الغربال أ.د. عبدالله بن محمد أبو داهش
|
قال مالك بن حريم الهمداني:
أنبئت والأيام ذات تجارب
وتبدي لك الأيام ما أنت تعلم
بأن ثراء المال ينفع ربه
ويثني عليه الحمد وهو مذمم
وأن قليل المال للمرء مفسد
يحز كما حزّ القطيع المجرسم
يرى درجات المجد لا يستطيعها
ويقعد وسط القوم لا يتكلم(1)
قلت: انظر إلى البيت الأخير، وستجد صورة حقيقية لهذا المعدم المحتاج، هو إنسان يحسّ كما يحسّ غيره، يحب مكارم الأخلاق، ويرغب في علو المعاني، واستقامة النهج، ولكنه لا يجد الأسباب. قليل ذات اليد، فقير معوز، والمقام يحتاج إلى متاع ينهض في رحابه بما يريد، والله سبحانه هو الذي يرزق من يشاء، فلا مشاحة ولا اعتراض.
ألا ترى الألفاظ في هذا البيت نفسه، وهي تحمل المعنى وتؤديه، انظر إليها وهي تستجمع المعنى لتحقق المحصلة التي نعرفها جميعاً في مجتمعاتنا، ونعرف أصحابها، ولكنها لا تبخسهم حقوقهم، فلربما سمت أنفسهم الكريمة ذوات الخصال الحميدة على هذا الواقع الاجتماعي المعروف فترفعه، فالشمائل الرفيعة، والخلال السامية تدفن هذا العوز، وتلغيه، ومن حق المجتمع أن ينمي هذه المروءة ولا يلتفت إلى سواها..
نعم هذه ألفاظ: (يرى)، (درجات المجد) (يقعد) (لا يتكلم) تكون هذه الصورة الاجتماعية والفنية بما يجعل القارئ يتعاطف مع أصحابها، وهي في ذات الوقت نفسها تدعو للشفقة والاحترام معاً علّ من يدركها يحترمها ولا يبخس صاحبها حقه.
الحواشي:
(1) المرزباني، (معجم الشعراء) 357، 358
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|