تصريح من مقاصير التجلي عبدالله بن عبدالرحمن الزيد
|
أعتقد جازماً وزعيماً بأني لا أترصد الساحة الشعبية بكل تفريعاتها ولا أترقب ما يصدر عنها وفيها لأسباب عدة يأتي في مقدمتها سببان كبيران: الأول: أن الغثاء والزبد الذي يذهب جفاءً أكثر من الذي يمكث في الأرض وينفع الناس. والآخر: أن الساحة الشعبية ذاتها إلا ما ندر لم تعد هي الساحة الشعبية المحترمة التي كان يحررها ويشارك فيها أمثال: ناصر بن جريد، وأحمد السعد، ويوسف الحبيب، وبندر الدوخي، وسلطان البادي.. وانما أمست مرتاداً سهلاً لمجموعة من طالبي المال والشهرة ليس من بابها المعتاد حيث تكون من تحصيل الحاصل، ولكن من باب الادعاء والزيف والتطاول ومد اللسان و (التميلح) بما ليس في الحقيقة والجوهر!! وقبل أن يساء فهم ما أقول، وقبل أن يفسر ما سبق بشكل لا يليق، أبادر هنا وأثبت إني كما يعلم جميع من لهم صلة بي لست ضد الأدب الشعبي أو العامي على إطلاقه، فالحكمة التي أنطلق منها هي: أن الأدب الشعبي مثل غيره من الابداعات الإنسانية، فجيده جيد ورديئه رديء، وتلك الحكمة تنطلق كذلك من حكمة أكبر وأكثر شمولية وهي: أن المهم ليس اللغة التي يكتب بها الأدب وإنما المهم أن يكون الأدب المكتوب أدباً حقيقياً متفوقاً واستثنائياً. وتحت مظلة ما سبق أدلف الآن إلى ما دفع بي إلى حيثية هذه اللحظات وهو: أن الساحة الشعبية وبخاصة في هذه الجريدة هللت وكبرت، واحتفلت، وأقامت الدنيا حول حدث عادي جداً لا أرى أن له مدلولاً تكوينياً ولا ثقافياً يستأهل كل هذا الصخب. يمكن اختصار المشكلة.. أو القصة فيما يلي: أن الشاعر الأستاذ (عبدالله السميح) قرأ أو تلقى مداخلةً أو رسالة من أحد أصدقائه الشعبيين وهو في الغربة فرد عليه برسالة وأردفها بقصيدة شعبية، ولأن الشاعر (عبدالله السميح)، بدأ بكتابة القصيدة الشعبية في أول مشروعاته الشعرية، ثم اكتشف أنه قادر وبجدارة على كتابة القصيدة العربية الفصحى، فتنحى عن الكتابة باللهجة الدارجة العامية وأخذ يكتب بالفصحى، لأنهه يمتلك فعلاً آلية الكتابة بالفصحى فسما بنفسه، وارتفع من لغة الأرض إلى لغة السماء والخلود، إلى هنا.. والأمر ليس فيه ما يدعو إلى الاستغراب والانشداه، غير أن الإشكالية تتمثل في شيء لا أعجب ولا أغرب وهو: أن الساحة الشعبية عندما كبرت وهللت وضربت على دفوف الاحتفال وصفت الأستاذ (عبدالله) ب(العائد)، وذلك يعني في منظور تلك الساحة وخاصة في سياق الاحتفاء أنه عاد إلى الحكمة والصواب، وعاد إلى الصحيح وإلى ما ينبغي وكأنه أي الأستاذ عبدالله قد بدل إيمانه وجلده وتكوينه، والعياذ بالله أو ارتكب جرماً أو أمراً جللاً عندما كتب بالفصحى وتخلى عن العامية فهو الآن يعود إلى صوابه.. إلا إذا كان هناك من يستكثر على الأستاذ (عبدالله) كتابة الشعر الفصيح!! ومسألة (عاد) وقضية (العائد) تذكرني حتماً بما حدث قبل سنوات لذلك الفتى الصحفي الذكي (عبدالله سلمان) عندما كتب مقالاً فيه نقد حاد للساحة الثقافية المعاصرة وبعض رموزها فاستلهمت ذلك بعض الصحف المتردية ووصفته ب (العائد من الحداثة) ونفخت في ذلك نفخاً عجيباً دونه نفخ السحرة والكهان! والذي أخشاه أن تتحول إشكالية الشاعر (عبدالله السميح) إلى نوع من المياه الآسنة الراكدة العكرة ليقوم بتحريكها واثارتها نوعيات لا صلة لهم لا بالشعر ولا بالأدب ولا بالفن الحقيقي. هذا جانب من جوانب هذه القضية.. الجانب الآخر: يتمثل وباختصار في تذكير الأستاذ (عبدالله) بأنه ليس هناك أحد أو جهة أو ساحة أو قوة تستطيع أن تصادر منه حقه وقدرته في مجال الكتابة باللهجة الدارجة فهو حر في أن يكتب بالفصحى أو بالعامية أو بهما معاً، غير أني أذكره كذلك بحقيقة لا تضاهي في الوضوح، وبمحصلة لا مثيل لها في الحضور في وجدان الأدب والفن والفنان وهي: أن من أوتي أصل الشيء لا يتركه إلى الفروع، وأن من منح القدرة على الابداع والكتابة بالفصحى فمن الصعب أن يستبدل بها العامية أو الدارجة واستطيع هنا أن أذكر الأستاذ الشاعر (عبدالله) بإحدى القصائد لواحد من عباقرة الابداع الفصيح التي مطلعها:
أتريدين إذ وجدت العشيقا | أتريدين أن أكون صديقا؟ |
والشاهد فيهما البيت الذي يقول: |
سيداً كنتُ في مقاصير حبي | ومن الصعب أن أصير رقيقا! |
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|