الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th July,2004 العدد : 68

الأثنين 2 ,جمادى الثانية 1425

الثلاثي: مادونا ولوبيز وشاكيرا المثال المحتذى
الفيديو كليب.. ونموذج الصورة الفضائية النسوية.. وثقافة (الفرفشة)

لا تثريب على الفضائيات العربية أن تهتم بالجانب الترفيهي، ودغدغة المشاهد العربي في وقت الهزيمة، ف(الفرفشة) سياسة مهمة في عصر النكبات، خاصة إذا ما حدثت ضمن غطاء رسمي في القنوات التلفزيونية العربية، وبشرعية إعلامية ترى أن الشعب العربي عليه أن يترفه أكثر وأكثر بعد ويلات خمسين عاماً من الحروب، وقبلها وبعدها ويلات الاستعمار بكل الجنسيات الغربية حتى الأمريكية، وللتعفية على مشاهد الحروب والمجازر وصنوف التعذيب من غزة والضفة الغربية إلى بغداد والفلوجة وسجن أبي غريب، فهي مشاهد تقزز الحواس العربية الطاهرة العفيفة!! من هنا فإن القنوات الفضائية تلعب دوراً بارزاً جداً في إزالة آثار الأحزان، وتنمية الروح المعنوية للناس، خاصة حين تتحول إلى جثث أو أشباح متحركة بفعل النكبات الواقعة عليها.. ولا ضير في رجرجة الأجسام العربية في كل الجهات، فما لجرح بميت إيلام كما قال شاعر العربية أبو الطيب المتنبي قبل ألف عام، أو قول القائل: والطير يرقص مذبوحاً من الألم.
استعارة النموذج الغنائي
قبل وقت ليس بالبعيد كانت الأغنية تؤدى عبر المطرب أو المطربة في ثقة ورزانة أمام الميكرفون أو على خشبة المسرح، وبعد انتشار ما يسمى بالفيديو كليب تحول المطرب إلى ممثل، والمطربة كذلك إلى ممثلة، ثم لم يلبث أن تحولا معاً إلى راقص وراقصة، ثم تم التخلي عن إيقاعات الموسيقى الشرقية إلى الإيقاعات الغربية، ثم أصبحت الأغنية الشعرية تنحدر تدريجياً إلى مجرد كلام عابر بتعبير محمود درويش ثم أخيراً تم التضحية بالصوت من أجل الرقص والإيقاعات التي تحرك الجسد، ثم أصبح التطور الأخير هو التضحية بالملابس قطعة قطعة، خاصة لدى النساء المطربات والمغنيات اللواتي يذكرن بعصرهن الذهبي في العصر العباسي ثم عصر الحريم العثماني. فأصبح الغناء بقمصان النوم وبالتوزيع العاري الجغرافي العادل بين أعضاء الجسم المختلفة، وأصبح نموذج الثلاث: مادونا، جينيفر لوبيز، شاكيرا هو النموذج المحتذى لدى نسائنا المغنيات، فظهرت أسماء متوالية منهن على امتداد الأبجدية، بيد أن النموذج الأبرز يتمثل في: إليسا، وهيفاء وهبي، ونانسي عجرم، وروبي، ونجلا، ونجوى سلطان.. إلخ. ولم يعد الغناء حكراً على المطربات الجيدات، بل أصبح المجال مفتوحاً للجميع، فانضم إلى القافلة مغنون ومغنيات درجة ثالثة ورابعة وعاشرة، وراقصات، ووصيفات، وجوارٍ، وهاربات، وعاطلون وعاطلات عن العمل.
وقد أتاح انتشار القنوات الخاصة والعامة والحاجة الماسة لملء ساعات الإرسال الفضائي إلى تعبئة برامج هذه القنوات بأي شيء، وبأكبر كم من الأغاني الهابطة التي يتراوح عمرها بين يومين إلى خمسة أيام.. إنها أغاني (فرفشة) لا أكثر ولا أقل.. ثم تحولت الأغاني إلى مشروع استثماري مربح، فمن اليسير أن يتبنى اليوم أي رجل أعمال أو أعطال مجموعة من الفتيات يلف ويدور بهن شرقاً وغرباً ويصنع منهن بين ليلة وضحاها مغنيات يملأن المحطات الفضائية وليطلق عليهن: (فور كات) أو (فور دوج) أو حتى (فور دونكي). لا ضير لا ضير فالساحة مفتوحة تماماً في إطار سياسة (الفرفشة) العريضة.
تأثير الصورة
إن الأمر المثير في هذه الظاهرة هو أنها أصبحت النموذج الصارخ الذي تقدمه الفضائيات كمثال يقدم للأسرة العربية، فالمغنية الاستعراضية ستدر أرباحاً طائلة على أسرتها، و(لبننة) الملبس لا ضرر منها ما دامت الغاية شريفة!! والطموح نقياً، ولا مندوحة في الأمر كله؛ إذ إن وطأة الحياة الاقتصادية تبرر الاتجاه إلى هذا العمل الذي تقره شريعة الفضائيات.. ثم إن البحث عن وظيفة حكومية أو خاصة غير مجدٍ، والتوظيف بالشهادة الجامعية أو غيرها أمر عبثي الآن.. فكم هو الراتب الذي ستدره الوظيفة مقابل الألوف والملايين والسيارات ال BMW المهداة، وحفلات شرم الشيخ وبيروت ودبي؟ فرجال الخير كثيرون وينفقون أكثر وأكثر على فئة المغنيات اللواتي كن في العصور الغابرة يسمين: (الجواري) أو (القيان)؛ إسهاماً منهم في نشر ثقافة (الفرفشة)!!
إنها الصورة التي وضع العرب أنفسهم في مأزقها، إنه التقليد الذي يقتبس ما هو استهلاكي، وينفر مما هو علمي وبحثي.
الغرب حين يرقص ويغني ويمثل لا ينسى هويته الحضارية، إنه يتطور في كل المجالات.. أما نحن فنأخذ (سفسف الأشياء) الهابط والرخيص والمتدني.. إننا نقوم فقط ب(التهليب) وإعلاء أنماط (الفهلوة) و(الاسترزاق) من الهواء الطلق.. هكذا هي الصورة التي تنتج نمطاً ثقافياً رديئاً، يساعد على التخلف والإصابة بالشلل الفكري، وهو ما نعاني منه اليوم بشكل كبير وخطير للغاية على مستقبل الأجيال الجديدة التي ستحولنا إلى أكبر أمة منتجة للمغنيين والمغنيات في العالم، وإلى عودة عصور الرقيق الأبيض مرة أخرى حتى لو كان على صورة محطات فضائية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved