الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 15th March,2004 العدد : 50

الأثنين 24 ,محرم 1425

معاداة العرب والمسلمين
من جورج بوش الجد الأكبر إلى بني موريس الصهيوني
عبد الله الماجد

لإزاحة الإحباط عن كاهل أبناء هذه الأمة من الأجيال الناشئة المتطلعة لغد أفضل، ولحياة مثلى، عليهم أن يتفهموا أن من أهم أسباب الهجوم على هذه الأمة، أنها أمة ذات شأن وإلا لما كانت هدفاً للهجوم. هذا درس تعلمناه من وقائع التاريخ المحفوظة في بطون الكتب، ومن يحاول التشكيك فيها فإنه مسلوب الإرادة، ومخالفتها خَور في طبائع النفس البشرية السوية، فهذه الأمة لديها عوامل البقاء والمنافسة في بناء الحضارة الإنسانية لعدة أسباب من أهمها موقعها الجغرافي التنافسي، وفكرها المتمثل في قيمها ودينها.
إن السجل الذهبي للحضارة العربية والإسلامية الذي كان مرجعاً أساسياً لعصور التنوير للعصور الإنسانية الحديثة، لا يمكن المزايدة عليه أو نفيه لكنه يظل مجرد تاريخ، وأخطر من ذلك أن يظل مجرد ذكرى جميلة وأغنية ننتشي بترديدها في حالات الفقد والهوان، إن للنهضة شروطها وعواملها، معظم هذه الشروط وتلك العوامل متوفرة في هذه الأمة، يدعم تلك الأسباب التي سبق الإشارة إليها، حضانة أراضيها لمصادر الطاقة، من أهمها البترول التي تم اكتشافها في معظم البلدان العربية والإسلامية، وحينما بدأ استثمارها أصبحت نعمة ونقمة عليها.
ولإعادة بناء مشروع النهضة من جديد، لابد من تدبر تلك الظروف والمهيئات التي قام في مناخها، ولهذا حديث يطول، لكن من عناوينه البارزة، أن تظل الدولة التي بيدها حفظ الحقوق والنظام، راعية لمنتجات العلم والعقول، مراقبة لنظام تلاقح الأفكار، حافظة للتوازن دون سيادة اتجاه معين بذاته لمصلحة ما غير المصلحة العامة للأمة.
معاداة العرب والمسلمين على مر العصور تنطوي على: تطرف ديني عنصري، وتطرف سياسي استعماري طامع، ومن الثابت انه حينما انتشر الإسلام وبسطت الدولة العربية الإسلامية نظامها على مناطق في آسيا وأوروبا وإفريقيا، لم يكن ذلك استعماراً ومعاداة لشعوب تلك المناطق وإلا لما انتشرت في معظم تلك البلدان حضارة متقدمة كتلك التي حدثت في شرق آسيا وفي شرق أوروبا (أسبانيا) وفي إفريقيا (مصر) بل إن معظم تلك البقاع التي خضعت لسلطان الدولة العربية، كانت في أدنى صور انحطاطها وتدهورها قبل دخول العرب إليها، فلم تعلِ الدولة العربية شأن العنصرية أو الاضطهاد لشعوب تلك المناطق، حتى من بقي منهم على ديانته، لقد حفظت حقوقهم، بل لقد أنشأت دوائر للأحوال الشخصية لهؤلاء الناس على اختلاف مذاهبهم واعتبروا مواطنين، فبرز منهم في ظل الدولة العربية الإسلامية، علماء وقادة أصبحوا من بناة هذه الدولة فلم يكن العرب على شاكلة الاسبان، الذين دفعهم الضعف والتمزق الذي بدأ يحيق بدولة العرب في الأندلس، إلى الاستيلاء على البلدان الأندلسية، ابتداء من سقوط غرناطة في أيديهم في مطلع عام 1492، وعلى عكس أسلافهم العرب، بدؤوا صنوفاً من ابشع صور الإبادة والتطهير العرقي، فكانت هناك مذابح جماعية، في مشهد ينبىء عن كراهية وحقد. وهاهو العلامة الفرنسي (غوستاف لوبون) في كتابه الرائد القيم عن حضارة العرب، الذي ألفه وصدر في سنة 1884 وترجمه الراحل (أكرم زعيتر) يقول في ص (207) واصفاً تلك الإجراءات التعسفية والاضطهاد والتعذيب والتطهير العرقي الذي لقيه العرب في أسبانيا:
(دامت دولة العرب في اسبانية نحو ثمانية قرون أي ما يقرب من مدة سلطان الروم، وأدى انقسامها إلى زوالها أكثر مما أدت إليه الغارات الأجنبية، فالعرب، وإن كانت عبقريتهم الثقافية من الطراز الأول، لم يبد نبوغهم السياسي غير ضعيف.
