..وانفصل الأستاذ عن ظله
|
لقد تعرفت على الموسوعي أبي إبراهيم قبل عدة سنوات ولكن ماذا عرفت؟
عرفت عدة أساتذة في أستاذ واحد وأنا لا أبالغ في كلامي هذا واسألوا من تشرف بمعرفة ومقابلة الأستاذ عبد الرحمن البطحي ولو فتحت قلب هذا الرجل لوجدت موسوعة نعم موسوعة في علم التاريخ والأنساب واللغة والأدب والعلوم والفلك والشعر العامي والفصيح.
وكنت أعاود الزيارة له بين حين وآخر في (مطلة) وهو اسم لمزرعته التي تقع في غربي مدينة عنيزة وعمر هذه المزرعة حوالي 28 سنة وقبلها كان مجلسه في المسهرية التي لها من العمر أيضاً 21 سنة أما عما رأيت في (مطلة) فهو اسم على مسمى حيث تقع على مرتفع رملي يطل على ما حوله وفيها مجلسان مجلس صيفي ومجلس شتوي وبينهما مسجد.
ومجلسه دائماً عامر بالضيوف حيث يرتاده المثقفون والباحثون من جميع الأقطار وإذا جلس الضيف في مجلس أبي إبراهيم فإنه ينصت إنصاتا لا إرادي احتراما لهذه الشخصية وحرصاً على أن لا يفوته شيء من حديثه لأن حديثه لا يمل مهما طال سرده وغالباً إذا طرح موضوع للنقاش أصبح هذا الموضوع هو الموضوع الرئيسي للحوار وفي أثناء حديثه يتطرق لمواقع ولشخصيات وإلى ما شابه ذلك وينشئ منها موضوعا آخر في بطن الموضوع الرئيسي ويصبح الضيف المستمع الذي لا يعرف أبا إبراهيم في حيرة في نفسه ويقول: هل ترك الموضوع الأول ولكنه لا يلبث ثم يعود إلى موضوعه الرئيسي بعد توضيح جميع الجوانب للموضوع العارض.
وتميز يرحمه الله بإطالة الإجابة حتى يتضح للسائل والمستمع جميع الغموض ويخرج منه الباحث بوافر المعلومات وخصوصاً إذا كان الضيوف أقل عددا من كل ليلة لأن ضيوفه كل ليلة يتراوح عددهم من الثمانية إلى الخمسة عشر وأحياناً يصلون إلى العشرين ويبدأ المجلس من بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء أو بعيدها ومجلسه يكون طوال السنة ما عدا أيام محدودة يذهب فيها لبعض المناطق إما لزيارة أو لموعد مستشفى.
وهذه الأيام يعرفها الزائر قبل أن يصل إلى مطلة بكيلوات حيث هناك فوانيس مرتفعة يراها الزائر من بعيد إذا كانت مضيئة فإن الأستاذ أبا ابراهيم موجود وإذا كانت مطفأة فإنه غير موجود وجميع من يعرفه معتاد على ذلك.
ومن صفاته يرحمه الله أنه كان يمتاز بخلق رفيع وكريم ومتواضع لا يفرق بين تلميذ وبين أستاذ ولا تتغير حالته النفسية مهما تغيرت عليه الظروف.
وفي السنتين الأخيرتين دخل المستشفى مرتين وكل مرة يمكث أشهر ونزوره ولو أن زياراتنا له قليلة مقابل ما قدم لنا من علم وفي كل زيارة نراه هو كما هو أبو إبراهيم الذي نعرفه بطريقته وأسلوب حديثه مع العلم أنه في حالة صحية يرثى لها ولكن إيمانه بالله قوي ومثابر وهو على السرير الأبيض ولا يستسلم للمرضى مهما أثقل عليه.
وأتمنى أن يكون أستاذنا عبد الرحمن البطحي قد دون في مكتبته الخاصة شيئا من علمه فهو يرحمه الله يتحفظ ولا يخبر بما ينوي ولا يحب تسليط الأضواء عليه فقد رفض أكثر من مقابلة تطلب منه لوسائل الإعلام ولم يسبق له أي حديث صحفي سوى مقابلة واحدة هي الأولى والأخيرة والذي كانت من نصيب الأستاذ محمد السيف في جريدة الاقتصادية.
أما عن الصورة فهو لا يحب التصوير حيث يقول هذه العبارة دائماً: (الصورة ظل وأنا لا أحب أن أنفصل عن ظلي).
ولقد تعلمت من أستاذي حكما لن أنساها مثل: (الكل يتعلم من الكل).
مساعد بن فهد السعدوني
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|