Culture Magazine Monday  03/03/2008 G Issue 236
عدد خاص
الأثنين 25 ,صفر 1429   العدد  236
 

الوطن المزدهر بالإحساس واللغة والحب
نبيه بري*

 

 

من الصعوبة بمكان أن تقرأ غسان تويني عندما يكتب فاتحة الأشياء: صباحات الوطن نبض ترابه، مدائح أشجاره، وبحره وبرّه. والأصعب أن تقرأ عندما يكتب حركة الناس وأوجاعهم وآمالهم وآلامهم، وعندما يكتب التاريخ على مساحة الجغرافيا، والمكان على وقع الزمان.. والأكثر صعوبة أن تقرأ غسان تويني وهو يحفر بقلمه شهادات حول المرحلة وأشخاصها، وهو يطرح أسئلة واضحة ويرفض الأجوبة المراوغة. والأشد صعوبة أن تكتب غسان تويني أو أن تكتب عن غسان تويني لكأن الدعوة إلى ذلك هي امتحان المستحيل.

أزعم أني أعرف غسان تويني منذ أن وقعت أول دمعة من عين قلمه على الورق، وقد شهدت حرقتها ودفئها وصدقها ونضوجها، انتبهت إلى كاتب مختلف يعطر أنفاسه بالكلمات والأمل.

في كل نهار أبحث عن وقع قلمه في النهار، فأجده بخلاف الآخرين، حيث تركت يده الخضراء أشجاراً وقمحاً وتبغاً في حاكورة الصفحة الأولى لتلك الصحيفة المعتقة، فأعرف أن الوطن بخير لأن غسان مستمر في الكتابة، ومستمر في إطلاق صرخة قلمه في برية الورق، حيث يمكن أن يمارس حريته، وحيث يمكن أن يعطي للاستقلال وللسيادة وللمواطنة والوطنية وللعاصمة والحدود المعنى الحق.

أشهد أني في كل نهار أستجير بالأستاذ غسان تويني، لأنه الأكثر انتباهاً إلى أن لبنان مسؤولية كبرى لأنه (رسالة)، ولأنه أصغر من أن يفتت وأكبر من يقسم وأوسع من أن يضيق بالعرب، ولأن لبنان بيت على صخر، ولأن لبنان مسؤولية باعتباره أنموذجاً للقرية الكونية التي تتعايش فيها الأديان وتتحاور الحضارات.

أشهد أن غسان تويني ومنذ أن هاجر إلى الجنوب وحمل معه وطنه ليدافع عن حدود الوطن، لم يغادره إلا إلى حدود مطالب الشعب، ولم يقع حفر الفئوية والجهوية والطائفية والمذهبية. أشهد كذلك أن غسان تويني الأستاذ، لم يتراجع عن معرفة أن فلسطين هي باب عيوننا إلى فضاء الشرق، وأنه ليس بالإمكان أن نعيش سلاماً مع أنفسنا إلا بسلامها.

لغسان تويني صديقاً وقد خبّأ العمر فيه تاريخاً من الأسرار وأوطاناً من الآمال المتكسرة، وعواصم من ملح - له - أن أستقوي به على كل من يعاند اللقاء والتشاور والحوار والتفاهم والتوافق والاتفاق والوحدة الوطنية.

لغسان تويني أباً، أحمل معه لوعة جبران غابة حزن جائعة للبكاء المر، ولغسان تويني يحمل معي صليب (الممكن) الذي أجرجره على طريق جلجلتي التي ستؤدي حتماً إلى قيامة الوطن.

له إنساناً، تزدهر فيه اللغة والإحساس بالمكان والزمان، وله أديباً، تزدهر فيه حدائق الحب، وله كاتباً تزدهر فيه حديقة الأوطان وله صديقاً، لا تخونه الذاكرة وله أباً، لا تنطفئ حرقة قلبه، له محبتي وتقديري واحترامي.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة