بناء مجتمع من المواطنين المجتمع المدني في القرن الحادي والعشرين
|
تأليف: دون إي.ايبرلي
ترجمة: هشام عبدالله
عمّان: الدار الأهلية 2003م
***
يواجه الأمريكيون اليوم زخماً من التحديات والتغيرات التي تجري بسرعة، ويجري تبدل عميق في المجتمع الأمريكي بصفة (جورج غالوب) المختص في إجراء استطلاعات الرأي بأنه موجة مد تاريخية عظيمة أو مجموعة من النبضات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الهائلة، ويحاول هذا الكتاب الذي أعده مجموعة من المؤلفين الأمريكيين وهم من الباحثين الأكاديميين في شؤون الاجتماع التنظير لنهضة ثقافية ومدنية في أمريكا لاستعادة الأفكار الأساسية للتجربة الأمريكية بالإجابة على أسئلة تشكل مخططاً للعمل مثل: ما الأسس القائمة للإعداد لإصلاح المؤسسات العامة والمجتمع المدني والتي أضعفت بشدة؟.. وكيف يمكن للإصلاحات الضرورية الملحة أن تدفع قدماً عملية سياسية تحكمها مصالح تقاوم الإصلاح بقوة؟.. وكيف يمكن تقوية المبادئ الفلسفية الأمريكية من دون دفع الأيدولوجيات التي تتنافس على السلطة؟.. وكيف يمكن إحياء ثقافة مع مؤسساتها وما تؤمن به دون إحياء الدولانية والديماغوجية؟.
ويرى كثيرون أن الدولة الأمريكية تواجه التهديد هذه المرة من الداخل، فقد أفرزت المادية الديالكتيكية التي سيطرت في القرن العشرين فتوراً ولامبالاة أخلاقية في الغرب الديمقراطي العلماني أفقد المجتمع هدفه البوصلة التي توجهه.
ويكمن الضعف الأمريكي في المجالات المدنية والثقافية والأخلاقية، فتظهر عيوب الحلول الحكومية وعدم صلاحيتها، وقد تحدث (دافيد بلانكنهورن) عن ركود اجتماعي وركود ثقافي أمريكي كان له عواقب خطيرة على مستقبل أمريكا، فثمة تراجع في الشعور بالالتزامات المدنية، وانخفاض في الثقة بالمؤسسات الاجتماعية، وتدنٍ في اهتمام الناس ببعضها في المجتمع، مع زيادة في تشكيلة الأمراض الشخصية مثل الصحة العقلية، وانتحار المراهقين، وزيادة معدل الحمل بين المراهقات، والعنف، وتراجع معدلات نتائج الامتحانات. وفي المقابل فإن الولايات المتحدة تحقق مكانة عالية، فهي في مركز لا ينازعها فيه أحد.. القوة العظمى الوحيدة عسكرياً واقتصادياً، والوجهة الأولى للهجرة، وتحتل المركز الأول في التصدير، وباختصار فهي الدولة الأغنى والأقوى والأكثر جذباً في العالم.
قيّم ناظمة للحياة:
يدرك الكثيرون أن السياسة وحدها لم تعد تؤثر فيما يقدره الأمريكيون اكثر من أي شيء آخر، فلا دولة الرفاه ولا انبعاث الرأسمالية تمكنا من حل مشاكل المجتمع الملحة العميقة، بل إن كل واحدة منهما قد ساهمت في إفساد المجتمع المدني ومؤسساته، فحين ضعفت بنى المجتمع الوسيطة كالأسر، والكنائس، والمجتمعات
المحلية، والجمعيات الطوعية بقي الأفراد أكثر عزلة وقابلية للانهيار داخل دولة تزداد سيطرتها اتساعاً.
وأفرزت قوى الحداثة من تشظي المجتمع وانقطاع جذوره أكثر مما أفرزت السياسة، ولطالما أدرك المفكرون الاجتماعيون ان قوى الجذب من تعاون وتضامن تنقلب بسرعة ليحل مكانها الميل إلى التخلي عن الارتباط والالتوام، وقد مرت حقبة وصفها عالم الاجتماع (دانيال بيل) أنها غضب على النظام بسبب تدميرها المتواصل للمؤسسات التطوعية.
هل توجد عقدية لأمريكا يمكن ان يلتف حولها الأمريكيون اليوم؟.. وهل ثمة ذاكرة أمريكية ممتدة أم أصبح الأمريكيون منشغلين بشؤونهم الخاصة لا يحركهم سوى الوعد بمزيد من الحقوق والمكتسبات أكثر مما تحركهم الدعوة للواجب المدني؟.
المجتمعات الحرة يجب تزويدها بأشياء يصفها الفلاسفة بأنها سابقة للسياسة، وهي أشياء أكثر أهمية من السياسة والاقتصاد، وتأتي في مرحلة سابقة لهما، وبرغم التمزق الاجتماعي فثمة نموذج جديد آخذ بالتشكل قائم على التفكير في مشاكل أمريكا الاجتماعية وفهمها.
المجتمع المحلي والمواطنة:
لم تفعل السياسة الأمريكية الكثير لحض الأمريكيين على اتباع الغايات الأسمى من السعي للأشياء المادية أو متابعة الحقوق، وقد اخترع المجتمع الأمريكي من الحقوق ووفر من الخيارات للمستهلك أكثر مما قدمه أي مجتمع آخر، ولكن لا الحقوق القانونية ولا الفرص الاستهلاكية تكفي بحد ذاتها لإقامة مجتمع متضامن.
وكان ثمة شعور واضح لدى مؤسسي أمريكا باعتبارها مجتمعا من المهاجرين أن الحكم الذاتي القائم على الصفات الشخصية والمعرفة والالتزام بالمشاركة الديمقراطية يمنع فيه العمل المدني سوء استخدام السلطة.
والمواطنة هنا تعني المشاركة وليس التفويض القائم على انتخاب ممثلين في المجالس التشريعية، فلا يجوز لأي شخص أن يطمح في أن يكون أكثر من مواطن، ولا يفرض على أي شخص أن يكون أقل من ذلك، فقد انتشر مفهوم المواطن باعتباره زبوناً الذي ينتخب مقابل خدمات معينة يتنافس المرشحون في تقديمها ومستوى ملاءمتها لرغبة الزبون.
تراجع السياسة:
جعل تصاعد الديون والحقوق التي لاحدود لها وتراجع النظام التعليمي وعدم فعالية النظام القضائي معظم الأمريكيين يتهمون الحكومة بأنها متدنية الكفاءة، وثمة إدراك بأن الحوار السياسي لم يعد متصلا بتجارب الحياة الحقيقية واهتمام المواطنين، وان المواطنين مبعدون عن أي دور مهم في تشكيل الحكومة التي يطلب منهم تمويلها، وينحصر دورهم في الانصياع للقرارات الرئيسية وليس التأثير فيها، كما ان تلاعب مجموعات المصالح واللوبي ومحترفي السياسة بالعملية الانتخابية جعلها تبدو بعيدة بالنسبة للأفراد العاديين، وظهرت كما يقول (توم هايدن) دولة المصلحة الخاصة.
ما الذي يحدث للديمقراطية حين ينظر إلى مؤسساتها على أنها تفتقر إلى المصداقية أو المشروعية؟.. إن أكثر المشاكل الاجتماعية إثارة للنقاش مثل الولادات غير الشرعية، والجريمة، والأسر التي غاب عنها الأب، والعنف تقع خارج جدول الأعمال السياسية، ويصعب على اليمين أو اليسار حلها، وأكثر ما يمكن للسياسة فعله هو معالجة المشاكل الصعبة التي لا يمكن لأحد معالجتها سوى الحكومة، والاعتراف صراحة بما لا تستطيع السياسة فعله.
كانت إدارة الدولة تعني شيئاً أكثر من مجرد تعزيز مصالح الأفراد داخل نطاق الحكومة، وكانت إلى حد بعيد حرفة روحانية حسب تعبير الكاتب الصحفي (جورج ويل)، وهي بذلك تهتم بالأحوال الروحية والعقلية للإنسان، وعاداته في الجد والعمل واعتداله وشجاعته، وحيويته وقدرته على اعطاء الحكام الديمقراطية الصحيحة، وهي الصفات التي كان يعتقد أنها أساس الحكم الجمهوري.
وتصف (كولين شيهان) في الفصل الثاني عشر من الكتاب كيف تقوض الأحزاب المشاركة المدنية، وان النظام السياسي الذي يتخلى عن إمكانية قيام الأفراد بحكم أنفسهم سيتحول، سواء اعترف بذلك أم لم يعترف، إلى حكم سلطوي.
يقع الكتاب في (478) صفحة من القطع العادي ولمزيد من القراءة حول الكتاب:
www.yahoooh.com/vb/showthread.php
www.students.washington.edu/
jamali/hatcarabi80.htm101k
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|