Culture Magazine Monday  09/06/2008 G Issue 251
نصوص
الأثنين 5 ,جمادى الثانية 1429   العدد  251
 
قصة قصيرة
بتلة واحدة ولكن...
عبدالرحمن بن سلطان السلطان

 

 

بتلة واحدة كانت كافية لإثارة مكامن الذاكرة.. تحمل لوناً مماثلاً ورائحة تعود بي إلى زمن غابر لم استطع نسيانه.

انحنيت لالتقاط تلك البتلة الوحيدة... وكأنما انحنيت دون زمن طوى فؤادي.. وأذرى التراب عليه, تلك الانحناءة أتذكرها حينما تحولت زهرة الليلك في يديها إلى بتلات متفرقة.. وفي النهاية أبقت تلك الزهرة عارية كما قلبي حينما فقد كل شيء.

لكنه دائماً ذلك التيار الهوائي الخفيف يبعد البتلة بضع خطوات أمامي.. تحس بملامسته ولكنك لا تلحظ وجوده.. آه من تلك البتلة/ الذاكرة... لم أكن أتصور قدرتي على تذكر تلك الصورة وقد نزعتها من ذاكرتي المنهكة منذ زمن طويل. وكأن مرايا قلبي تتأمر عليّ... تحاول الإجهاز على ما تبقى من بذرة حب كامنة هنا.. حينها كنت مستعدًا لبيع الدنيا مقابل لحظة حب خاطفة!.

* * *

معالم الحديقة لم تتغير أبداً.. السنديان العتيق لا يزال شامخاً في مكانه.. هنا كانت أول.. وهناك كان آخر لقاء.. هنا عرفت جنون الحواس وغرقت في بحر أغصان الهوى.. وكانت ساحة المنتصف مسرحًا مكشوفًا لآمالنا الساذجة.. بعيداً عن عيون القمر وتلصص النجوم.. نسمة هواء خاطفة تحرّك البتلة بضع خطوات.. ولمحات خاطفة من صفائح الذاكرة تتراقص أمامي.. أم تراها تتباكى دون دمع أو أنين؟..

أتوق للانفراد بتلك البتلة وقد استثارت مشاعري الدفينة بغير موعدٍ مسبق... ولكن شيئاً ما يمنعني دونها..

* * *

أغلق عيني.. أحاول حماية قلبي من تدافع ذكريات لا ترحم ولكن حديثًا متقطعا أخذ يتكامل في صدري الجريح, لكن اللسان يفصح عن:

:لا... لن أجعل البتلة... لن أجعل البتلة ذكرى فشل قاهر...

: ص...صباح الخير

جملة حادة.. تقتص من ترّهات لساني, لكنني أرفع رأسي نحو مصدر الصوت المألوف! لأواجه ابتسامة صادقة من ذاك العجوز وقد تأبط عصاه، وراح يلقي التحية على كل من يقابله دون حساب أو معرفة مسبقة.

:... صباح النور

جلس بقربي واستنشق هواءً نقياً ثم انحنى نحو بتلتي والتقطها... هناك ضربات قلبي تزداد قوةً وتسارعاً... يقرّبها نحو أنفه الهرِم ويتحسسها بكافة حواسه كما لو كان يعرفها منذ زمنٍ قديم... الدهشة تعلو محياي... وصفحات الذاكرة تتحول الى فيلمٍ سينمائي متسارع ولقطات متداخلة... بعضها أبيض وأسود وبعضها الآخر ملونة.. وهذا الرجل لا يزال مستغرقًا في لحظات حالمة والابتسامة الصافية تشع منه والهالة العطِرة تتوسع حوله... هناك فقط يلتفت نحوي.. يغرز خنجراً في فوائدي: إنها بتلة ذات ذكرى عطرة!!

asalsultan@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة