الحداثة السعودية التي لم تبدأ بعد!!
|
* الثقافية - عبدالله السمطي:
هل حقاً عبرت الحداثة MODERNISM بمفاهيمها المتعددة بالمملكة العربية السعودية؟!
إن وجاهة السؤال تصب في البدء في قراءة التحولات الفكرية للأنتلجينسيا السعودية، التي يشار إليها كثيرا على أنها حداثية، أو تشربت - على الأرجح - مفاهيم الحداثة بصورها المتعددة في الأدب والفكر والفن، هذه النخب التي تشكل الأفق الحداثي في واقع الثقافة السعودية المعاصرة؟
إن البحث عن اليقين هنا، لن يتم بمعزل عن المقارنة الحقيقية بين الفعل الحداثي في أصوله الغربية، وفي صورته لدى البلدان العربية التي مثلت بشكل أو بآخر المركزية الثقافية للعالم العربي.
يشار دائما إلى فترة الثمانينيات من القرن العشرين على أنها فترة توهج الحداثة، وهي بمعنى من المعاني سمة للعصر، وليست بالضرورة مذهبا أدبيا، وساعد على هذا التوهج الخطاب الديني المعادي للحداثة، بما له من تأثير كبير على القارئ العام، وجاء التحذير من الحداثة عن طريقين:
- التأويل الشرعي لمفاهيم الحداثة.
- التكفير لأصحاب التيار الحداثي.
وقد انتشرت شرائط الكاسيت، والمقالات، وخطب الجمعة التي تحذر من الحداثة، وجرى رفع السقف الحداثي إلى أبعد مدى حتى تنطلي تماما عملية التكفير وتأخذ شرعيتها الدينية، بالآيات القرآنية وبالأحاديث النبوية، حتى سلم معظم الناس أن الحداثة قرينة الكفر والمروق من الدين، أو على الأقل الفسوق والعصيان.
هكذا صور الخطاب الديني بالمملكة العربية السعودية الحداثة، ونشرت قوائم المكفرين في أكثر من منبر إعلامي، ووقف الخطاب الديني حائلا أمام ظاهرة ثقافية تنويرية، لم يكن لها هذا الأثر كله، ولم تكن المسألة تستحق كل هذا التهييج والتجييش، لسبب جوهري هو أن المجتمع السعودي والثقافة السعودية لم تشهد هذه الحداثة المزعومة، أو لنقل بمعنى أوضح: إن الثقافة السعودية وهي في سبيل توهجها وصعودها، وفي منزع تحولاتها لم تتفاعل مع الحداثة إلا بشكل بسيط جدا، تمثل في بعض القصائد والدواوين الشعرية، وفي بعض الهواجس والأسئلة السردية، وفي استلهام بعض عناصر الخطاب النقدي في عدة مفاهيم بنيوية وأسلوبية لا أكثر ولا أقل.
إن المملكة العربية السعودية لم تشهد مثلا صور الحداثة وأشكالها التي تجلت مثلا في مصر وفي لبنان وفي العراق وفي سورية وفي بلاد المغرب العربي، وهي أقل ما توصف به أنها كانت حداثة (متوحشة) في إبداعها الشعري والفني والثقافي بوجه عام إذا ما قيست بصور الحداثة السعودية البسيطة المستأنسة التي لم تكن تمثل سوى بعض النشاط الكتابي المنشور هنا وهناك.
لقد جرى عن عمد تضخيم صورة الحداثة بالسعودية، حتى يوجد مبرر لعلو صوت الخطاب الديني، الذي كان يهاجم بضراوة، ويبعثر قدسية الفتوى من أجل بيت من الشعر، أو صورة شعرية غفل، أو فكرة صغيرة، أو مشهد سردي بسيط.. هكذا أصبح الشيخ عارفا بكل تطورات الفلسفة والأدب والنقد والمدارس الكلاسيكية والرومانتيكية والواقعية والسوريالية والجمالية، وبات ملما بآرسطو وأفلاطون ونيتشة وديكارت وهيجل وسارتر وديريدا وفوكو وبارت، وبدلاً من أن يوجه فتاواه واجتهاداته صوب الجهات التي ينبغي أن توجه إليها المسؤولة عن الرعية، أصبح يوجهها صوب خطاب إبداعي بريء، مازال يتشكل في بدايته لمواكبة العصر الإبداعي والثقافي.
من هنا فإن الحداثة السعودية لم تتجل بشكل كبير في الواقع السعودي، ولم تعبر به إلا من خلال اللمحات المشار إليها سابقا، فلم تعرف الثقافة السعودية لا السوريالية ولا الوجودية ولا الواقعية التي مرت بها البلدان العربية الأخرى خاصة في مصر ولبنان، ولم تجرب الصور الحداثية التي وجدناها لدى رواد شعر التفعيلة السياب وأدونيس وحاوي وصلاح عبدالصبور والبياتي، أو لدى روائيي الستينيات في مصر أو شعراء السبعينيات بالعراق ولبنان مثلا أو تعبر بالحركة النقدية المتوهجة في بلاد المغرب العربي في الثمانينيات، هذا ليس من قبيل المقارنة التي تنقص أو تقلل، بل من قبيل توصيف صورة الحداثة هناك، وهنا.
إن صورة الحداثة في هذه البلدان كادت تضارع صورتها العالمية من حيث جموح التجديد الإبداعي في الشعر والنثر، وكسر التابوهات، وكسر الذهنية الموروثة، واعتماد العقل صورة للتنوير والتغيير، والاحتفاء بما هو علمي في تدبر العالم، والقطيعة المعرفية مع الموروث، وإزاحة الوجه المقدس له، والاحتفاء بما هو روحي، وانبناء الكتابة وتحولاتها على تحولات المنجز العالمي القادم من أفق السوريالية والوجودية ثم الواقعية. كذلك الاقتراب الكبير من الأدب والفكر العالمي، وكان لحركة الترجمة الدور الكبير في معايشة وإيلاف النصوص الأجنبية الغربية واستلهامها في الإبداع العربي.
إن الأسماء التي يشار إليها دائما في الثقافة السعودية على أنها (أسماء) حداثية، لم تقترب من الحداثة إلا بمقدار بسيط جدا لا يسمن ولا يغني من جوع، وعلى ذلك فإن حداثة محمد الثبيتي، وعبدالله الصيخان، وعلي الدميني، وسعد الحميدين، وفوزية أبو خالد، ومحمد جبر الحربي، وأحمد عايل فقيه، ومحمد زايد الألمعي، على سبيل المثال هي حداثة كانت في أولياتها وما تزال، هي حداثة تغيير شكلي على الأغلب في النموذج الشعري، وليست هي الحداثة التي نجدها بمعناها الكبير لدى أدونيس أو السياب أو حاوي أو حتى نزار قباني إذا أخذنا الحداثة في تعددها المفاهيمي.
حتى في النقد الأدبي لم تتجل الحداثة النقدية إلا لدى بعض النقاد كعبدالله الغذامي مثلا، وإن كانت لا تجمح في صورتها الكبيرة التي نراها مثلا في نقد كمال أبو ديب وتجريباته النقدية.
إن الحداثة في رأيي لم تؤثر بشكل كبير في أفق الثقافة السعودية، وتجلت في نماذج أدبية محدودة، وجرى التضخيم الكبير لها على يد أصحاب الخطاب الديني.
لقد كانت حداثة غضة، استلهمت واقعها، ولم تستلهم الصورة الحداثية الغربية أو حتى العربية، وبالتالي فهي تم تحجيمها في المهد، ولم تتطور أو تتحول لتصبح واقعا حقيقيا اليوم، على الرغم من ظهور تيارات تجديدية في العقدين الماضيين في القصة والرواية وقصيدة النثر، لكن لكل لحظة إبداعها، وما قد يعد حداثياً اليوم قد لا يعد كذلك في لحظة أخرى.. وبالتالي تحتاج الثقافة السعودية إلى وقت مديد للاستعادة والتأسيس والتحول لمضارعة الواقع الإبداعي العالمي والعربي الراهن.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|