Culture Magazine Monday  07/07/2008 G Issue 254
عدد خاص
الأثنين 4 ,رجب 1429   العدد  254
 

العِلْمُ سبيل الإيمان
د. عبد الفتاح يوسف

 

 

تتجلّى القيمة الحقيقية لأي مفكر فيما يتركه للبشرية من أفكار تساعدهم على تصحيح مفاهيمهم تجاه الأشياء، وعندما سمعت بخبر مرض الدكتور مصطفى محمود من الأخ الشاعر الأستاذ فيصل أكرم، استدعت ذاكرتي على الفور قيمة البُعد العلمي للدين، والبُعد الديني في الحياة الذي يعلو على كل الأبعاد الحياتية ولا ينفصل عنها في الوقت نفسه، بدأت أُدرك قيمة السؤال الذي يستدعي المعرفة، ويقاوم الأسئلة التقليدية، وأن سؤال العلم في الدين هو السبيل الوحيد لإعادة بناء فهم العلم على أساس ديني، وإعادة فهم الدين على أساس علمي، لقد انشغل الدكتور مصطفى محمود بالبحث في العلاقة بين الدين والعلم، وآل على نفسه أن يقدّم تفسيراً علمياً للدين، وتفسيراً دينياً للعلم، فكشف عن جوانب إعجاز علمية جديدة في القرآن الكريم لم تلتفت إليها التفسيرات اللغوية والجمالية بحكم منطلقاتها في التفسير والتحليل، وفتحت هذه التفسيرات الجديسدة الباب أمام عدد كبير من علماء المسلمين لتناول جوانب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وهكذا تكون القيمة الحقيقية للمفكر أو العالم، وهي إثارة الأفكار التي تفتح المجال أمام الآخرين لتطويرها، هكذا دأب الأستاذ أو المعلم، على طرح أفكار جديدة تؤكد ضرورة الوعي العلمي في تفسير القرآن.

نعيش الآن عصر الاحتكاك المعرفي والديني والثقافي بشغف بالغ أحياناً، وتوتر وترقب أحياناً أخرى، والتقدّم المذهل في مجال تكنولوجيا الاتصال من شأنه وضع الفرد العادي فكريًّا في مهب الريح، عندما يجد نفسه ممزقاً بين معارف تقليدية بسيطة لا تثير وعيه أو فكره، وثقافات أخرى لها جاذبيتها الخاصة في الخداع والمراوغة، عندئذٍ يجد الفرد نفسه قلقاً ومضطرباً، هنا تبدو الحاجة ملِّحة لعالم أو مفكر يعيد للذات اتزانها، يعيد للفكر يقينه، يعيد للعقل وعيه، كم كنت عظيماً أيها العالم النبيل عندما بحثت عن قِيم الدين في العلم، فأكدت أهمية الدين بالنسبة للإنسان، وكم كنت عالماً عندما أكدت عظمة المولى عز وجل بالعلم، كم كنت أستاذاً عندما شرحت لنا كيف تحيا المخلوقات في النار من خلال زهرة النار، أطال الله في عمرك، وخفف عنك آلامك، وحلاّك بالصبر في محنتك، وخلف لنا من أمثالك خلفاً ينيرون للإنسان طريق الهداية، ويجعلون العلم سبيلاً للإيمان.

لقد أحدث أستاذنا حراكاً ثقافيًّا في مجال علاقة العلم بالدين، واستخدم وسائل متعددة لنشر أفكاره وطروحاته، استخدم التلفاز لمخاطبة العامة من الناس، واستخدم الكتاب لمخاطبة النخبة، والمحاضرات والندوات لفتح آفاق الحوار بين جميع الأطراف، والآن أطرح عدداً من التساؤلات أمام الجميع: ما الذي يمكن أن نستفيده من هذه الظاهرة؟ ما قيمة العلم وأهمية الدين بالنسبة للحياة؟ ما القيمة التي نعيش ونكافح من أجلها كما كان يكافح عالِمنا الفذّ؟.

إذا كنا نتعلّم من أجل تحقيق منصب أو جاه، وأن يكون لدينا مجال أوسع في السيطرة على الآخرين، فلن يكون هناك معنى لحياتنا؛ لأننا سنفقد معناها بمجرد فقدنا لهذه المناصب، وسوف نساهم في خراب وبؤس بلادنا، ما القيمة التي نبحث عنها من خلال علمنا؟ إذا حصلنا على أعلى الشهادات دون أن نبلغ هذه القيمة، فإن حياتنا ستكون ناقصة، ومتناقضة؛ لأن العالم عندما يعجز عن تكوين وجهة نظر متكاملة عن الحياة، فإنه يغدو بلا قيمة حقيقية.

* عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود - الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة