقراً لملوك الشعب الادومي وبها قصر مارد. إضافة إلى الفاو التي تعد من أبرز المواقع الأثرية كما هي آثار مدائن صالح.

ولا ننسى منطقة حائل إضافة إلى بقية مناطقنا الجنوبية والشرقية الغنية بهذه الآثار المشتملة على النقوش والكتابات والرسوم منها ما هو على جدران القصور القديمة أو أنماط البناء أو ما وجد على الصخور في الجبال.

كل هذه الآثار وما تحتويه من إبداعات في تلك الحقبات التاريخية لا يمكن أن تحدث أو تبرز لولا وجود فنانين موهوبين في هذا الجانب.

البحث عن الهوية

لا شك أننا نعيش مرحلة خطيرة تجاه كل ما يتعلّق بفكر الإنسان ومنها الفنون بمختلف فروعها كونها وسائل تعبير يمكن من خلالها معرفة مستوى رقي الشعوب، كما وجدناه في الآثار وبقايا الحضارات علماً وأنماط معيشة وفنون عمارة ومراحل رقي، ليأتي وقت تتصارع فيه الحضارات بين جديد معاصر لا يعترف بالهوية وبين شعوب تقاتل وتجاهد لإبقاء هويتها وأصالتها وتاريخها العريق، فالأخيرة يبحث المنتمون إليها عن واقعهم السابق الذي يتألق بصورته الجميلة في الذاكرة الزمنية والبصرية محاولين من خلالها استعادة وهجه المشرق دون إغفال للتجارب الحديثة.

لهذا وجدنا في موضوع يلامس ما نعنيه من بحث عن الهوية، نستضيف فيه أعمالاً ذات علاقة مباشرة بأحد المصادر المهمة في إيجاد الخصوصية التشكيلية التي نفتقدها في الأعمال الفنية التي تنتشر في معارضنا على كامل مساحة الوطن فكان لهذه المصادر محط رحال في إبداعات الفنان التشكيلي السعودي إبراهيم الفصام أحد الأسماء المعروفة في الساحة نتيجة تفاعله ومساهماته في مختلف المعارض والمسابقات التشكيلية إضافة إلى تمثيله المملكة في عدد من المناسبات التشكيلية خارج الوطن.

فقد استطاع التشكيلي الفصام أن يبحث في ثنايا التاريخ وما أبقاه من رموز ونقوش في الآثار التي أظهرتها فرق البحث عن الآثار في مختلف مناطق المملكة وتحدثنا عنها في مقدمة الموضوع ليعود لنا منها الفنان الفصام بشكل جديد يتوافق مع متطلبات العصر في وقت أغفلها الكثير من التشكيليين رغم أهميتها فنجح في توظيفها في لوحاته التشكيلية وجعلها منطلقاً لمواضيعه الفنية جامعاً فيها بين الرمز القديم بتقنيات الفن الحديث عبر اللوحة المسندية دون إخلال بالأصل أو نقله فوتوغرافياً محققاً بذلك المزج الذكي مقترباً به من تحقيق خصوصيته وساعياً به لتحقيق الهوية متكئاً على حقيقة لا يمكن الاختلاف عليها في جانب تاريخ الحضارات التي وجدت في هذه الجزيرة التي ينتمي إليها الفنان وكل من حوله من أبنائها.

ومن المؤسف أن تغيب هذه المصادرعن غالبية الفنانين مع أن كثيراً من التشكيليين في الدول العربية قد استلهموها وأعادوا صياغتها بما يناسب الواقع مع الاحتفاظ بقيمتها التاريخية، ولنا في العديد من الأعمال ما يدل على هذه التجربة الكبيرة والصادقة كما هي في أعمال عدد من الفنانين المصريين منهم صلاح عسكر والبهجوري وأحمد عبد الكريم الذين دأبوا على البحث وتقصي أبعاد جماليات الرموز الفرعونية، كما نرى الرموز الأشورية والبابلية في العراق في أعمال جميل حمودي وغيره من التشكيليين هناك، وفي البحرين الدلمونية في أعمال راشد العريفي، وها نحن اليوم نرى الرموز في آثار الجزيرة العربية في أعمال الفنان الفصام، هذا البحث والتوظيف لهذه الرموز أجده أكثر مصداقية وتحقيقاً للهوية مما كنا وما زلنا نستعرضه بمختلف الطرق المباشرة أو الرمزية أو التجريدية من توظيف للمثلث، هذا الواقع الذي يجعلنا نضع اللوم على من يعيش على هذه الأرض ولا يستوعب حقيقة آثارها، بل على الفنان أن يصنع روابط وحلقات تواصل بين الماضي بكل ما أبقاه من موروث وبين الحاضر بمتطلباته ومتغيِّراته الفكرية والفنية، فمصادر الفكرة في إبداعنا العربي عند بحثنا عن الهوية لا يتوقف عند المشهد البصري وإنما يمكن الحصول عليه بالكثير من السبل منها الأساطير القديمة من رواية وشعر إضافة إلى ما يتوافر من منتج بصري في تلك النقوش والرموز فهي تشكّل إحساساً بيقظة التراث مستعيداً أمجاد الماضي من خلال التجذّر فيه واكتشاف الطاقات الخفية الكامنة في هذا التراث.

