حكايات ليست شاعرة فحسب بل حكيمة! محمد أحمد الشدي
|
ليست هناك لغة من اللغات المعروفة في العالم فيها مِن الحكم والأمثال كما في لغتنا العربية. فاللغة العربية ليست اللغة الشاعرة فحسب، وإنما هي اللغة الحكيمة أيضاً.. لقد خلَّف لنا الأسلاف ثروة كبيرة من هذه الحِكم والأمثال التي نفخر بها ونعتز.. ولا سيما أنها خلاصة أفكار وحصيلة تجارب تنمي في الأجيال الخِصال الحميدة.
فتحث على الصدق والشجاعة والمروءة ومكارم الأخلاق، وتبرز النقائض والعيوب المنفرة لكي يتجنبها كل ذي عقل ومروءة.
ولكن بعض الناس يخطئون في فهم بعض الحِكم والأمثال فيأخذونها أَمراً مُسلَّماً به في جميع الأحوال والظروف أي أنهم يخطئون في التطبيق.
لنأخذ مثلاً قول أحد الحكماء: (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب).. هذه الحكمة في ظاهرها تدل على بُعد النظر وتدل على أن قائلها استوحاها من تجربة جعلته يفضل السكوت على الكلام.. فيصف الأول بالذهب ويصف الثاني بالفضة.... وقد يكون هذا التقديم سليماً في بعض الأحوال، وعلى النقيض في أحوال أخرى.
إن معنى أن تصمت هو أن لا تقول شيئاً ولا تفعل شيئاً فلا تقدم، ولا تؤخر كالآلة المعطلة تماماً.. وبهذا لا تخطئ فالآلة المعطلة لا تخطئ أيضاً.
ومعنى أن تتكلم.. هو أن تقع أحياناً في الخطأ فالأخطاء تنشأ من العمل والخطأ ليس عيباً فبه نهتدي إلى الصواب.
يتضح من هذا.. أن السكوت المطلق ليس دائماً من ذهب. فربما كان السكوت في بعض المواقع أسوأ من الكلام وربما كان الكلام هو الذهب!
غير أن الملاحظ وبكثرة أن بعض الناس تجمعهم المجالس. فيظلون صامتين طيلة الوقت كالخشب المسندة حضورهم وغيابهم سواء.. لا ينطقون بكلمة ولا يدلون برأي ولا يشاركون في حديث. كما يقال إنهم مهذبون مؤدبون. وأن صمتهم أكثر فائدة وأغلى قيمة من الذهب!
وهذا خطأ كبير.. فما الذي يمنع الجالِس أن يشارك في الحديث ويدلي برأيه مهما كان. فإن كان رأياً صائباً حصلت الفائدة وإن كان غير ذلك قوَّمه الباقون بلطف ونصحوه بالسكوت. فيستفيد من ذلك ويتحرى الحقيقة ويتجنب الخطأ.
فالصمت إذن ليس دائماً من ذهب فالإنسان الصامت أبداً قد يُرمى بالعجز والجهل تماماً. كما يُرمى الثرثار بعدم الوقار وقلة التهذيب.
إن الله سبحانه وتعالى... فضَّلنا في الخلق على سائر مخلوقاته وأودع فينا صفة الكلام والنطق.. ولو لم يكن للكلام فضله ومحاسنه لخلقنا كالعجماوات.
فلنتكلم إذن متى كان واجباً ومفيداً.. ولنصمت عندما يكون الصمت مطلوباً.. أما أن نصمت بإطلاق فهذا معناه أننا فهمنا الحكمة فهماً مقلوباً وطبقناها تطبيقاً خاطئاً. فللصمت أحوال وظروف وقد تصل ضرورة الكلام في بعض الأحوال إلى منزلة الواجب والواجب أغلى من الذهب
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|