أين الخطأ؟
|
****
تأليف: برنار لويس
ترجمة: محمد عناني
تقديم وتعليق: رؤوف عباس
القاهرة: دار سطور 2003م
****
أين الخطأ؟
بهذا السؤال الذي يعتقد المؤلف أن المسلمين دأبوا على طرحه منذ مدة طويلة عندما أدركوا تفوق الغرب عليهم، فهو سؤال يشي بالمرارة والقلق وإحساس متزايد وعميق بالغضب. يبدأ فصول كتابه حيث يقول في مقدمة تاريخية: (لقد كان المسار الإسلامي آخذاً بالصعود والتفوق حتى استطاع المسلمون فتح مدينة القسطنطينية عام 1453م عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، ثم تواصل زحفهم حتى كادوا يدخلون فيينا عاصمة النمسا عام 1683م، متوِّجين بذلك مسيرة ألف سنة من الفتوحات والانتصارات بدأت في الشام والعراق في القرن السابع الميلادي، وتواصلت في آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وصاحب تلك الحملات العسكرية تجارة واسعة ومتنوعة وممتدة في القارات الثلاث، وحركة ثقافية وعلمية وفنية. ثم بدأ المد الإسلامي بالتوقف والانحسار، فتوقفت الانتصارات، وبدأ الانحسار من أنحاء مختلفة من العالم، بدأ بالأندلس في نهاية القرن الخامس عشر، وتوقفت حركة الترجمة الكبرى، وتوقف الإنتاج العلمي والمعرفي، وبدأ الأوروبيون يحرزون تقدماً ملموساً في فنون الحضارة. وبقدوم ما يسمَّى (المعرفة الجديدة) بدؤوا يتقدمون بسرعة، وسبقوا التراث العلمي والتكنولوجي ثم الثقافي للعالم الإسلامي بأشواط طويلة.
كان السلطان العثماني في أوائل القرن السادس عشر الميلادي تشغله المنافسة الكبرى مع المماليك في مصر والشام وإيران الصفوية، واستطاع السلطان سليم الأول أن ينهي دولة المماليك ويفتح البلاد العربية كلها. ولكن الصراع العثماني الصفوي استمر حتى القرن التاسع عشر، واستهلك هذا الصراع المسلمين وألهاهم عما يدور في أوروبا غير بعيد عنهم من تقدُّم وتطور.
وعندما استطاع فاسكو دي غاما الوصول بحراً من البرتغال إلى رأس الرجاء الصالح في نهاية القرن الخامس عشر فتح طريقاً بحرياً بين أوروبا وآسيا متجاوزاً المجال الاستراتيجي للطريق السابق الذي كان يسيطر عليه المسلمون. وبدأ البرتغال والإسبان والهولنديون ينشئون قواعد لهم في جنوب شرق آسيا وفي الموانئ والسواحل المطلة على المحيط الأطلسي والمحيط الهندي لتأمين طرق التجارة والتحكُّم فيها.
وكانت القارة الأمريكية مصدراً للموارد والهيمنة التي لا تصلها القوة الإسلامية العثمانية، ومكَّنت الأراضي الخصبة والمعادن التي امتلكها الأوروبيون من الاستغناء عن كثير من المنتوجات القادمة من الشرق الأوسط وآسيا، ونشطت المهارات التجارية والحرفية.
كانت هزيمة الأتراك في فيينا عام 1683م بداية تحوُّل وانكسار، وتبعتها هزائم متوالية ومتواصلة في مالطة عام 1684م، وفي المواجهة مع روسيا عام 1696م عندما استولى القيصر الروسي بطرس الأكبر على مدينة أزوف على البحر الأسود).
التحديث والمساواة الاجتماعية
الإسلام دين المساواة؛ فقد حرَّر الناس من الإقطاع الفارسي والطائفية الهندية والأرستقراطية الغربية، فالإسلام يرفض التفرقة على أساس الجنس أو اللون أو الثراء أو المكانة الاجتماعية.
ولكن ذلك كله في رأي المؤلف لم يمنع نشوء طبقة أرستقراطية إسلامية جديدة، واستمرار التمييز ضد غير المسلمين وضد المرأة في المجتمعات الإسلامية واستمرار الرِّق.
وتعرَّف المسلمون للمرة الأولى حسب المؤلف على العلمانية بعد الثورة الفرنسية، (ولكن المؤلف لا يدرك تماماً أن الإسلام لا يُخضع الحياة للدين بالشكل الذي عرفته الدولة الدينية في الغرب في فترة من فترات سيطرة الكنيسة، وفي الوقت نفسه تختلف علمانيته أو مدنيته عن العلمانيات الغربية الحديثة).
وهكذا تطلَّع بعض المسلمين إلى فرنسا آملين أن يجدوا في هذه الأفكار محركات تدير عجلة العلوم والتقدم وقد برئت من العوائق المسيحية. وأصبحت هذه الأفكار تمثل مرجعية لحركات التحديث والإصلاح في العالم الإسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهو ما دعا إليه كثير من المصلحين والمفكرين؛ مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي.
وقد تخلَّى الغربيون في غمار العلمانية عن الإيمان بالله، ثم عادوا للإيمان به مصدراً لسيادة الناس ومعبوداً للأمة. وسادت هذه الفكرة في العالم الإسلامي، وكان المثقفون الذين حكموا العالم الإسلامي وتولوا المناهج والإدارة فيه ممن سار في طريق الغرب، وتحولت بعض الدول الإسلامية إلى علمانية، ولكن العلمانية لم تكن مبدأ رسمياً إلا في تركيا والجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، ولكن دولاً كثيرة إن لم تكن جميع الدول الإسلامية تطبِّق العلمانية في شؤون كثيرة، بل في أغلب شؤونها على حد قوله.
وبدأت في الفترة الأخيرة موجة إسلامية أصولية تدعو إلى نبذ العلمانية باعتبار أن الإسلام مختلف عن المسيحية، فالدولة الإسلامية ليست دينية إلا بالقدر الذي تعتبر فيه بريطانيا ملكية، ومشكلة النزاع بين الدين والدولة مشكلة مسيحية أوروبية بحتة ولا تنطبق على العالم الإسلامي، ولكن هذا لا يمنع في رأي المؤلف من القول: إنه مرض أصيب به المسلمون واليهود يقصد العلمانية ويحتاجون إلى علاج مسيحي.!!
الحداثة الغربية
كان المسلمون يحتقرون الغرب ولا يأبهون بالجهود الحثيثة التي يبذلها للنهضة والتقدم، وعندما أفاقوا على صدمة التفوق التقني في بداية القرن الثامن عشر كان الغرب قد سبقهم بأربعمائة سنة في التقدم العلمي. وبدأ التأثير الغربي يغزو الشرق من مدخل التقنية.
عرف الشرق الساعة الميكانيكية التي يصنعها الغرب لقياس الزمن بدقة تتفوق على الوسائل التي كانت تستخدم في الشرق، كان ذلك في القرن السادس عشر الميلادي، ثم المطبعة والنظارات الطبية والتلسكوب والآلات الموسيقية ذات المفاتيح مثل البيانو.
وربما يكون التاريخ الحديث للشرق الأوسط بدأ عام 1798م مع الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون؛ حيث أُخضعت للمرة الأولى إحدى الدول في قلب ديار الإسلام لحكم دولة أجنبية، وبدأت مظاهر التغير الثقافي في الشرق.
وبدأ الحكَّام في الآستانة والقاهرة يستعينون بالغرب لتحديث دولهم وجيوشهم، فقد استقدم الخبراء العسكريون الغربيون في عمليات إعادة تنظيم الجيش، واستخدمت أنظمة الإدارة الغربية والأسلحة الغربية، وأرسلت البعثات التعليمية إلى الغرب لاقتباس العلوم الغربية (الإفرنجية).