وعاهد فرديناند ملك أرغونة العرب على منحهم حرية الدين واللغة، وكان قد استولى على غرناطة آخر معقل للإسلام في اسبانيا سنة 1492 بعد أن وحد أرغونة وقشتالة ولكن سنة 1499 لم تكد تحل حتى حل بالعرب دور الاضطهاد والتعذيب الذي دام قرونا، الذي لم ينته إلا بطرد العرب من اسبانية، وكان تعميد العرب كرها فاتحة ذلك الدور، ثم صارت محاكم التفتيش تأمر بإحراق كثير من المعمدين على أنهم من النصارى، ولم تتم عملية التطهير بالنار إلا بالتدريج لتعذر إحراق الملايين من العرب دفعة واحدة، ونصح كردينال طليطلة التقي، الذي كان رئيسا لمحاكم التفتيش، بقطع رؤوس جميع من لم يتنصر من العرب رجالا ونساء وشيوخا وولدانا، ولم ير الراهب الدومينيكي، بليدا، الكفاية في ذلك فأشار بضرب رقاب من تنصر من العرب ومن بقي على دينه منهم، وحجته في ذلك أن من المستحيل معرفة صدق إيمان من تنصر من العرب، فمن المستحب، إذن، قتل جميع العرب بحد السيف لكي يحكم الرب بينهم في الحياة الاخرى ويدخل النار من لم يكن صادق النصرانية منهم، ولم تر الحكومة الاسبانية أن تعمل بما أشار به هذا الدومينيكي الذي أيده الإكليروس في رأيه لما قد يبديه الضحايا من مقاومة، وإنما أمرت، في سنة 1610م، بإجلاء العرب عن اسبانية فقتل اكثر مهاجري العرب في الطريق وابدى ذلك الراهب البارع، بليدا، ارتياحه لقتل ثلاثة ارباع هؤلاء المهاجرين في أثناء هجرتهم، وهو الذي قتل مائة الف مهاجر من قافلة واحدة كانت مؤلفة من 140.000 مهاجر مسلم حينما كانت متجهة إلى إفريقية).
هذه بعض ملامح من التطرف السياسي الاستعماري الممزوج بدوافع عنصرية دينية، أما ابرز وأهم اتجاهات معاداة العرب والمسلمين تطرفا على المستوى الفكري النظري، في القرن التاسع عشر الميلادي، فتمثله مؤلفات واحد من أهم أعلام الدراسات الشرقية الكلاسيكية (القديمة) هو البرفيسور (جورج بوش) (1796 1859) أستاذ اللغة العبرية والآداب الشرقية في جامعة نيويورك، وتأتي أهميته من أنه (الجد الأكبر) للأسرة التي تحكم الولايات المتحدة في العقد الاول من هذا القرن.
لقد كان للجد الأكبر لأسرة آل بوش، دور مؤسس في صياغة الفكر المعادي للعرب والمسلمين، فوضع كتاباً في عام 1830 عن الرسول صلى الله عليه وسلم مليء بالكراهية والمغالطات التاريخية والدينية للعرب ولنبيهم. كما أنه في مجال تخصصه ودراساته وضع عدة كتب يفسر فيها رؤيا أنبياء بني إسرائيل كتفسيره لرؤيا النبي حزقيال في عودة اليهود بعد السبي البابلي لأرض فلسطين وإعادة بناء الهيكل وهي رؤيا رفض كثير من الباحثين ومنهم مسيحيون تطويعها لتبني وجهات نظر سياسية معاصرة.
