نحو نقد المثاقفة العقل السعودي في الميزان* سهام القحطاني *
|
4
الشيخ محمد بن عبدالوهاب.. ثورة التغيير والمشروع الإحيائي
تُعتبر مبادئ الثورة الفكرية للدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله هي مؤسس بنية العقل السعودي، التي تجمع بين جديّة الإنتاج وقوة السلطة وروحانية ابن تيمية. وقبل الدخول في تفاصيل هذه الشخصية، عليّ أن أبيّن ما الذي أقصده (بالعقل)؟.
على العموم لن أدخل ها هنا في تشريح للمفهوم، بل سأرجئ هذا الأمر إلى حينه، لكني أوجز القول، بأن المقصود بالعقل، هو: كيف نفكر (المنهج) كيف نتعامل مع الأشياء (الوعي) كيف نقوّم المواقف (النظام)؟.. بمعنى أن العقل هو (منهج ووعي ونظام)، يعبر عن تقنيات المعرفة والتجربة في صادرها وواردها، وإن كان التعبير في ذاته ليس الفعل الإجرائي التام لعملية التفكير.
وُلد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في سنة 1115هـ 1703م في بلدة العيينة شمال الرياض، لأسرة لها باع كبير في العلم والدين؛ فقد كان أبوه عالما فقيها، هو عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف، الذي ينتهي نسبه إلى نزار بن معد بن عدنان، كما كان جده سليمان قاضيا في العيينة، فنشأ الشيخ رحمه الله على العلم والفقه الذي أخذه عن والده، بعد أن حفظ القرآن الكريم دون العاشرة، فقد كان حاد الفهم، وقّاد الذهن وسريع الحفظ، اطلع على علوم الدين: التفسير والحديث والتوحيد وكلام العلماء، متأثرا بشخصية ابن تيمية ومذهب أحمد بن حنبل، وفي صباه حج إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة، ومنها إلى المدينة المنورة، وبعد إقامته بها فترة ونهل العلم فيها من بعض علمائها قصد البصرة التي لاقى فيها بعض الأذى، فاتجه إلى الزبير، ومنها إلى الأحساء ثم حريملاء التي كان والده قد انتقل إليها سنة 1139هـ، فقرأ محمد على أبيه بعض العلوم مع إنكاره لما يأتيه الجهلاء من البدع والخرافات التي توصلهم إلى الشرك (23).
لا شك أن هناك آلافا من البشر ولدوا مع محمد بن عبدالوهاب فشاركوه في تاريخ الميلاد، كما شاركوه في ذات البيئة وفي ذات الظروف وفي ذات المشاهدة، وقد تكون المشاركة قد امتدت إلى ذات الإحساس أن هناك خطأ، وأن الموجود ينبغي ألا يكون هو الموجود، مع أن جرس التنبيه في العادة ليس حقا مكتسبا!.. ورغم الآلاف من البشر الموزعين على خارطة التجربة ذات الظرف الواحد، كان واحد فقط من بين تلك الآلاف يعمل على تأسيس ثورة للإطاحة بالمألوف وتغييره وإعادة صياغة وعي الفرد من حيث رؤيته للأشياء وأساليب تقويمها، وهذا يدفعنا نحو سؤال المُشكِل المكرر: من يؤسس لثورة التغير والتغيير، حافز الظرف أم وعي الفرد؟.. اعلم أن الإجابة مسألة شائكة، ومحور قُتل بحثا على طاولة فلسفة التاريخ، فهناك من وقف بجانب وعي الفرد المتمثل في (أفكار عاشت في عقول عظماء) كما يقول توماس كارليل، مقابل تهميش الظرف، وهناك من وقف بجانب الظرف مقابل تهميش وعي الفرد، ف(ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، بل وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم) كما يقول ماركس.
لكن وجود (الظرف) ليس بكاف لتفعيل ثورة التغيير، وهذا لا يعني تهميش الظرف أو التقليل من أهميته، على العكس فهو أقصد الظرف يملك معطى الحافز والتحريض، لكنه يصبح بمفرده دون وعي الفرد به، أو بكيفية استثماره، معطى مٌعطّل بكف واحدة لا تستطيع أن تدفع أو تحمل أو حتى تُصفق.
