قصة قصيرة أحلام سارة بهية بوسبيت
|
نشأت في بيت متوسط الحال بين أب عطوف وأم حنون، وعدد من الإخوة والأخوات.. كنت أكبرهن.. وكانت حياتي تسير هادئة وادعة.. ومنذ أن دخلت المرحلة المتوسطة .. دخلت على اثرها عالم الأحلام الوردية، وان كان البعض من الناس يحلو لهم ان يطلقوا على احلام من هن في مثل سني أحلام المراهقات، لكوننا ما زلنا في سن الطفولة وآمالنا لا تعدو عن أمان طفولية لا أساس لها من الصحة.. ومع ذلك أنا مع هؤلاء الذين يسمونها كذلك، خصوصاً في بداية هذا السن فاحلام كثيرة والاماني كبيرة، بعضها خيالي وآخر مضحك وبعضها مستحيل.. ولكن الحاجة وقسوة الحياة في احيان كثيرة تجعل منها متنفساً للأزمات تزاحم نفوسنا.
توفي والدي رحمه الله وأنا ما زلت على اعتاب المرحلة الاعدادية.. وبموته فقدنا ينبوع الحنان الكبير، وبحر الحب والأمان، انقلبت حياتنا رأساً على عقب، تملكتنا موجة من الاحساس بالغربة والضياع (زادت احتياجاتنا.. قل المورد المالي لدينا .. بدأت أمي تتبع اسلوب الاقتصاد في كل متطلباتنا ومتطلبات الحياة، أحلامي لأحصل بها على عمل اساعد به في اسرتي، ولاسيما ان أمي كانت تعلق علي آمالها.. حينما وصلت للسنة الثالثة من المرحلة الثانوية كبرت أحلامي .. ونمت آمال أخوتي.. ومضت امنياتهن وطلباتهن تتجلى لي، أمي بدأت تخرج من قوقعة الحزن التي كانت تعيش داخلها الخوف على مستقبلنا من المجهول.. الجميع يتسابقون في ارضائي، وتهيئة الجو لي للمذاكرة وأنا ابذل قصارى جهدي لكي انجح بتفوق.. في فترة امتحانات الدور الأول اصيبت أمي بمرض مفاجئ نتيجة لتعرضها لموجة برد مشبعة بالرطوبة، لأن بيتنا يقع بالقرب من شاطئ البحر، مسؤوليتي كانت كبيرة جداً وشاقة.. فأمي تتطلب رعاية ومساعدة، والبيت يحتاج إلى اشراف وتنظيف .. اخواتي يريدون من يساعدهن في أمورهن ومتابعة مذاكرتهن اما وقت مذاكرتي كان قليلاً.. بالاضافة إلى أن فكري كان مشتتاً.. نجحت والحمد لله ولكن لم أنجح بتفوق كما تمنيت، وبهذا انهار أول أحلامي.
حين علم أخوتي بنجاحي أسرعوا يزفون لي التهاني وهم يحملون الجريدة التي تحمل اسمي.. ومعها طلباتهم وأمانيهم.. قالوا لي مبروك يا سارة هاقد نجحت وتخلصت من المدرسة.. وبعد أسابيع ستصبحين موظفة.. فلا تنسي أن تحققي لنا ما وعدتنا به.. ابتسمت في سعادة امتزجت بالامل وقلت لهم لن انسى ابداً يا أعزائي ما تريدون.. اقترب محمد الصغير ثم قال انا اريد دراجة زرقاء.. في حين طلبت رزان التي
تكبره بعامين قصصاً ملونة.. وأخي الذي يكبرها بعامين طلب أتاري والاكبر منه طلب ساعة يد، اما هدى التي تصغرني فقد تمنت ان اشتري لها قلادة ذهبية حتى لا تكون صديقاتها افضل منها في المدرسة ابتسمت لهم جميعاً وقلت وانا أغالب دموعي كي لا تظهر وقد خنقتني العبرات.. ابشروا بالخير عندما يكرمني الله تعالى واعمل سأشتري لكم كل ما تريدون ومن أول راتب ان شاء الله، جمعت أوراقي الهامة في ملف علاقي اخضر.. وذهبت إلى مكتب التوظيف النسوي للدخول في المسابقة الوظيفية التي يعلن عنها ديوان الخدمة المدنية كل عام .. ولكني فوجئت برفض ملفي للاكتفاء بعدد معين.
