| مبادرة حسن آل مهدي والجوائز الأدبية
|
لا أدري لماذا؟ يستوقفني موضوع الجوائز الأدبية والعلمية كلما عرض لي، فكلما قرأت عن جائزة اختلط لدي الإعجاب والفرح الطفولي بتساؤل معلق في الخاطر وهو (أما من طريقة أخرى ينتظم فيها هذا الكم من الجوائز لإنجاز أعمال أخرى بجانب المكافأة)، هناك جوائز كثيرة محلية، عربية، وإسلامية، لكنني هنا أقصد الجوائز المحلية والخليجية بالخصوص، ومصدر تساؤلي أن هذه الجوائز رغم الهدف النبيل الذي أنشئت من أجله، إلا أنها في نهاية المطاف تبقى مرتبطة ومحصورة في أثرها فقط على من حازها، وهذا في رأيي جميل، لكن هذا لا يكفي، فلو وجهت الجوائز في مسلك متفق عليه، يضم جميع الجوائز مثلاً في الخليج، بحيث ينتج عن ذلك مشاريع إبداعية علمية ذات كم تراكمي، وأقول علمية لافتقارنا في هذا المجال، ولا بأس أن توجه بعضها للمجال الأدبي والإنساني.
إن الملاحظ أن هناك نقصاً لمسيرة البحث والإبداع المنهجي في المجالين العلمي والأدبي في العالمين العربي والإسلامي، وكلما استوقفني ذلك تساءلت، لماذا؟ لا ترتبط هذه الجوائز ببرنامج موحَّد ينسق التوجه ويركِّز الأهداف، بحيث ينتج لنا عن ذلك أعمال تؤسس للمعرفة بجميع فروعها. إن التأسيس يعني العمل الموسوعي والقاموسي لسد الحاجة في المجالات العلمية أولاًً، ثم الفكرية والأدبية ثانياً، وقد اطلعت على بعض المجهودات في مجال بعث وتحقيق التراث، وهذا لا بأس به، لكن ما هو مطلوب بإلحاح هو كل ما هو مرتبط ومؤد إلى تقدمنا في حياتنا العلمية، لأن العالم يتخطانا في هذا المجال بخطوات واسعة، والأجيال القادمة تحتاج للتأسيس المعرفي، ولن ترحم المقصِّر.
والآن أعود لربط العنوان بما جاء في المقدمة، حيث قرأت ما كتب في (الجزيرة) ليوم الجمعة 20- 12-1426هـ حول استعداد أحد الإخوة بتكليف محام لمقاضاة جريدة تعرضت للرسول صلى الله عليه وسلم، وأرجو أن يكون ثرياً، وأقصد الثراء الفاحش، الإيجابي في فحش الكثرة والاستدامة، وقد قصدت أن أدعو له بالزيادة والبركة، لكن لا أريد أن ألفت عين الحسود.
إن الخبر يبدو صادماً بما يحدثه من وقع إيجابي في النفس، وهنا كذلك يختلط الإعجاب بالتعجب، والإعجاب جعلني أدعو له كما أسلفت، أما التعجب فيفسره التساؤل التالي: أما من طريقة أخرى لمدافعة ذلك، أو ألا يجب أن يدعم عمل المقاضاة بعمل آخر يترك أثراً مستديماً وإلى الأبد، ويخلد الذكر وينفع الأمة في مسيرتها لمستقبل أفضل.
إن ما استعد به رجل الأعمال السيد حسن بن محمد آل مهدي أمر جديد في مجتمعنا، وهو عمل خير لم نعتده، فقد كان العادة أن توجه أعمال الخير لبناء دور العبادة، أو كما أسلفت الجوائز، وأجد أن هذا عمل خرج عن المعتاد، وهو أمر طيب، لكنه سيكلّف الكثير، وهو مطلوب وكان يجب أن تقوم به الحكومات، فوجب الشكر والدعاء بالسداد، لكنني أتمنى على هذا العمل أن يقرن بعمل آخر يبقى أثره ويخلد صاحبه وينفع الأمة، وذلك مثل دعم البحث في مجال المنافحة عن الدين والأمة، والتبصير بجوهر العقيدة وما أنجزه معتنقوها.
إن مراكز البحث، والباحثين الأفراد، حتى دور النشر كلها تحتاج للدعم المادي، وأقولها مرة أخرى الدعم المادي، والبذل في هذا المجال مطلب ملح فليت المؤسرين لدينا يوجهون جزءاً من سخائهم لهذا المجال.
وبهذا الخصوص ألفت نظر السيد حسن بن محمد آل مهدي إلى أن هناك من أراد أن يعد كتاباً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجد مانحاً يتبنى ذلك، إنها السيدة سلمى الخضراء الجيوشي، ولقد قالت إن رسالتها الأساسية (مكرسة لمقاومة الجهل الفادح بنا في الخارج)، كما قالت: (لم تجد مانحاً واحداً يغطي كتاباً... حول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن شوّه الآخرون صورته في الغرب باطراد وحرية المطمئن إلى عدم وجود قوة مناوئه لأكاذيبهم)، فليت جزءاً من هذه الأموال تُمنح لتبني مثل هذا الكتاب، وثانياً أن يخصص جزء سنوي من قيمة الجوائز، يحتويه نظام يوجهه بشكل مستديم لدعم الأعمال الموسوعية التي تؤسس للمعرفة العلمية ليصبح مع الوقت لدينا مراجع علمية تستفيد منها الأجيال، ولا بأس من أن يكون العمل مترجماً، بل الأصلح أن نبدأ بالمترجم، إنها دعوة أرجو أن تواجه بالقبول، ورجاء أرجو أن يتسع له الصدر، حتى يأتي البذل عن نفس راضية، والله المستعان في كل الأمور (من أراد الاطلاع على مقابلة أجريت مع السيدة الجيوشي فليرجع لمجلة دبي الثقافية عدد (8) يناير 2006م.
م: عثمان محمد السيف
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