أما الدكتور تركي الحمد في كتابه (ويبقى التاريخ مفتوحا) فهو يقف من وجهتي النظر تلك موقفا وسطا، كما يقول (أما نحن.. فنقف موقفا وسطا نعتقد أنه الأسلم والأصح، فالفرد عموما والبطل خصوصا وهو الفرد المتميز على أية حال، له دور في التاريخ وأثر عليه لا محالة، ولكن ضمن شروط معينة وليس على إطلاق المسألة) (24). أما وجهة نظره المختلفة فتقوم على (... التقاء الفرد بالظرف.. وفي ذلك فإننا نختلف عن كل من كارليل فرد ولا ظرف بالضرورة، وماركس ظرف ولا فرد بالضرورة..) (25). ونتيجة هذه الوسطية في شائكيّة الظرف والوعي التي يتوصل إليها الدكتور التركي هي (فرد متميّز وظرف مساعد في الأعم الأغلب) (26).
ويطبق الدكتور تركي الحمد وجهة نظره الوسطية تلك على سيرة مؤسس التوحيد الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله فيقول (يا ترى، لو لم يظهر ابن سعود عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، في (الجزيرة) العربية، فهل كان من الممكن أن تنشأ الوحدة السعودية المعاصرة مثلا؟.. نعم كانت (الجزيرة) العربية تصرخ طالبة الأمن والاستقرار ووحدة كياناتها (حتمية الظروف) خاصة حين حين نعلم أن ظروف الاجتماع والاقتصاد كانت تتطلب ذلك، ولكن هل خلقت الظروف عبدالعزيز، أم خلق عبدالعزيز الظروف؟ لم يكن عبدالعزيز الزعيم الوحيد في (الجزيرة)، ولكنه في النهاية بز الجميع، وصنع ما لم يصنعون، فلماذا كان ذلك؟ أهو عبدالعزيز أم هي الظروف؟ الجواب هو أن عبدالعزيز كان الرجل المناسب في الظرف المناسب، وهنا يكمن حل الإشكال، فلم يكن غير عبدالعزيز قادرا على أن يقرأ الظرف ويستفيد منه في حركته وبناء مشروعه السياسي، وهنا تكمن البطولة، ولم يكن بإمكان عبدالعزيز، برغم عبقريته وميزاته الشخصية، أن يفعل شيئا لو كان الظرف غير الظرف، فالبطولة في النهاية هي تلاقي الخصائص الشخصية الفذة وتلاحقها، مع الظرف المناسب) (27).
إني أكرر أسئلة الدكتور الحمد لكني أٌبدل نموذج الشاهد، ليصبح كالآتي (يا ترى، لو لم يظهر محمد بن عبدالوهاب، في (الجزيرة) العربية، فهل كان من الممكن أن تنشأ الثورة الإحيائية مثلا؟.. نعم كانت (الجزيرة) العربية تصرخ طالبة الأمن والاستقرار ووحدة كياناتها (حتمية الظروف) خاصة حين نعلم أن ظروف الاجتماع والدينية كانت تتطلب ذلك، ولكن هل خلقت الظروف محمد بن عبدالوهاب، نشأته في بيت علم ودين، رحلاته، تأثره بابن تيمية، حفظه للقرآن واطلاعه على فقه التجربة الإنسانية من خلال القرآن الكريم، الذي مكنه من قراءة سيكولوجية للنفس الإنسانية، وتأثره بفلسفة العنف في الإصلاح عند ابن تيمية، وبمنهج المعارضة للسلطة عند أحمد بن حنبل، ثم بيئته التي كان يسودها الجهل والخرافات والضلالات والسحر والشعوذة والشرك، أم خلق محمد بن عبدالوهاب الظروف؟.. لم يكن محمد بن عبدالوهاب عالم الدين الوحيد في (الجزيرة)، ولكنه في النهاية بز الجميع، وصنع ما لم يصنعون، فلماذا كان ذلك؟ أهو محمد بن عبدالوهاب أم هي الظروف؟.
الجواب هو أن محمد بن عبدالوهاب كان الرجل المناسب في الظرف المناسب، وهنا يكمن حل الإشكال، فلم يكن غير محمد بن عبدالوهاب قادرا على أن يقرأ الظرف ويستفيد منه في حركته وبناء مشروعه الإحيائي، وهنا تكمن البطولة، ولم يكن بإمكان محمد بن عبدالوهاب، برغم عبقريته وميزاته الشخصية، أن يفعل شيئا لو كان الظرف غير الظرف، فالبطولة في النهاية هي تلاقي الخصائص الشخصية الفذة وتلاحقها، مع الظرف المناسب). على العموم ستكون هناك مقارنة بين الحركة الإحيائية للتغيير عند الشيخ والحركة الإحيائية للتغيير عند الملك عبدالعزيز آل سعود ووجوه الشبه والاختلاف بين الحركتين في الفصل الثاني من هذه الدراسة.
