أثر خفيف الغربان تحوم على الشفا علي العمري
|
«1»
أخطرُ ما في الكتابة آثارُها النرْجَسيَّةُ على الذات، فالكتابةُ في العُمْق ضَرْبٌ من النِّقْمة لا يُحدُّ، شكل باطن للألم، الرُّمْحُ الذي لن يصل العالمَ ما لم يَخْترق الذاتَ أولاً.
«2»
لماذا كلما تعود من غُرْبة إلى مكانك الأول، لا تجد المكان الذي لا يزال غائماً في الرأس، لماذا انتفت العلاقة بين الواقع والحلم، بين الروح والحجر، لماذا المكان صار هشيماً، صار الصِّيْتَ يرنُّ فاسداً في آخر الصحراء؟!
«3»
القرية: رياحٌ تتخبَّطُ في الوديان، ديك بصوت مبحوح يصيح، نباحٌ يتقطَّع في البُعد، تلك بعض موسيقى الليل القروي.
«4»
اللحظة في الجبال ليست ذاتها في الصحراء، هنا الكثافة والضيق، هناك الشساعة والخواء، ويبرز الفارق أكبرَ في الصمت، فالمتأمل في الجبال يشارك كائنات أخرى صمتها، أما في الصحراء فامتحان حقيقي للحواس، أمام الشساعة وأمام فراغ العين وخلاء القدم.
«5»
في السهرة القرويَّة، آن تَنْقدح الذكريات ويستوي الرُّعاة القدامى في عربات الحكاية، يستهل الجالسون الكلام بمناقب الأموات والرَّحمة على الهالكين، ثم ينزلقون سريعاً في اعترافاهم ومغامراتهم مازجين الحَكيَ بالسخرية، والفُكاهةُ تَنْفض أجسادهم من جهامة الآني، يتعمَّقون في المسارب، عن الذئاب وتربُّصها الأبدي بأغنامهم، عن النساء، وصراع الآباء، عن وفاء الكلاب، هكذا تغور السهرة عميقاً في أماكن وشخوص وحكايات لا تُحصى، قبل يعودون دائخين، مُسْتعيذين من الشيطان، ومتطيِّرين من كثرة الضحك.
«6»
هذا العصْرُ للغربان وحدها، كانزة الحكمة، تحوم على الشفا، كأنما تحرس تهامة في سكونها العظيم.
«7»
الحطاب وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة عند الفجر، اسلم الفأس لوريثه الوحيد مُتضرِّعاً ألا يتركه وفي هذه الأرض جذع.
«8»
فقدان، عشوائية، فقر في الروح وفي الجسد، تحولات سيئة المعنى، جنوب لم يعد جنوباً لأي شيء.
«9»
في مسألة تحمِّل اللحظة الآنية على مستوى الذي تتصوره الفكرة مأزقاً، تحتاج بعد كسر الاكتراث إلى حالة الموات اللازمة لتلقين الجسد مهمة اللاشيء، ألا تنظر بأكثر من عين مهملة تُدفِّق ماءها على آخر لا يوجد في تموضعه الصلب من الذات محل معنى، أن تكون أنت حياله الهباء، أو الضباب الشفيف الذي يتخلَّل المادة، يجب أن تنشغل برصاصة الجند التي باغتتك قبل هنيهة في حلم الظهيرة، آن كُسِرَ ظهرُك، وتُركتَ مدعوساً تحت الأحذية الغليظة، لأنك دائماً تعبر خطأً حتى في الحلم.
«10»
هل يخطئ جان جاك روسو عندما يرى في طبيعة الإنسان الريفي الشكلَ الأكثر نقاءً وفطرية والتي لم تتلوَّث بأخلاقيات وقيم المدن؟
alialamari2000@yahoo.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|