وإذا اعتبرنا أن أعمال الفنان إبراهيم الفصام ذات ميزة واختلاف عن تجارب زملائه فالأمر يتعلق بعناصره التي يلتقطها من نماذج النقوش الأثرية فيعيدنا إلى عمق مشاعرنا الإنسانية تجاهها وتجاه الفن البدائي الذي يعتبر بدايات التعامل مع الفن وتوظيفه كلغة بصرية، مع ما يضيفه الفنان الفصام من معنى ثقافي معاصر بنقله هذا الرمز من الحفريات إلى لوحة تزيّن منازلنا ومكاتبنا بزاوية ثقافية جديدة وبفعل نفعي جديد بكل ما فيها من جمال روح الماضي.. الناس والأمكنة، بمفهوم اعتمد فيه على اقتباس الأشكال من حالها القديمة وإحالتها إلى وظائف جديدة وفق متطلبات الفن العصري.

تعدد التقنيات

المتابع لمراحل أعمال الفنان الفصام يجد تسلسلاً وتنقلاً من خامة إلى أخرى ومن تكنيك إلى آخر دون إحداث نشاز أو انفصال في تحركة تمثّلت في معالجته للفكرة على سطح اللوحة بالريليف تارة وبالحفر أو التسطيح تارة أخرى لتظهر رموزه نافرة أو غائرة إضافة إلى الخدوش والكشط على العجائن، مع ما أضفاه على عناصره من الألوان التي أتت في آخر أعماله أكثر إشراقاً خصوصاً اللون الأزرق والأخضر من العائلة الباردة مستبدلاً ما كانت عليه الرموز من ألوان شاحبة على الحجر أو جدران الحفريات مستعيداً بهذه الألوان روحها وحيويتها.

الفنان الفصام في حال إقامته معرضاً متكاملاً لتجربته سيلفت نظر بقية التشكيليين تجاه هذا المصدر من مصادر التراث الذي يعني أهم وأعظم ملهم للروح وللإبداع، على ألا يكون قناعة بالعودة إلى الماضي. أمام متطلبات التطور الحاضر الذي يدفعنا للتطلع نحو المستقبل.

مصادر الفنان

يقول الفنان الفصام إن تطرقه لهذا المجال يأتي نتيجة لعدم البحث فيه من قبل التشكيليين، وكانت البداية عبر لوحة بالحبر الصيني مقاس 50 في 70 سم في عام 1422هـ وقد كانت مصادر بحثي فيها من خلال 15 كتاباً تحتوي على آثار الجزيرة العربية. وقد عرضت هذه اللوحة في وكان لتصنيفها خلال مشاركتها في بينالي تايبيه, كإحدى أفضل اللوحات المعروضة بالمعرض ما دفعني للاستمرار بهذه التجربة بعمل عدة لوحات, وبتقنيات مختلفة.

بطاقة

- الفنان إبراهيم الفصام من مواليد مدينة الدرعية، يحمل دبلوم تربية فنية عام 1395هـ.

- شارك في أغلب معارض المملكة الداخلية والخارجية.

- حصل على عدة جوائز وشهادات تقدير واقتناء تتجاوز الخمسين.

- نفذ له عمل في مطار الملك فهد الدولي بالمنطقة الشرقية.

- مثَّل المملكة في عدد من المعارض.

- المشاركة في معرض البينالي الدولي العاشر للرسم والطباعة عام 2001 م - تايبيه.

- عضو مؤسس بالجمعية السعودية للفنون التشكيلية، عضو مؤسس لجماعة ألوان للفنون التشكيلية.

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة