Culture Magazine Monday  07/01/2008 G Issue 228
فضاءات
الأثنين 29 ,ذو الحجة 1428   العدد  228
 

أيها الليل.. ما أقساك!؟
عبدالله الجفري

 

 
* في دفء العافية، وقدرتي على غرس المزيد من الحلم: كنت أشتاق إلى همس الليل ونسمته الحنون، وبوح التأمل فيه.

كنت أشتاق إلى نجومه وكأنها توصوص لي، وإلى صمته النبيل في هذا الإصغاء المكثف لأبعاد الليل.

واليوم.. أدير بصري في المدى، أحب هذا الإصغاء المتكلم من الليل، وأهمس:

- لو أن كل إنسان يعرف (كلمة السر) المتدوالة بين الليل والنهار.. لنام الناس كلهم عن شواردها، لكن سر الليل هو: حقيقة الناس، ووجوههم بلا أقنعة!!

- كان يستهويني منتصف الليل في أكثر الأوقات، حيث كنت أمتلك لعالمي خصوصية الهدوء، والتأمل، والتركيز، والتفكير.. ولذلك بقي (الليل) في ركضي، وسهري، هو عالمي الذي منحني، ويعطيني، ويصغي إليَّ، ويلهمني!! واليوم: صار الليل هو أوجاعي وقلقي وآهاتي.

الآن صرت أتذكر فقط ذلك الغزل الدافئ الذي كان يحمل الشوق المتدفق وخفقي يرشني بكلمات لا تغرقني وإنما تهدهدني، فتنهمر بحضني لآلئ ومرجاناً وياقوتاً، أزين بها صدري لأيامٍ وليالٍ، وتحولني إلى فرح لا يبرد... فهل يقول لي قلبي الآن: أين هو؟!!

***

* واليوم.. في أوجاع الجسد، وتصاعد الآهة: يضيق فضاء الليل الكان رحباً، وأضم أجنحتي منكفئاً على آهتي.. وقد كان الليل في أبعاد عمري: مدى شاسعاً للفل والياسمين.

فيا أيها الليل.. من قساك؟!

كل شيء بات مطوحاً إلا ارتفاع ضربات القلب مؤذنة بالموت... وها هو خفقي وأحلامي وقطرات من دموعي: تغافلني جميعها حين كنت أحاول اختلاس الحلم أو إعادته، مردداً همسة ذهب الوفاء:

* (كنا عشاقاً سقطوا من كتاب الشوق.. هبطوا من غيمة الأحلام كمطر ينقر نوافذ الروح، وكنا نرسم العالم جديداً يخلو من العقد، والكراهية واغتيال الحرية)!!

***

* وإذن... لم تبقَ إلا دمعة وحيدة مثل قلبي، يتيمة مثل بنوتي، وقد برد الوجد، وعكفت أُلَمْلِمُ رماد العمر... فكيف تسقي دمعتي رماد عمري؟!

* لم يزعجني حلمي عندما اكتشفت أنه استقال من أشياء كثيرة في حياتي!!

ذلك لأن (حلمي) المعلب اليوم: يبقى هو القادر على إذابة صقيع النفس، ورشها بالدفء، وتعطيرها بالمسك!!

فأية تحية وانحناء يليقان بدمعتي المتبقية في العين: بوحاً؟!

دمعتي اليوم تفاجئني كلما خلوت إلى نفسي، وآنست راحة النفس في البقاء وحدي!

فهل أنا متواطئ مع الحزن والدمعة، والوحدة؟!

الليلة... صارت مثل كل ليلة: أسامر الدمعة، وأتجانس مع الفراغ.. وأغوص في بحر من الأصداء والذكريات.

وتبقى حصيلة العمر اليوم: ليل بارد، ودمعة لا تجف!!

***

* من ذاكرة الحزن!؟

* ذات يوم - من ذاكرة الحزن- نزل التشقق في أحداقه... وجد كل الصور تبدو ممزقة، وقلوب الناس: كرتونية، تتحول عند البعض إلى: كربونية!!

اكتشف: أن كذب البعض يحبس صدق الآخرين... وهكذا كان يبتدع وقوفاً: مميزاً بالحزن.. وكان يرتمي في قيظ برود العواطف الإنسانية حتى الثلج أحياناً، فكأنه انتزع النبض من الدماء.. وكأن الناس أصبحوا يتواجدون على شطآن الملح: (بلا حزن على الماضي)!!

***

* اللحظات: صارت تنبش في وريد العجز، وتدخل بالناس إلى صدى أبكم لخفقاتهم!

وهو... يقف - في صف هذا الجيل الذي يعي فقدان الأشواق - يشتري الضحك بلحظات وقتية، ويهمس لنفسه في انفراده بها: كل الأشياء المجردة - حقيقة، والحب وحده: لم يكن حقيقة كاملة.