كانت مفاجأة مؤلمة بالنسبة لي لم اكن اتوقعها ابداً.. وبهذا انهار حلمي الثاني وتلاشت آمالي.. وسحقت امنيات اخوتي، حمدت الله تعالى الذي لا يحمد على مكروه سواه.. وخرجت والغصة تكتم انفاسي والدموع تحجب الرؤيا عن عيني. وبينما انا في الطريق إلى الباب الخارجي.. خطرت في بالي فكرة.. وان كانت فكرة لا تحقق كل حلمي.. بل جزءاً منه.. لم لا اعمل معلمة في مجال محو الامية.. راقت الفكرة لي بعض الشيء، وعندها تنفست الصعداء وانعش الامل روحي.. وقد قررت ان ارضى بالقليل لتحقيق الامل، قدمت ملفي مرفقاً به طلب العمل في احدى مدارس محو الأمية، في اليوم التالي وقبل ان اسأل عن موعد المقابلة الشخصية.. فوجئت بالمسؤولة تقول لي ان تقديم الطلبات عند المسؤول عن قسم محو الأمية.. ولكن ملفك لن يقبل لان الادارة لم تعد بحاجة إلى معلمات.. لماذا؟ سألتها بجزع.. اجابت بسبب الاكتفاء، حملت خيبتي على كتفي وامتصصت ألمي وقلت لها وانا أقاوم عبراتي شكراً لك على كل حال.
وخرجت وقلبي يحترق وقد هوى قصري الاخير كما هوى
الآخرون.. في البيت سألتني أمي.. مابك يا سارة؟ تبدين على غير ما يرام، كان سؤالها خنجراً مزق قلبي وايقظ جراحي التي حاولت ان اخفيها.. ابتسمت في مرارة.. لا شيء يا أمي، قالت: انا ام واحساس الام لا يكذب قولي لي بصراحة ماذا حدث معك؟
صمت في أسى تابعت.. مابك صامتة؟ قلت بعد أن جمعت كل شجاعتي.. لقد قررت أن أدرس بدلاً من العمل، حتى افضل دخلاً مستقبلاً.
العمل في محو الأمية.. راحت تتفرس في وجهي وانا اداري نظري عنها لكي لا تلتقي عيناي بعينيها .. ولكنها أدركت ما يجول في خاطري، فقالت لم تحصلي على عمل هاه؟ بكيت من الحرقة لم استطع الصبر أكثر من ذلك، لا بأس يا ابنتي كل شيء مكتوب لقد صبرنا كثيراً ونستطيع أن نصبر سنتين أيضاً.
قلت: وأحلام اخوتي وامانيهم، لا عليك انهم ما زالوا صغاراً.. وغدا ينسون، الحمد لله ان التسجيل في الكلية لم ينته بعد، الحمد لله يا أمي.
قدمت أوراقي إلى ادارة الكلية.. لم يتم قبولي كان وقع الخبر علي قوياً.. وكانت آلامي لا تحتمل فلم تعد هناك فرصة أو العمل.
انقضى عام من عمري وانا قابعة في بيتي اصارع آلامي وأبكي حظي العاثر بعد عام قدمت أوراقي من جديد لعل الحظ يحالفني، لم اقبل ايضاً بسبب ضعف مجموعي كبرت خيبة أملي.. زادت مطالب الحياة، وكثرت طلبات اخوتي واحتياجاتهم، وبذلك زاد همي وانتابتني حالة من الخوف واليأس فالجميع يعلقون آمالاً علي، عندما قدمت اوراقي للمرة الثالثة هذا العام صدمت بإرجاع ملفي لأن الكلية قد حددت نسبة خمسة وثمانين بالمائة كحد أدنى للقبول بسبب كثر الخريجات وقد اعطيت الاولوية للخريجات الجدد وحسب التقديرات اسقط في يدي فكرة في حل آخر وهو التسجيل في جامعة خارج منطقتنا، ولكن أمي اعترضت على الفكرة عندما عرضتها عليها قائلة: ان هذه الفكرة ضرب من الجنون، وخرقاً للعادة والتقاليد وانني لو فعلت ذلك أكون قد اتيت عملاً مشيناً في حق الاسرة والمجتمع، فهذا عيب كبير.. الجهل عند بعض العائلات لا يزال يشكل حاجزاً امام التقدم والتطور، لم ادرِ كيف اتصرف لقد سدت في وجهي جميع السبل، لا وظيفة ولا دراسة.. احلامي كلها تلاشت في مهب الريح.
من المسؤول عن ذلك؟ من المسؤول عن انهيار احلامي واحلام اخوتي؟ واحلام الكثيرات غيري؟ خاصة اللاتي لهن ظروف اسرية مثلي، انني اتمنى ان يكون مستقبل اخوتي افضل مني.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|