وللكشف عن تأصيل هذا الفكر ودوافعه، أعددت هذين الكتابين للنشر بالتعاون مع مترجم متخصص هو الدكتور عبد الرحمن عبد الله الشيخ، وقد صدرا بالفعل هذه الأيام.
وهاهي قصة الكتاب الأول، وعنوانه الذي وضعه مؤلفه (جورج بوش) الجد الأكبر (محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس امبراطورية المسلمين) وأضاف إليه المؤلف في نصه الأصلي كلمة السارازن (Saracens) وهي كلمة تحقير كان يطلقها الصليبيون وأوربيو القرون الوسطى على العرب والمسلمين. وقد ترجمها المؤلف بتعبير دارج هو (السرسرية) وما سيأتي من تعريف بهذا الكتاب، هو جزء من تصدير للترجمة العربية، لكتاب (جورج بوش) المشار إليه.
(يقول الكاتب والباحث (منير العكش) في كتابه القيم (حق التضحية بالآخر، أمريكا والإبادة الجماعية).
(قبل أن يصدر رمزي كلارك Ramsey Clark وزير العدل السابق كتابه عن جرائم أمريكا ضد الإنسانية في حربها على العراق
The Fire This Time:Us.War Crimes In the Gulf وفيه تفصيل وافٍ لهذه الجرائم التي توجتها الولايات المتحدة وشركاؤها الآباشي بقتل حوالي مليوني عراقي جوعاً ومرضا بعد التدمير المتعمد لكل أسباب الحياة ومقومات البقاء). كانت الفرقة الجوية القتالية السابعة والسبعون (الأمريكية) قد أنتجت ووزعت كتاب أناشيد تصف فيه ما ستفعله الفرقة في (الخليج) وتنذر هذا (المتوحش القميء).. (خدن الأفاعي) بأن يستعد للإبادة، فيما ينتهي أحد هذه الاناشيد بخاتمة يقول: (الله يخلق أما نحن فنحرق الجثث
Allah create but we cremate والكتاب كما يصفه كريستوفر هيتشنس في The Nation خليط من السادية والفحش. ومعظمه تشنيع وتشهير وشتائم بذيئة للعرب والمسلمين باعتبار أنهم أعراق منحطة و (حشرات) و (جرذان) و (أفاع) وهي بذاءات مقتبسة بالتأكيد من كتاب (حياة محمد..) لجورج بوش (الجد الأكبر 1796 1859) الذي يضم أشنع ما كتب عن العرب والمسلمين والنبي محمد في الولايات المتحدة. (انظر George Bush) في كتابه The Life of Mohommed: Founder of the Religion of Islam, and the Empire of the Saracens والكتاب مطبوع عام 1831، وموجود في مكتبة الكونغرس. ولجورج بوش عشرات الكتب في شروح أسفار العهد القديم. ويعتبر كتاب (وادي الرؤى: إحياء رميم إسرائيل Valley of Vision: or, The Dry Bones of Israel من أبرز محطات الصهيونية الأمريكية الداعية إلى ضرورة العمل من أجل تجميع يهود العالم في فلسطين وتدمير (إمبراطورية السارازن). و (السارازن) هو الاسم الذي كان يطلقه الصليبيون وأوروبيو القرون الوسطى على العرب والمسلمين. وكان الرومان يطلقونه على بعض رعاياهم تحقيرا) (ص 9596).
وقد شكل ما ذكره (العكش) حافزاً للبحث عن كتب المؤلف (جورج بوش) وإعمال النظر فيها لتقديمها للباحثين والقراء العرب، بهدف الكشف عن المصادر الأساسية للكره والحقد والعنصرية التي يمارسها تيار متطرف في فكر الغرب الأمريكي، يصف العرب والمسلمين بالتطرف، ويخضعهم الآن لحملة ظالمة. وقد اتضح لنا أن المؤلف رغم أهمية مركزه في الدراسات الكلاسيكية، حيث كان واعظاً بارعاً في الجدال والمناظرة، وراعياً لإحدى الكنائس في إنديانا بولس، وأستاذاً في اللغة العبرية والآداب الشرقية في جامعة نيويورك وله قائمة مؤلفات في هذا المجال، معظمها في دراسات الكتاب المقدس اليهودي والمسيحي، وبالرغم من تأثيره وأهميته فلم تتناوله الدراسات والأبحاث العربية التي تناولت موضوع الاستشراق، بل إن كتابه هذا الذي نقدمه في ترجمته العربية هذه لأول مرة، قد أعيد طبعه ثلاث مرات (في لغته الأصلية منذ 1830) في فورة الاتجاه إلى تأسيس الخطاب الديني المتزامن مع تطلع الدولة الوليدة (أمريكا) التي تطمح إلى تأسيس نفسها كامبراطورية عالمية، قائمة على التفوق العرقي، فقد كانت أدبيات الخطاب الفكري والديني الذي رافق تكوينها تركز على مدلول عقيدة (القدر المتجلي) وعقيدة (الشعب المختار) وهو المسوغ الذي قدم لإبادة شعوب القارة التي استعمروها وأطلقوا عليهم (الهنود الحمر) وقدموهم كشعب منحط تجب إبادته، وسادت بينهم اعتقادات في وقت مبكر أنهم (أي الهنود) وحوش لا تعقل ولا تفكر، وتأكل بعضها، ويأكلون أبناءهم وزوجاتهم (العكش ص 60) وكان واحداً من أشهر أطباء عصره (أولير هولمز) في عام 1855 (معاصرا للمؤلف جورج بوش) قال إن إبادة الهنود هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض، وان اصطياد الوحوش في الغابات مهمة أخلاقية لازمة لكي يبقى الإنسان (العكش ص 61).. وهو المعنى الذي ترجمته افلام السينما الأمريكية وقدمته للعالم. وقدمه جورج بوش مؤلف هذا الكتاب منذ عام 1830 لنا نحن العرب والمسلمين. إنه يصفنا بأننا أمة من الهوام والجراد، ويتم تقديمه في آلة الخداع الإعلامي السينمائي الأمريكي منذ أوائل القرن الماضي، ويتم تفعيله على الواقع الآن، بالاحتلال وفرض الهيمنة ومصادرة مقدرات هذه الأمة، ومحاولة فرض الحظر على معتقداتها وفكرها وتغيير أنظمتها، وتذويب النظام العربي الإسلامي.
الآن وفي هذه الأيام يذر قرن (الدمار الصهيوني) بذوره فأثمرت، حيث كان مؤلف هذا الكتاب يفسر أسفار العهد القديم وفق توجه ديني وسياسي مدروس ومخطط له. فهاهو رئيس أركان الجيش الإسرائيلي (موشيه يعلون) يبشر في تعليقه على أحداث سنة 2003 وآفاق المستقبل الآتي بما يلي:
(لم يعد هناك عالم عربي.. لم نعد نتكلم عن عالم عربي.. لا يوجد شيء اسمه تحالف عربي.. هناك لاعبون لكل منهم مصلحته الخاصة.. والجميع يعرف أن في عالمنا الآحادي القطب، كل من يريد أن يعتبر جزءاً من القرية الكبيرة عليه أن يكون مرتبطاً بالولايات المتحدة وليس له أي حلف آخر) . (وكالات الانباء 27 ديسمبر 2003).
لقد ترعرع المؤلف وشب مع بداية اعلان الاستقلال الامريكي سنة 1776 وكان الخطاب الديني طاغيا مؤثرا ذا نبرة عالية. وكأي ثورة لابد ان يكون خطابها عقلانيا وتزامن بعد ذلك قيام الثورة الفرنسية التي نادت بافكار بفصل سلطة الكنيسة عن السلطة السياسية وتمثل رجع الصدى لذلك على ايدي افكار دعاة آخرين معادين لافكار الكنيسة كان ابرزهم (الياهو يالمر) الذي اعتبر الدين التقليدي (امبراطورية الخرافة) وجاء الرد عبر جهود جمعيات ومؤسسات وانشطة مدنية مثل (الجمعية الامريكية للكتاب المقدس سنة 1816 والاتحاد الامريكي لمدارس الاحد 1824 لنشر وتوزيع الكتاب المقدس وبناء الكنائس والمدارس والجامعات اللاهوتية، وقامت جهود الوعاظ وعلماء الدين والاساتذة المتخصصين
في العبرية، بتفسير أسفار دانيال ويوحنا وحزقيال على منهج حرفي تفكيكي بنيوي للنص يركز على مجيء السميح والبعث اليهودي (تفاصيل أخرى في: رضا هلال، المسيح اليهودي ونهاية العالم مكتبة الشروق، 2001 القاهرة).
