الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th February,2006 العدد : 140

الأثنين 14 ,محرم 1427

الناقد.. ومدرس الأدب
*عبدالله السمطي
يحفظ مقتطفات من الجاحظ عن ظهر قلب، ويعرف من أقواله الشهيرة : (المعاني مطروحة في الطريق)، ويستظهر مقولات بلاغية من أبي عمر بن العلاء حتى السكاكي، مرورا بابن طباطبا، وقدامة، والآمدي، وابن جني، والجرجاني، وحازم، وغيرهم، ويتذكر النسق البلاغي الثلاثي في كل حادثة أدبية أو شعرية: المعاني، والبيان، والبديع، ويقرأ كل حالة شعرية على أنها لا تخرج عن النظام الثلاثي للتعبير البلاغي: المجاز، والاستعارة والكناية.. هكذا تعلم، هكذا درس، هكذا نجح وعين بالجامعة وتدرج في قسم اللغة العربية حتى وصل إلى درجة الأستاذية.. هذا هو النموذج المتكرر في جل أقسام اللغة العربية بجامعاتنا العربية. (مدرس أدب) من الطراز الأول يقوم بالحفظ والاستظهار وتكرار النموذج البلاغي المحفوظ في مواجهة النص الأدبي، ولا ضير أن يتعرف مسايرة للعصر على بعض النظريات الغربية فيحاكي محاكاة أرسطو، ويلتحم مع الكلاسيكية، ويجول مع خيالات الرومانتيكيين وأحلامهم، ومع التزام الواقعية وأيديولوجيا الفن، ويتلبس مسوح نقد الحداثة وما بعدها باحثاً هنا أو هناك عن متبوع غربي يردد مقولاته عن ظهر قلب، فهو بارتي أحياناً، أو ديريدي، أو فوكوي، أو كريستيفي، أو جاكبسوني، أو سوسيري، أو زيمي، أو جولدماني، أو ريفاتيري، أو إيكوي... إلخ القائمة التي قد تجعل من صاحبها ناقداً عالمياً.
هكذا يتصور مدرس الأدب أنه عليم بالأدب والفن والنظرية، وأن تردده بين القديم والجديد يجعله يمتلك الحسنيين معاً.
وبالتالي يمتلك القدرة على قراءة النص الإبداعي، ويصبح مثلا (الترميز) هو هو الترميز بحذافيره، و(الانحراف (هو هو، و(التناص) هو هو التناص بمفاهيمه الوارد بها دون تحكيك أو تطوير أو اقتراح أو تغيير، وبذلك ينتج ببراعة قراءة نقدية جامدة، ميتة لا حراك فيها ولا أثر لأنها لا تفعل شيئاً سوى ترديد المقولات والمفاهيم حيال النص الإبداعي.
ما يفعله مدرس الأدب بذلك هو جريمة ثقافية في الدرجة الأولى، لأنه يطمس روح النص الإبداعي العربي وحركيته، يسعى للجمه، وقولبته دون اكتشاف بنيته المتحركة المتطورة، لهذا لا نتعجب حين يفر مدرس الأدب إلى وصف النصوص الجديدة بالإبهام والغموض والغرابة لأنها لم تنطبق على ما استظهره أو حفظه أو درسه.
مدرس الأدب وآسف للتعبير هو البلوى الكبرى التي ابتليت بها الذهنية الإبداعية العربية خاصة إذا أيقن أنه ناقد أدبي، وصدق في نفسه هذا اليقين!! مدرس الأدب حالة تعليمية تلقينية هشة في أكاديمياتنا العربية، وذات يوم كان يدرس لي أحدهم (مع أنه حصل على الدكتوراة من بريطانيا) مادة الأدب العربي بالجامعة، وكانت مؤلفاته تحمل هذه العناوين: الشعر الإسلامي تحليل وتذوق، الشعر الأموي: تحليل وتذوق، الشعر العباسي: تحليل وتذوق، الشعر الأندلسي: تحليل وتذوق، ولما تبرمت من هذه المؤلفات المقررة علينا، قال لي: اسكت وإلا ألفت عنك كتاباً سميته: شعر عبدالله السمطي الرديء: تحليل وتذوق!!
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved