Culture Magazine Monday  03/03/2008 G Issue 236
عدد خاص
الأثنين 25 ,صفر 1429   العدد  236
 

خمس ذكريات..ملامح غسان تويني
د.بطرس غالي*

 

 

الحديث عن غسان تويني، الكاتب، الصحفي، الدبلوماسي، السياسي، رجل الدولة اللبناني، المفكر العربي الكبير، يعد مهمة صعبة أو مغامرة أكاديمية لا أستطيع القيام بها لهذه الأسباب سوف أكتفي باستدعاء بعض الذكريات المشتركة التي توجت صداقة نصف قرن من الزمان.

الذكرى الأولى

عرفت غسان تويني في بيته الجميل في جبل لبنان ربما عام 1958 أو 1959، والذي عرفني به هو بشارة تقلا مالك جريدة (الأهرام) اليومية المصرية التي أسسها جده سنة 1876، وغسان تويني هو مالك جريدة (النهار) اللبنانية التي أسسها والده.

في عام 1959 كان تويني شاباً يافعاً واعداً، ديناميكياً، صحفياً موهوباً، وكاتباً يملك ناصية ثلاث لغات، العربية، الإنجليزية والفرنسية، وكنت أنا في ذلك الوقت مدرّساً شاباً في جامعة القاهرة.. وكنت قد اقترحت على بشارة تقلا أن يصدر مجلة أسبوعية هي (الأهرام الاقتصادي) التي كنت أود أن تحتذي نموذج (الإيكونوميست) البريطانية.

وأتذكر أنه دار بيني وبين غسان تويني مناقشة مستفيضة (طويلة) في حضور بشارة تقلا وكان يوضح لي فيها أن عدد المعاونين الموجودين والمتاحين لا يعد كافياً لإصدار هذه المجلة الأسبوعية خصوصاً مع ارتباطي بالتدريس في الجامعة واستحالة تفرغي تفرغاً كاملاً لهذه المجلة الجديدة.

في أعقاب هذا اللقاء قررت بالاتفاق مع بشارة تقلا ومحمد حسنين هيكل الذي كان قد عين وقتها رئيساً لتحرير (الأهرام) قررت إصدار (الأهرام الاقتصادي) نصف شهري، على أن تتحول إلى أسبوعية في مرحلة تالية.

الذكرى الثانية

هي لغسان تويني الدبلوماسي. والذي عدت وقابلته في الأمم المتحدة وقت أن كانت مصر معزولة ومقاطعة من قبل السفراء العرب المعتمدين فيها بسبب اتفاقية (كامب-ديفيد). فكان غسان تويني رئيس البعثة الدبلوماسية اللبنانية في الأمم المتحدة السفير العربي الوحيد الذي يقابلني ويناقشني بكل الود والإخلاص في مشاكل عالمنا العربي، فهذه العلاقة، وهذه الصداقة المخلصة التي تزداد قيمتها وعمقها خصوصاً إزاء ما كنت أشعر به أن هذه المقاطعة تتمحور حولي شخصياً باعتباري -وعلى غير الحقيقة- أني الذي أوصيت الرئيس السادات بالذهاب إلى القدس وأني المسؤول الرئيسي عن معاهدة السلام (المنفردة) التي وقعت مع إسرائيل.

الذكرى الثالثة:

هي لغسان تويني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية أمين الجميل وكنت أنا مكلفاً خلال الحرب الأهلية اللبنانية من قبل الرئيس حسني مبارك برئاسة بعثة النوايا الحسنة في بيروت، حيث قابلت الرئيس الجميل وكان تويني مستشاره الأول.

فقد شرحت للرئيس اللبناني أن العالم العربي في حاجة إلى لبنان قوي، يمثل نموذجاً لوحدة بين المسيحيين والمسلمين وللانفتاح على الغرب، وللتنوع الثقافي والديني، ولتكون لبنان دوماً مرفأ للسلام والأمن، بالإضافة إلى ما أكدت عليه من أن الدبلوماسية المصرية ترغب في مساعدة لبنان على الوصول لكل هذه الأهداف ليس فقط لتحقيق مصلحة الشعب اللبناني وإنما لصالح الدول العربية كلها.

الذكرى الرابعة

كانت لغسان تويني الناشر والمفكر الذي نشر لي أحدث عملين لي، العمل الأول في عام 2003، وكان الترجمة العربية للمشاريع الثلاثة التي قدمتها للجمعية العامة للأمم المتحدة، مشروع للسلام، مشروع للتنمية، ومشروع للديمقراطية، وقد قام تويني بكتابة مقدمة جميلة لهذه المشاريع، مقدمة تضمنت المجاملة والذكاء معاً، وثاني العملين كان مذكراتي خلال الفترة التي ترأست فيها المنظمة الدولية الفرانكوفونية وعنوان الكتاب (في انتظار بدر البدور).

الذكرى الخامسة

وهي الأحدث، حينما كان غسان تويني قد وافق على المشاركة في أعمال (منتدى موناكو) الذي أسسته وأترأسه.

وفي فبراير 2006 التقيت به بعد اغتيال ابنه (جبران) في 12 ديسمبر 2005، فوجدت تويني نموذجاً لشجاعة مواجهة الموت، شجاعة مكنته من احتمال هذه المأساة، شجاعة قراره أن يخلف ولده في مقعده بالبرلمان، شجاعة الاستمرار وبنفس الحماس والاهتمام بقضايا لبنان والعالم العربي.

وشجاعته هذه هي نموذج لنا تلهمنا جميعاً، ويلهمني أنا شخصياً لكي استمر في نضال وكفاح ممتد من أجل إرساء السلام وتحقيق التنمية والعمل على تأكيد (الديمقراطية والعلاقات الدولية).

هذه الذكريات الخمس، أو الملامح الخمسة لغسان تويني فهي تمثل أيضاً تقديراً للبنان الذي استطاع تويني أن يجسده.

* الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة