قصة قصيرة عبث لذيذ خالد محمد الخضري
|
أمامي ساحة كبيرة، أحب السير على الأقدام فقد قرأت العديد من التقارير التي تؤكده فوائده على الصحة العامة.. هذه الساحة والميدان الذي أوقفت سيارتي بها فارغة من كل شيء.. من المباني.. من البشر.. من كل شيء.. ووقت العصر أفضل الأوقات لممارسة هذه الرياضة. هذه الساحة التي تجاور إحدى مدارس الأولاد الثانوية، كان إلى جوارها مدرسة ثانوية للبنات، وقد تم نقلها حتى لا يكون هناك اختلاط بين الجنسين أثناء السير في الشارع، وحتى لا يتمكن أحد منهم - أو منهن إرسال رقم هاتفه للآخر حتى لو كان ذلك عبر (البلاتوث).. شاهدت أحد المراهقين ذات يوم خارجاً من المدرسة وهو يتبسم بعد أن تم نقل ثانوية البنات.
سرت على قدمي متجهاً في الطريق الطويل.. هادفاً أن أمارس هذه الرياضة كي تحقق لي رغبتي في إنقاص وزني.. كنت أشغل وقتي بالعبث في أزرار الجوال باحثاً عن الأرقام الهاتفية التي لم تعد تخصني، أو أنني لا أتصل بها مطلقاً كي أقوم بحذفها.. حتى يتمكن الجهاز من تنفس الصعداء ويصبح بإمكانه قبول حجم أكبر من الأرقام. أثناء سيري كانت السيارات تمر من أمامي محدثة ضجيجاً.. وعادماتها التي تلوث المكان تكتم أنفاسي.. فقد اضطررت إلى السير على الرصيف المجاور للشارع الرئيسي الذي يؤدي بك إلى خارج المدينة.. صادفت فجأة جسر السيارات الضخم الذي يربط الطريق بالمدينة.. أسفل الجسر عدة تقاطعات لمن يرغب العودة للمدينة أو من يرغب الذهاب في اتجاه الغرب، أو من يحب أن يواصل السير في اتجاه ذلك الطريق.. توقفت للحظات حتى استطيع قطع الشارع.. الإشارة الخضراء تسمح بمرور السيارات وعليَّ أن أنتظر.. قبل أن أهم بالسير كانت الإشارة قد اضاءت بالسماح بمرور المشاة.. واضطرت السيارات للتوقف.. سيارة من النوع الأمريكي توقفت أمام الإشارة.. يقودها سائق من الجنسية الهندية.. بها فتاتان تركبان في الخلف، لم التفت.. ذهبت في طريقي أسفل الجسر.. منهمكا في العبث بجوالي.. بعد ثوان وصلتني رسالة (بلاتوث) مضمونها:
(جاري استلام رسالة من جهاز.. هل تريد استقبالها - نعم أو لا- أجبت بنعم.. فتحت الرسالة.. ما هذا أنها صورة فتاة ملثمة.. عاود جوالي الرنين بنغمة الرسائل، يبدو أن هناك رسالة أخرى، ضغطت زر نعم، افتح الرسالة:
(أهلين.. رسالة من الملثمة) من هذه الملثمة.. أستمر في فتح الصفحة التالية (التي مرت بجوارك يا دلخ)
أوه.. إنها واحدة من الفتاتين اللتين كانتا في السيارة الأمريكي.. نعم، وهذا رقم الهاتف الخاص بها..
لا عليَّ سأسير في طريقي.. ولن ألتفت.. أخذت على نفسي عهداً منذ ذلك الموقف المشين في ذلك السوق ألا أقف أو أمر بأية فتاة.. فقد صرخت امرأة كانت تسير إلى جواري معلنة أنني قمت بمعاكستها ظلماً وبهتاناً وأنا لم ألتفت إليها، فتجمع الناس حولي.. لكني لذت بالفرار.. ولا أعرف كيف تخلصت من رجال الحسبة.
**
بدأت أسير في اتجاه الطريق المؤدي إلى خارج المدينة.. وأعبث بجوالي محاولاً رسم أشكال جديدة، سأجعل منها خلفية لشاشته.. ولعي بهذه الوسيلة أزجي الوقت.. رنَّ جرس الهاتف قاطعاً عبثي اللذيذ.. أنظر إلى الرقم.. رقم لا أعرفه يبدأ بـ 0501.. يبدو أنه من جوالات الشرائح المسبقة الدفع.
رددت.. صوت أنثوي:
- أهلين.. من معي..
- بل من أنت.. أنتِ المتصلة..
- ما عرفتني.
- لا.. لم أتشرف.
- أنا كنت مارة.. توني جنب واحد دلخ بسيارتي..
- ماذا.. آه.. عرفت.. ولكن من أين عثرت على رقمي؟
- بلوتوثك مفتوح يا دايخ..
- آسف، لم أكن أعرف.. فرصة سعيدة.. أي خدمة.
ردت بانفعال:
- يبدو أنك طازة.. ما تعرف شيء بالدنيا..
- لا أريد أن أعرف.. ومثلي لا يصلح لأن يعرف.
- لماذا.. هل لي أن أعرف..
- لا داعي لذلك كله.. فأنا في سن والدك.. تجاوزت الخمسين..
فوجئت بقولها:
- عز الطلب..
قفلت السماعة فوراً.. واتصلت بابني (وليد) كي أتعرف منه على طريقة إقفال البلاتوث نهائياً.. لكنه أفادني بأنه يمكن مؤقتاً.. أما بشكل دائم فلا يتحقق ذلك لأقوم بقفله حتى لو كان مؤقتاً.
الشارع أمامي.. طريق طويل يجب أن أسير فيه بكل همة.. نظرت إلى يميني.. ما هذا، أرض الفضاء التي كانت قد سورت يوم أمس بعد العاشرة ليلاً عندما كنت أسير في هذا الطريق تم هدم سورها.. وتم تدمير (الحنفيات) الخاصة بالماء.. وكل الأدوات المصاحبة لعمليات البناء.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|