مضاد (هو) لكل تلك التحولات التي تبدل قدرة النبض على الحياة.

أجراس الوحدة، في ليلة غاب عنها قمرها وهمسها: جعلته مثل قطعة (العود).. يفوح بخورها بالعبق، لكنه يحترق!!

***

* منعكس (هو) على موجة بحر في شروق يوم (ساحلي).. منساب خفقه في طيات غيمة بلا غبار، يتفاعل مع البحر، يسقط أمطاراً، ويشق السماء: أمطاراً ورعوداً، وبروقاً.. يخاطب كل رفض الكلام، ينتشي، يتعمق، يندفع إلى: مقدرة الصبر على المشي فوق طريق طويل، يجد اللحن في نهايته: مكتملاً!

- يردد: حين ننسى.. لا نذكر أبداً احتمال الفراق، ولوعة الحزن، وسكين القطيعة، ومرارة الموت.. إننا ننحاز لحظتها إلى: غرورنا، ونمتلئ بالأماني الطارئة، والرغائب الزائطة، والشهوات الماجنة.. وتتسع الرقصة فوق مسرح الحياة!!

* * *

* ركض وراء أغنية صيف (مبلول) فهل هناك أيضاً - حب صيف؟!

كان يهرب إلى البحر من صمت المساء (هذا الوافد كل ليلة بانفعال طقسه، وبكل افتعال هروب الناس وضحكاتهم البلاستيكية.. وكان ينبغي له - إذن - أن يتوقف ليتساءل، ليفهم، ليمتلك جانباً من ذلك الوضوح المتواري خلف ضحكات الناس البلاستيكية، وكان ينبغي.. لكنه اكتفى (!!) وبقيت (الوقفة) في حد ذاتها: حصاد ذكرى، ورجع حنين يقرب من خيالاته، حيث تركته يعد إلى خطى الزمان اللاهثة على درب فساد الحلم، أو... حتى قتله!!

* * *

من راحلة السفر!؟

* من زمان الصمت والوحدة، وهواجس القلب: بقي قلبه: عابساً حزيناً تستغرقه الوحشة، يحاول أن يكسر الصمت والعبوس و.. يقهقه!

* هكذا بقي (مرمياً) على الأصداء.. وهج التذكر: وحده الذي صار يبرعم يباسه.

التذكر: هو الاعتراض على الوحشة، والفراق، والخذلان.

إن النفس لا تلم الأشواق.. لكن الأشواق تلم العاطفة وتدعها تزهر!

ما عاد يطبق مخاطبة الوجدان بكلمة: آسف.. ها هو يكتفي بالأمل المرسوم على الحنين، فلا وقت عنده لعتاب الصمت!!

* * *

* حدث زهرة يسير إليها كل النحل.. إلى كيان إنسان معجون بالحنان.

امتزج بمن وضعت الشمس في يمينه، والقمر في شماله.. ولم تسأله عن النهار!؟

أضاءت لحظته بوجه امرأة يمحوه حضورها ويفنيه غيابها:

إلى أمه التي أسرعت في فرارها من الدنيا، فكان رحيلها انتحار الروح.

إلى أمه التي علمه حنانها عشق الجنة!!

* * *

* إلى المدينة التي هجرها أبوه عندما فقد الصبر، ففقد الحياة التي كانت حفلاً يسمى قمراً، وكل أحلامه: قصائد تدخل من جميع الأماكن، ومن كل الثقوب حتى مسام الجلد.

إلى (إنسية) من رخام عبثت بحقله ذات صباح.

إلى مدينة تدفقت فرحاً بين أضلعه، ثم.. عبثت بشرايين القلب.

إلى (مكان) احتضن طفولته، وهدهد يفاعتي، حتى صار الحلم أغنية... وكأن الأوان قد آن لتغني زهرة الصحراء التي تذبل في قحط المطر!

إلى من يحيا في مدينة يحلم فيها بمستقبل أقل هموماً.

إلى مدينة أول فرح كبير في حياته.. وإلى الفرح الذي هو أكبر من العذاب والحزن.

* * *

* إلى كل الأصدقاء النبلاء في حياته.

إلى الأصدقاء.. حيث يسكنون: القمر والبحر، والرياح والعاصفة، والنسمة والحلم.

إلى كل الخلان في وطن تعلمنا فيه الحب والأمل الذي لا ييأس.

إلى أصدقائه الذين لولاهم لما حصل على شمعة بدد بها بعض الظلام.

إلى... كل من أحب حباً عظيماً تغلغل في أعماقه.

إلى.. الوطن العظيم، الكريم، الشموخ، الذي أودعه حشاشة قلبه، وبذور الورد والفل والزنبق و.. شجرة (النيم): حباً لا مثيل له!!

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5717»ثم أرسلها إلى الكود 82244

جدة - a-aljifri@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة