عندما كنت باحثاً شاباً إبان الثمانينيات، قابلت غسان تويني الذي كان يدعوه السيد دومينيك شو؟ الييه بانتظام إلى مائدته في باريس. وتأثرت طبعاً بالغنى الإنساني عند هذا الرجل الذي كان في آن صحفياً كبيراً ومثقفاً لامعاً وشخصية سياسية. في عقد التسعينيات شرّفني باعتباري صديقاً وكان يدعوني أثناء زياراتي للبنان. وبصفتي مؤرخاً، كان يطيب لي أن أستمع إليه يروي طرائف عديدة تتعلق بإقامته في الولايات المتحدة إبان عقد الأربعينيات ووصولاً إلى مهنته السياسية. سألته مطولاً عن شتى أحداث حياته السياسية فأثريت معرفتي في مجالات عديدة.

وتوطدت من ثم العلاقات بيننا. ونشأت بيننا شعائر غداءات منتظمة بمشاركة سمير قصير ونواف سلام. وأصغيتُ إليه في المحاضرات العامة العديدة التي كانت فيها ثقافته الواسعة وإنسانيته الكبرى تغذيان رؤيته السياسية الثرّة. شكلت هذه اللقاءات جميعاً مناسبات ممتعة.

ومؤخراً عندما ضربته المأساة مرة أخرى، ضربت أيضاً جميع الذين كانوا يحبونه. ولكنني رأيته مرة أخرى ينصّب نفسه كرجل للسلام محاولاً إخراج بلاده من التمزقات الجديدة التي حلت به.

لئن استطاع القول إن العرب قضوا قرناً كاملاً من الفراغ، فإن شخصيته وعمله يثبتان العكس. قد يقال ذات يوم إنه «قرن غسان تويني»، وذلك للتأكيد على أفضل الملامح في الحياة الثقافية والسياسية في الشرق العربي إبان العقود الأخيرة هذه.