هواجس العقل.. والظلم.. تأملات في الإنسان
2 - 2 نورة الغامدي
|
قد يكون الضبط الاجتماعي بحاجة إلى محركات ثقافية تحرك الركود الذي خيّم على كل مجالات الحياة بما في ذلك الوعي الجمعي لبعض الظواهر السلبية التي لا نقول إنها مستجدة على المجتمع الإنساني في جميع العصور، ولكن ما جعلها بهذا الوضوح المخل هو ضعف تلك المحركات الثقافية. ومن تلك المحركات تخلي العقل البشري المبدع عن مهامه تجاه الآخر الذي يشعر باغترابه وسط مجتمعه وأهله. وأنا في هذا المقام لا أطمح إلى أن يكون ما أكتبه يحمل طابع المشروع الحضاري الذي يأمل في التغيير الشامل، بل اكتفي بمساءلة (العقل) الإنساني في أي بقعة من هذا الكون الفسيح من خلال حوادث حقيقية سمعت بها من أهلها أو من مصادر موثوقة.. أناس يبحثون فقط عمن يسمعهم. ولعل الاحداث السياسية وأمور الحروب والكوارث قد تكون أول ما يطرق مشاعر الإنسان العربي الذي انتهكت إنسانيته في فلسطين والعراق وأفغانستان، هذا الأمر هو دليل على اختلال العقل الذي لن يشفى إلا بمعرفة الحقيقة الكاملة والتعامل معها تاريخيا وجغرافيا، وهذا ليس بابي الذي أهوى طرقه، ولكن ما أود رصده هو حوادث بشرية صغيرة وجارحة قد تدفع بالعقل الذي يتحرك باتجاه تنمية شاملة في هذا الوطن إلى أن تكون من ضمن خططه ومشاريعه لنصنع معا مجتمعا بشخصية فريدة وكيان مستقل تكون من أولوياته صناعة مواطن مسؤول ومثقف ملتزم نادر، يملك رؤية عقلانية تجاه الأمور الصغيرة قبل الأحداث الكبيرة. إن بحث الأمور الصغيرة في جلسات مجلس الشورى أمر لا بد منه، فالأمور الصغيرة التي تطال روح الإنسان وكيانه في هذا المجتمع لا بد أن تكون نقطة البدء ومحطة القدم الأولى كتجربة ربما تكون جديدة في طرحها في الاجتماعات المهمة والقضايا الملحة. إن قضايا الإنسان التي تدفع به إلى الانعدام والتلاشي نتيجة القهر والظلم وشعوره الأقوى بألا أحد يسمعه لهي من أوجب الأمور التي لا بد أن يلتفت إليها مسؤولو هذا الوطن لأن ترك مثل هذه الأمور الصغيرة يذبح إرادة الإنسان التي قال عنها ابن رشد (الإرادة هي سوق الفاعل إلى فعل إذا فعله كف الشوق وحصل المراد)، ومن هذا يتضح أن هناك علاقة عضوية بين الإرادة والفعل وبين الفعل والعقل.
ولعلنا لا نفرض ما نريده على الآخر، ولكننا نعرضه لعل القلوب الجافة التي تشبه القراطيس تلين، ولعل قائلا قد يقول: إن مآسي الناس لا نهاية لها فكيف بالمسؤول أن ينصب نفسه لهموم الناس ومظالمهم ويترك مسؤولياته؟ وقد يقول قائل: مَنْ تصبه الدنيا بهمّ أو مظلمة سرعان ما تنسيه الأيام بمعنى (بكره ينسى) أو (بكره تنسى)، وكما يقال الحياة لا تحكي قصصا بل الحياة فوضى وعشوائية وتدفق لا يتوقف عند ألم أحد أو موت ألف.. لكن يبقى الحس العام بكل ما يمر من بين أيدينا مطلبا إنسانيا قد يقف أمامه أقوى الرجال عاجزا لعجز قلبه عن ملامسة هموم الناس ومصائبهم وحاجاتهم. نعم هذا قول لا مراء فيه، فسُنّة الحياة النسيان، ولكن لماذا نتركه طريح همّه وبلواه منتظرين غدا لكي ينسيه ونحن نهز رؤوسنا بحجة أن الأيام كفيلة بدمل الجراح؟!! لماذا انعدمت إنسانيتنا تجاه الآخر المقتول بهمّه وظلمه يناضل وحيدا ويتلفت نحو الفراغ بحثا عن صديقه القديم أو رفيق دربه لكي يواسيه ولو بكلمة (لا بأس).. فالكلمة الجميلة أثمن هدايا الدنيا.. تلك الكلمة قادرة على أن ترقى بإرادته إلى الكف عن التفكير في كل ما يثير مكامن الألم في الأعماق.
لو أن الواحد منا يسخر (عقله) في خدمة الآخر الذي وقعت عليه كارثة من قلب مجتمعه الصغير الذي تخلى عن دوره في الضبط لخلل ما ناتج عن اختلال في إطار العلاقات العامة بين بني الجلدة الواحدة.. وبهدوء فتح نقاشا بسيطا بينه وبين نفسه لا يعدو عن تساؤلات منها:
لماذا تخليت عن رفيقي في عز مصابه؟
ما هي القناعات التي أقنعت بها نفسي لأتخلى وأبتعد عنه؟
وهل ما أقنعت به نفسي من حقائق ضميري راض عنها؟
كم من حسنات تناسيتها لرفيقي وأغفلتها ولا أظهر سوى مساوئه لكي أبتعد عنه وأتجاهله؟
ما هي المكاسب التي سأحصدها عندما أتناسى وأتجاهل رفيقي أو أخي أو ابن بلدتي أو زميل عمل كتب في لوحه المحفوظ ما قدر له أن يكون؟
هل قبل أن ننبذه سألنا أنفسنا (شاء الله وما قدر فعل) وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه.
هل إهمالك لرفيق دربك المصاب في صميمه بظلم سيصنع في واقعك تغييرا ينقلك من واقعك إلى واقع أفضل بدونه؟
لعلنا لو ضممنا العقل إلى نفوسنا اقتداء بسيدنا آدم عليه السلام لسعت إلى أحضاننا وقلوبنا وأرواحنا معه أخلاق النبلاء وصلاح الأنقياء الذين لا يترددون في جبر خواطر المكسورين بكلمة طيبة أو سؤال.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|