(وتوقف العزف)
|
* عادل النمازي - جازان بيش :
كان طول النهار منهمكاً في العمل، يعمل بإخلاص وإتقان فهو يحب عمله وراضٍ به.. فكان في النهار عمل وكد وفي الليل راحة وسكون واطمئنان، تناول طعام العشاء مبكراً مع أبنائه ثم جلس يسامرهم بعض الوقت.. ثم ذهب فوق سطح منزله كعادته ليقرأ كتابه المفضل وفي مكانه الجميل، الهادئ.
الناس نائمون والليل مظلم والنجوم تتلألأ وتدغدغه نسمات الهواء العليلة والرائعة والحانية على خديه الناعمين، وبدأ يقرأ، ويقرأ، مر نصف الليل وهو منهمك في القراءة لا يزعجه شيء حيث الهدوء التام إلا من الأشياء التي لا بد منها. وبينما هو منهمك في القراءة مستمتع بما يقرأ إذ سمع ذلك العزف الجميل الذي سرى مع النسيم في ذلك الظلام الحالك على أوتارٍ متقنة الصنع، لكنه عزف رائع يوحي بأن هناك شيئاً غير معروف وغامض، عزف الأوتار ولحن يدل على الإبداع وصوت يُطرب الأسماع. توقف عن القراءة بل أغلق الكتاب وجلس يستمع إلى ذلك العزف ولكن لاحظ أن هذا العزف أو اللحن والصوت يدل على مدى معاناة هذا العازف وكلما ضرب على الوتر خرجت منه زفرة حارة من القلب، هناك سد يكمن في قلب هذا العازف يكتمه منذ زمن ليس بالقريب، لم يخبر به أحداً إلا هذه الأوتار، لأنها تعرف مدى معاناته عندما تعاني هي وتتألم من شدة العزف والدق عليها، انتبه من غفوته الفكرية أن الوقت متأخر وفي الصباح عنده عمل شاق، نزل من على السطح وعاد إلى غرفته وبدأ يفكر كيف يعرف السر المكتوم لكي يساعد هذا العازف على حل مشكلته ثم نام وهو يفكر. في الصباح تناول فطوره ثم ذهب إلى عمله ولم يعد إلا في المساء مع حلول الظلام؛ ثم تناول طعام العشاء مع أبنائه وجلس يسامرهم بعض الوقت، ثم ذهب كعادته فوق سطح منزله ليقرأ كتابه المفضل، مر نصف الليل وهو منهمك في القراءة وبينما هو على ذلك الحال إذ بدأ العازف مرة أخرى يعزف من جديد، وهذه المرة زفر زفرات متعددة تنبئ بأن هناك سراً خطيراً جداً. وبدأ العزف بألحان تذهب بالعقول، لحن يدل على التفنن والإتقان ودقات على الوتر تدل على أنه لم يُعد يحتمل الأمر ثم قال في نفسه بعد أن أغلق الكتاب: يبدو أن القنبلة ستنفجر عما قريب، وأن الباب سيفتح ونعرف ما يدور في عقله وقلبه وبينما هو يفكر في ذلك إذ زاد عزفه وأطلق آهات وآهات ونغمات طربات تسير مع الهواء، تدور في هذا الكون من طوله إلى عرضه وعن أعلاه إلى أسفله.
واشتد فضول الرجل يريد معرفة قصة هذا العازف وبدأ يفكر بطريقة يصل بها إلى قلب هذا العازف ثم انتبه إلى أن الوقت متأخر ونزل من فوق السطح وذهب إلى غرفته لينام ولكنه لم يستطع النوم يريد معرفة السر الذي في قلب العازف والمعاناة لكي يستطيع مساعدته بما يستطيع.
في الصباح تناول إفطاره ثم ذهب إلى عمله ولم يعد إلا عندما حل الظلام. هذه المرة لم يتناول طعام العشاء مع أبنائه ولم يسهر معهم بل ذهب فوق سطح منزله ولأول مرة لم تكن لديه رغبة في القراءة بل لديه الرغبة الشديدة في معرفة السر وبينما هو غارق في تفكيره إذ بدأ العازف يعزف وبات الليل كله يستمتع ويتلذذ بالعزف على الأوتار فقد أخذت كل الأفكار وطارت كالأطيار وسبحت كالأسماك في البحار والأنهار وانتشرت في الكون كانتشار النار في الأشجار وطربت لها الورود والأزهار وبينما هو على هذه الحال إذ توقف العزف فجأة وبدون مقدمات انتظر الرجل أن يعاود العازف العزف مرة أخرى، انتظر وانتظر، ذهب نصف الليل وانتظر، ازداد الرجل شوقاً إلى العزف، بدأت ساعات الليل تتناقص، زاد قلقه على العازف، ظن أنه حصل له شيء مكروه.
لم يعد يحتمل الأمر نظر من فوق السور فلم يجد أحداً، عجباً أين ذهب ذلك العازف، نظر يميناً وشمالاً ولكن للأسف لم يرَ أحداً.
وتوقف العزف الجميل والألحان والآهات فبادر العازف ولم يستطع الرجل معرفة السر المكتوم ولا صاحب الوتر ولا أين ذهب.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|