إذن أقرب بين إطارات الصورة الواحدة لزيادة الإيضاح، فأقول: من أجل تفعيل حركة التغيير في أي مجتمع، يحتاج الأمر إلى وجود الظرف الحافز والمحرض، ووجود الوعي الفرد، لكن المسألة لا تنتهي بهذا الإقرار السطحي؛ لأن ليس كل ظرف هو حافز على إثارة موقف، وليس كل وعي هو فاعل مستثمِر منتج لموقف، إذن مسألة الاحتياج والإشباع، كأهم مُثيرات لتفعيل ثورة التغيير، لها شروطها الخاصة، فالاستعمار مثلا ظرف يوجب ثورة التغيير، طغيان واستبداد الحاكم هو أيضا ظرف يوجب ثورة التغيير، (الغواية) ظرف يوجب ثورة التغيير ويعرفها عبدالله العروي (الغاوي وتطلق الصفة على الفاعل والمنفعل معا هو من يخضع رغما عنه إلى قوة تمنعه من إدراك الحق، وهو عرض له عارض جعله غير متمكن من نفسه ونزع عنه صفة الإنسانية الكاملة فلم يعد قادرا على مراجعة نفسه، يرفض الحقيقة البديهية التي هي في متناول البشر لأنه يشارك في مؤامرة ضد الحق، يدعو الناس وهو مسلوب الإرادة إلى الغواية، يفسد العقول السليمة باللجوء إلى تحريف الكلام عن مواضعه، فيعطل قوة التمييز عند الناس، وهكذا يتوارث البشر المرض النفسي والعقلي الذي يعمي عن الحق) (28). إذن الغواية كانت هي الظرف الذي حرّض وعي الشيخ لتأسيس حركة التغيير، لكن على الوعي حتى يستطيع استثمار حماس الظرف من منهج يناسب الشاهد الراهن، ويقبله ويتفاعل معه، فكان منهج الإحياء دلالة التشابه، واستنساخ النموذج الإصلاحي لابن تيمية لتطبيقه على الشاهد الراهن، هو المشروع الذي تبناه الشيخ ليقود حركة التغيير ووعي التغيير.
قد يقول القارئ إن حديثي عن مُشكل الظرف والوعي ودورهما في بطولة الفرد، وأنا بصدد الحديث عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أنني أسحب شخصية الشيخ إلى دائرة الفكر والفعل البطوليين، باعتبار الشيخ بطلا محليّا.. الحقيقية لا يسعني أن أقرّ بذلك لأن الإقرار به هو قراءة ناقصة لهذه الشخصية، لكني أستطيع الإقرار بأنها شخصية غير عادية بالمعنى الإيجابي، مع الاعتبار أن الإيجابية مثلها مثل أي معيار تخضع للنسبية، وهذا الإقرار يوسع جوانب قراءة هذه الشخصية، لتضم عالم الدين المجدد، كما وصفه الشيخ محمد رشيد رضا (كان الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى مجدداً للإسلام في بلاد نجد، بإرجاع أهله عن الشرك والبدع التي فشت فيهم إلى التوحيد والسنة)، والمصلح الاجتماعي والبطل التاريخي، الذي يؤمن بدور القوة؛ لأن القوة السلطة هي ضمان حماية المشروع النهضوي، وفرضه على الآخر الذي يسميه أبو حامد الغزالي ب(المقلّد)، وهذا ما جعل الشيخ يلجأ إلى الدولة السعودية الأولى، بعد محاولته الفاشلة مع أمير العيينة عثمان بن حمد بن معمر، مستغلا سلطتها لضمان نشر حركة التغيير، فالتغيير لا يفعّل إلا بالسلطة، ولا يتم إلا بالسلطة، ولكل أيديولوجية منطقها؛ ولذا تظل القوة جوهر التغيير هي أيضا معيار نسبي تتعدد معانيها وفق دلالة السياق، فهي الشجاعة في الثأر، وهي الجهاد في المقاومة، وهي الإرهاب في السلم، وهي أخيرا الخير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. تلك الجدولة، بلا شك ليست خلاصة نهائية للتصنيف؛ لأن الدلالة كما تظل قابلة للتجديد، هي أيضا محصول للتجارب المتشابهة، هذا ما كان يدركه الشيخ ويسعى إليه، من خلال منطق دلالة التشابه و(إحياء) المشروع الإصلاحي لابن تيمية، وإعادة نسخه وتطبيقه، بل والامتزاج معه حتى في أدق التفاصيل وأكثرها شفافية وخصوصية وهو اللقب (شيخ الإسلام) الذي انتقل من ميراث فكر ابن تيمية إلى المشروع الإحيائي للشيخ، وهو دليل على دقة تطابق المشروع الإصلاحي للشيخ مع مشروع ابن تيمية، وفي هذا يقول الشيخ ابن العثيمين: (وأما التسمي ب(شيخ الإسلام) مثل أن يقال: شيخ الإسلام ابن تيمية أو شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، أي إنه الشيخ المطلق الذي يرجع إليه في الإسلام، فهذا لا يمكن أن يصح؛ إذ إن أبا بكر رضي الله عنه أحق بهذا الوصف، لأنه أفضل الخلق بعد النبيين، ولكن إذا قصد بهذا الوصف أنه جدد في الإسلام وحصل له أثر طيب في الدفاع فلا بأس بإطلاقه) (29).
وقول الشيخ ابن العثيمين يطرح أمامنا قضية ومسألة، أما القضية فهي (ماهيّة العصمة، ولمن؟) ولي وقفة لاحقة معها، وأما المسألة فهي تأكيد مصدر الخبرة ابن تيمية، التي اعتمد عليها الشيخ في حركته ومشروعه الإصلاحي، لكن يظل هناك فرق بين أصالة التجربة وتقليد التجربة، فكلما استوعبت التجربة المكررة على واقع المشهد الراهن ضرورة مراعاة فوارق التوقيت، اقتربت من الأصالة، وهذا هو مفهوم التحديث، والعكس يوقعها في مأزق دلالة التشابه!. والحقيقة أن منهج الإحياء الذي نهجه الشيخ عبر نموذج إحياء العقل النهضوي لابن تيمية، كان منهجا سائدا في القرن الثامن عشر الميلادي سواء في الشرق أو الغرب، في الفكر أو الأدب، وهو ما أعاد الغرب إلى التراث الإغريقي، فأسسوا عصر الأنوار، وأعاد رجال الدين العرب إلى التراث الديني فظهرت الحركات الإسلامية، كما أعادت شعراء العرب إلى الشعر الجاهلي والعباسي فظهرت مدرسة الإحياء بريادة البارودي، ففي الماضي ما يعين المرء على فَهْم حاضره والتنبؤ بمستقبله، فلا (يمكن اعتبار الحاضر كزمان آني مختلف عن الماضي كزمان يمكن استحضاره ذهنيا، وعن المستقبل كزمان يمكن التنبؤ به، بل هو سيلان لا نهائي وتدفق دائم للحظات التجارب المعاشة المنخرطة في نظام الزمانية، يجعل الوعي يتصل اتصالا مباشرا بموضوعه هنا والآن ويدرك ذاته كوعي خالص) (30).
وهذا يجعلنا نقرّ بصحة منهج حركة الشيخ الإحيائي دلالة التشابه، لكن ما يجب أن يوضع في الاعتبار أن الخطأ في التطبيق، لا يعني خطأ المنهج وعدم جدوايته، فالمنهج ليس حاملة بيانات بل مجموعة من العلاقات التي تشكل في كلانيتها خطابا يتجاوز عتبة الطوباوية.
ولا شك أن انتصار حركة الشيخ بفضل مناصرة الدولة السعودية الأولى لها، حولتها إلى معادل مكافئ لسلطة الدولة السعودية بعد ذلك، وهو الذي جعل حاكم العيينة يندم على طرد الشيخ ويعتذر له ويطلب منه العودة (إلا أن الأمير محمد بن سعود رفض ذلك متمسكا بما بينه وبين الشيخ من مبايعة ووعد بالنصرة، فلم يفرط فيه) (31).
لقد أصبحت حركة الشيخ في شبه (الجزيرة) قوة أيديولوجية بعد اتحادها مع الدولة السعودية، وهذا ما جعل الدولة العثمانية تنظر إلى حركة الشيخ بصورة جدية وتضمها ضمن أجندتها السياسية، وتراقب تطوراتها، وتحاول أن تشوه مبادئها وتدس في مقاصدها، فزعمت أنها مذهب جديد خامس يخالف الحنبلية السنية والعقيدة السلفية، ويقول خير الدين الزركلي في هذا (الوهابية وهم، أو اسم اخترعته الدعاية المفترية في عهدي السلطانين سليم الثالث ومحمود الثاني.. فعمد الترك إلى سلاحين في وقت واحد: أحدهما سوق الجنود من قواهم المعسكرة في مصر والعراق والشام والحجاز وغيرها، والثاني سياسة الافتئات والتنفير.. كيف يشوهون حركة الإصلاح الإسلامي التي قام بها ابن عبدالوهاب وناصرها آل سعود، وقبلتها جزيرة العرب؟ فليقولوا إن عبدالوهاب مبتدع ليحاربوا بسلاحه، وليزعموا أنه صاحب مذهب خامس، ويسموا أتباعه بالوهابية..) (32). ويرد الشيخ على هذا الزعم (إني متبع ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين لله به التوحيد، ومذهب أهل السنة والجماعة) (33). وفي برقية رفعها الملك عبدالعزيز للنحاس بشأن ما نشرته جريدتا الجهاد والمصري طعنا في الوهابية، عام 1356هـ.. (ولذلك نرجو من حكمة النحاس باشا يوعز للصحيفتين لتنشرا بيانا يصحح ما ذكر عن الوهابية التي ليس لها مذهب غير مذهب السلف الصالح، من أهل السنة والجماعة) (34). لكن ما حدث أن قوة حركة الشيخ ظلت تمتدّ حتى أصبحت تحكم الدولة السعودية الأولى من الباطن كما حدث في عهد الإمام سعود الكبير. ولد الأمير عبدالعزيز بن سعود، فهيمنت سلطة الحركة حينها على مقاليد السلطة في الدولة السعودية الأولى، وبدأت تنفذ مبادئ حركتها الإصلاحية باليد والسلاح، متبعة منهج ابن تيمية الذي طالما كرره الشيخ واستشهد به في مؤلفاته، وسنقف على تحليله لاحقا (وقال شيخ الإسلام لما سئل عن قتال التتار، فقال: كل طائفة ممتنعة عن التزام شرائع الإسلام الظاهرة من هؤلاء القوم أو غيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة، وعلى هذا اتفق الفقهاء بعدهم) (35). فكان تطبيقا يفقد فقه تجربة الواقع وظرفياتها مع ما تتطلبه حيثيات حكمة العلاقة والموقف والتجريب.
كما أن قوة حركة الشيخ ظلت في النفوس متشبثة تتوارثها الأجيال حتى بعد سقوط الدولة السعودية الأولى والثانية، وهذا ما جعل الملك عبدالعزيز يقوم بإحياء السلفية ليبني عليها قواعد مشروعه الإصلاحي التوحيد والمواطنة.
وهذا يجعلنا نبحث عن سرّ هيمنة حركة الشيخ الفكرية على العقل السعودي حتى يومنا هذا، ونتابع بشغف تحليل هذه الشخصية المختلفة من الطراز الأول.
الإحالات:
23 التاريخ السعودي الحديث د سعد بدير حلواني ومحمد بن جمعان الغامدي، ص33، 34.
24، 25، 26، 27 ويبقى التاريخ مفتوحا د. تركي الحمد، ص 38، 39، 40، 46.
28 مفهوم الأيدولوجيا عبدالله العروي، ص 18، 19.
29 القول المفيد على كتاب التوحيد شرح محمد بن صالح العثيمين، ص 5.
30 تأويلات وتفكيكات محمد شوقي زين، ص 45.
31 التاريخ السعودي الحديث السابق، ص 36.
32 شبه (الجزيرة) في عهد الملك عبدالعزيز خير الدين الزركلي ج2، ص 830.
33 الشعر في شبه (الجزيرة) العربية د. عبدالله حامد العلي الحامد، ص 14.
34 (الجزيرة) في عهد الملك عبد العزيز خير الدين الزركلي ج2، ص814.
35 الفتح المجيد شرح كتاب التوحيد الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، ص35.
seham_h_a@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|