وينقل (مينر العكش) في كتابه المشار إليه (ص152) عن باحث اسمه (ديمونت Max i. Dimont في كتابه (اليهود الذين أعجزوا الموت The indestructible jews).
(إن هؤلاء الإنجليز الذين جاءوا لاستعمار أمريكا (بلاد الهنود الحمر) كانوا يعتبرون أنفسهم (عبريين Hebraists) وكانوا أكثر يهودية من أيوب، ذلك الأممي المقدس الذي استطاع أن يندس بين أنبياء اليهود. لقد أرادوا أن يبنوا وطنهم على أساس العهد القديم، ولهذا اتخذوه على المستوى السياسي والاجتماعي أساساً أيديولوجياً لقوانينهم وعاداتهم.
كانت تصورات (الشعب المختار) تأخذ بألبابهم مثلما أخذ بألبابهم يهوه إله العهد القديم الذي أرادوا تنفيذ وصيته بالسيطرة على العالم، واعتبروا ذلك إرادة الله).
ويعلق الباحث (العكش) على هذه الفقرة موضحاً أن:
(اللغة العبرية ومعها اللاتينية لا الإنجليزية هي التي كانت لغة التعليم الأساسية في جامعة هارفرد عند تأسيسها في عام 1636. وشريعة موسى هي القانون الذي أراد جون كوتون john Cotton تبنيه إلى جانب العبرية التي أرادها لغة رسمية لأبناء مستعمرات الدم الأزرق الثلاث عشرة على ساحل الأطلنطي. وعند زحف (أبناء الرب) من جزيرة روانوك Roanoke في اتجاه الغرب لم تكن حروب الإبادة والتطهير العرقي وحرق المحاصيل ومصادرة الأراضي وإطعام أطفال الهنود للكلاب إلا مظاهر (إرادة الله يهوه) في العهد القديم كما تجلت للرئيس الثاني الأمريكي الثاني والأربعين (كلينتون أمام الكنيست، أكتوبر 1995) وألهمته وهو يخطب في (ساتيريكون Satyricon الآلهة) أن يؤكد على المعنى الإسرائيلي لأمريكا وأن يشعر وكأنه في بيته).
في هذه الأجواء وهذه التربة التي كانت تحفر بأظافر أهلها في إحياء المجد الديني المؤسس على اسفار (العهد القديم) كان المؤلف (جورج بوش) واحداً من أهم البارزين والمدققيين في حفريات النصوص القديمة ومنها أسفار العهد القديم، ويبدو أن توجهه الأكاديمي وقبل ذلك اضطلاعه بالوعظ والإرشاد، قد أضفيا عليه طقوساً من اللاهوتية التي كانت تحصره في مجاله بعيدا عن الانتشار الإعلامي، ولذلك كانت مؤلفاته محصورة بين المراكز العلمية والدينية والمؤسسات الجامعية.. فكتبه جميعها مصنفة ومحفوظة في مكتبة جامعة (ميتشجان). مما جعلها مصدراً ومرجعاً لعديد من الدراسات الجامعية، التي شكلت بعد ذلك اتجاهاً عاماً في فهم مئات وألوف من الدارسين الذين تخرجوا وتسنموا مراكز قيادية، في فهمهم للإسلام وللعرب، إنه الفهم الخاطىء الذي تعتنقه الآن قوة عظمى تسيطر على العالم ولذلك فإنه قبل تفكيرها ومضيها لفرض الديموقراطية على بلدان العالم الإسلامي، عليها أن تتخلص من أسمال وردائن ما يتضمنه فكرها وخطابها وتوجهها ونظرتها لهذه الأمة. إن ما تواجهه الآن من رفض وتحد مما تسميه إرهاباً بشكل مطلق، ليس في معظمه إلا رفضا لمصادر هذا الفكر، وفرض الهيمنة والتبعية بالقوة والسيطرة.
