أعر اف العقل الجميل!! محمد جبر الحربي
|
كثيرة هي العقول الجميلة في بلدي، ولكنني هنا مع عقل جميل من نوع خاص، إذ ترفده مشاعر جميلة ملونة بالشعر والحب المعرفي، وتدفعه قناعة عالية بضرورة الإشارة لكل ما هو متميز وجميل في محيطه، لا بنظرة قطرية ضيقة، ولكن لإحساس بواجب أخلاقي تجاه الجمال المحيط. أو لشعور بالغبطة كلما لامست العينان ينابيع كان يراد لها أن لا تظهر، ولكن تأبى الينابيع، ويأبى الواردون إلا بوصف الفرات، وتوصيف النهل والعلل.. ومنهم من يكون أكثر وفاء ومقدرة، فيستخدم أدواته وموهبته في تحليل الماء والتربة والهواء، في الكشف عن الأثر والمؤثر والتأثير، دون أن يفقد الغناء بهجته، دون أن يتكدر وجه الماء.
إنه انسجام مبدع بين المادة والرائي.
وهو سر آخر من أسرار الإبداع.
هكذا يمكن أن أقدم العقل الجميل الناقد، والإنسانة التي تعيش حالة شعرية إبداعية دائمة، هكذا يمكنني أن أقدم الدكتورة فاطمة الوهيبي التي استطاعت في عقد من الزمن تقريباً، أن تقدم ما لم يستطع غيرها من النقاد تقديمه عبر عقود، كما استطاعت بجهدها ومتابعتها اللصيقة للساحة الثقافية، وللحراك الاجتماعي، أن تتدرج في سلم الإبداع، وأن تنطلق بثبات نحو أهدافها.
المتابع للوهيبي يجد أنها باحثة وضعت كرسيها الخشبي وأدواتها أمام بحر الإبداع، وفي كل مرة يكون صيدها، أو بشكل أدق، تكون رحلتها الكشفية مغايرة عن قصد. فهي في كل مرة تبحث عن قيمة معينة في الإبداع، في إنجازاته أو في مثبطاته.
كان أول كتاب لها هو (كتاب مسرحة التراث في الأدب المسرحي السعودي) ويعتبر أول كتاب لدراسة بدايات المسرح هنا، وكذلك أول كتاب يخصص موضوعه لمسرحة التراث، بل ربما استطعنا القول إنه من الكتب الأولى التي تصدر عن المسرح السعودي.
صدر الكتاب عام 1415 عن مطابع الصفحات الذهبية.
ثم أخذت فاطمة من الوقت ما يكفي لتصدر كتاب (نظرية المعنى عند حازم القرطاجني) عن المركز الثقافي العربي في بيروت عام 2002م، ويستفيد منه عدد كبير من طلبة الدراسات العليا في أقسام اللغة العربية في تخصص النقد.
كتاب الوهيبي الثالث كان (نقد النثر في القرنين الرابع والخامس الهجريين) وقد صدر عن دار العلوم عام 1411 ورشح لجائزة الملك فيصل العالمية عام 1425م.
ثم ها هي تتنقل في براري معرفتها الفسيحة من المسرح إلى النقد إلى النثر حتى وصلت إلى ما أعتقد أنه الأقرب لروحها وهو الشعر.
شخصياً أحس أن عالم فاطمة الوهيبي مكتنز بالشعر والقوافي، هي بالتأكيد ناقدة متميزة، لكنها ناقدة مختلفة في الهم، والرؤية والطرح.. ناقدة قريبة من روح الشعر وتجلياته.. كما أشعر أنها لا تهتم باسمها وتلميعه، مع أننا كلنا نهتم بأسمائنا، ولكن ليس كما هو هدف أساسي لدى بعض النقاد من نقاد الموضات، والوجبات السريعة.
في عام 1426 فازت بجائزة النادي الأدبي في الرياض عن كتابها (دراسات في الشعر السعودي) الصادر عن نفس النادي.
كما أصدرت في نفس العام عن المركز الثقافي العربي- بيروت - الدار البيضاء كتابها الأحدث والمهم (المكان والجسد والقصيدة: المواجهة وتجليات الذات).
وهو يعتمد على محاضرة أعدتها لمهرجان الجنادرية بعنوان (تيمة المكان والجسد: قراءة في خطاب العنف والاغتراب في نماذج شعرية لشاعرات سعوديات) استندت فيها على مدخل نظري أظهرت فيه تعالق الثلاثي: اللغة والجسد والعالم، وأنثوية المكان، وأنثوية الشعر، ثم طورت هذا البحث وألحقت به ببلوجرافيا وجداول مهمة للباحث والقارئ المتابع.
لقد اقتربت فاطمة الوهيبي أكثر من الشعر، بل أبحرت إبحاراً هادئاً في مكوناته، ومناخاته، واضعة المرأة، وهي المرأة المعايشة لنفس التجارب تقريبا، نصب عينيها بظروفها الاستثنائية هنا.
ونحن هنا، وفي هذا الفضاء الصغير الكبير، نطل على هذا العقل الجميل، الذي لا يحاول الارتقاء بقدراته فقط، بل بالمحيط الذي يعيشه، برؤية جديدة، وروح يحفزها الشعر، ويمطر بها الفن على مرتفعات تبدو فيها السماء أكثر زرقة وإشراقاً. وسنتابع في الحلقات القادمة رحلتنا مع العقل والنقد والشعر.
mjharbi@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|