وبدأ تذوق الموسيقى الغربية والفنون الغربية أيضاً، وانتشر اللباس الغربي وأنظمة العمارة في البيوت والقصور والمباني العامة، حتى المساجد صارت تُبْنى على الطراز المعماري الغربي.!!
كانت التأثير البصري الغربي طاغياً، بدأ في اللوحات الفنية والصور الشمسية ثم في اللباس، وكان لذلك تأثير على الهوية والمعتقدات؛ فالصور والتماثيل التي كانت محرَّمة في الثقافة الإسلامية صارت شائعة في البيوت والقصور والمطبوعات والنقد وطوابع البريد.
وبدأت الترجمة تشهد مساراً مختلفاً عما عهدته طوال القرن الماضية، فقد بدأت ترجمة الروايات والمسرحيات، واتجهت الترجمة نحو اللغات الغربية، وانحسرت اللغة الفارسية والتركية من الوسط العربي، كما انحسرت العربية من الأوساط الإيرانية والتركية، واقتبست بلدان الشرق الأوسط الأنواع الأدبية الأوروبية؛ مثل الرواية والقصة القصيرة والمسرحية، وامتد التأثير إلى النسيج اللغوي نفسه، حتى إن الكتابات العربية الحديثة في الشرق الأوسط تبدو كأنها ترجمة حرفية عن الإنجليزية والفرنسية.
العالم الإسلامي اليوم
أصبح العالم الإسلامي اليوم إذا قُورن بالعالم المسيحي الذي دأب على منافسته طوال ألف عام فقيراً ضعيفاً وجاهلاً، وتبدَّى للجميع في القرنين التاسع عشر والعشرين تفوُّق الغرب وهيمنته؛ فقد غزا العالم الإسلامي في كل جوانب حياته العامة والخاصة.
وكان دعاة الإصلاح والتحديث يركزون جهودهم في ثلاثة مجالات رئيسة، هي: المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية. ولكن النتائج كانت مخيبة للآمال؛ فقد أدى السعي إلى النصر بجيوش محدثة إلى سلسلة من الهزائم المهينة، وأدى السعي إلى الرخاء من طريق التنمية الحديثة إلى الفقر والفساد والاعتماد على المساعدات الخارجية.
ولم تساعد الجيوش ولا المدارس والجامعات والمصانع والبرلمانات دول الشرق ومجتمعاتها، ولا أوقفت الفجوة بين العالم الإسلامي وبين الغرب، وكل ما عملته أنها ساعدت بعض النُّخب.
ولم يقتصر الأمر على أن يجد المسلمون أنفسهم ضعفاء وفقراء بعد قرون من الثراء والقوة، فقد أتى القرن العشرون بمزيد من الإذلال والهزائم، وتقدمت عليهم دول أخرى كانت أضعف وأفقر؛ مثل اليابان ودول شرق آسيا.
كانت إجابة السؤال (أين الخلل؟) متنوعة ومختلفة، فقد حُمِّل المغول والأتراك والاستعمار الغربي واليهود مسؤولية التخلف والضعف، وأعادها البعض إلى أسباب ثقافية وفكرية تعود إلى التخلي عن الثقافة الإسلامية والركض وراء الثقافة الغربية.
ولكن أعداداً متزايدة من أبناء الشرق الأوسط تتحول إلى موقف النقد الذاتي، فكان السؤال الأساسي: أين الخطأ؟ وكيف نصحِّح؟
(ولد المؤلف برنار لويس في لندن عام 1916م لأسرة يهودية، وقد أتم دراسة التاريخ الشرقي من جامعة لندن عام 1939م، وكان موضوع رسالته عن الطائفة الإسماعيلية وجماعة الحشَّاشين، وعمل بالتدريس في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن. ثم التحق بخدمة المخابرات البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية، وبقي يعمل فيها حتى عام 1974م ليلتحق بالتدريس في جامعة برنستون بالولايات المتحدة، وهو معروف بصهيونيته وعدائه الشديد للإسلام والمسلمين). ويقع الكتاب في (269) صفحة من القطع المتوسط.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|