بكل تأكيد ونحن نقدم واحداً من أهم مصادر الكره الأمريكي الغربي للإسلام والعرب وقد ساءنا ما تضمنه من تجنٍ على نبينا وعلى أمته أمتنا العربية والإسلامية إنما نكشف بذلك عن أحد أهم مصادر الفكر المخالف، وأهم مصادر ومرجعية التطرف في الفكر الغربي. إن بعضهم يفهمون ديننا وتاريخنا وفق ما جاء في أمثال هذا الكتاب. ويطالبوننا الآن بشطب تراثنا، عليهم أن يمنعوا النظر بتجرد علمي، فيما ينطوي عليه هذا الدين من تسامح وإعلاء لكل القيم الإنسانية. هل نصبح هنوداً جددا؟.. إنها الفكرة الأمريكية مع هنود القارة التي استعمروها: (فكرة استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة).هل نعلن عن قيام محاكم لمعادات العرب والإسلام، على الطريقة الإسرائيلية اليهودية، التي ترفع راية معادات السامية، في وجه من يهاجمها وينتقدها إن من عجائب التاريخ إننا ساميون مثلهم!.
إنهم يقرأوننا جيداً، فلابد أن نقرأ فكرهم. إنهم يخططون لنواياهم تجاهنا، فلابد أن نقرأ ونمحص مصادرهم. إننا بنشرنا لهذا الكتاب لا ندعو بشكل من الأشكال إلى تصادم في أساس الفكر الديني وإنما إلى مواجهة الأفكار، ولا إلى إثارة أي نوع من أنواع النعرات الدينية. إن المؤلف لا يكتفي بمهاجمة الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، وإنما يهاجم كل المذاهب المسيحية الشرقية، نحن لا نتبنى فكراً دينياً متطرفا، لإن أساس الأديان ليس التطرف، وإنما المحبة والإخلاص لمنشئ الأديان. هذا فكرهم وتفسيرهم نكشفه.أما فكرنا وتفسيرنا فهو واضح وجلي، جلاء الآيات المنزلة في كتابه الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، وحفظه في صدور خلقه ممن وهبهم نعمة حفظه.
وبعد لابد من إزجاء الشكر والتقدير إلى الذين ساهموا وساعدوا في نشر هذا الكتاب، لابد من الإشادة بالجهد (المارثوني) الذي بذلك الكاتب المبدع الأستاذ (عبد الله محمد الناصر) في لندن، على نحو تطوعي خاص، وهو المثقف والكاتب والصديق في الحصول على نسخة نادرة (أصلية) من هذا الكتاب (طبعة 1844) بعد أن اعتذرت مكتبة الكونجرس في إمدادنا بنسخة مصورة منه. لقد تقمص دور (محترفي جمع الكتب القديمة) حتى ظفر بهذه النسخة النادرة، وتبرع بها لنا. وكتب عنها مقالاً قيما في مجلة (الثقافية) التي يصدرها في لندن (العد 54، 2003).
أما مترجم هذا الكتاب، فأعتقد أنه ما كان يمكن لهذا الكتاب أن يظهر بصورته هذه لو لم يقيض الله له مترجمه الدكتور عبد الرحمن عبد الله الشيخ، الذي طوى معه ليله ونهاره، وانقطع في البحث والمقابلة مع مصادر عديدة، واندمج في حالة من التوحد مع النص والنصوص الأخرى، وهو صاحب القوس وراميها في هذا المجال. وتنبئ عن ذلك دراساته وترجماته في مجال الكتب المتعلقة بالأديان ومقارناتها، وقائمة مؤلفاته ومترجماته. تبرهن على أنه خلاصة جيل من رواد الترجمة في عصر نهضة الترجمة إلى العربية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved