همس اللوحة
|
من بين ما تثيره هذه اللوحة «الجيران الطيبون» من تداعٍ للخواطر لمن يتأملها الجار ومكانته، وذكريات الجيران وأهل الحي في السنين الخوالي، وذلك الحنين الجارف إلى ما فيها من بساطة وعفوية وألفة بين أهل الحي من جهة وبينهم والحي من جهة أخرى، حتى داهمتهم عواصف التغيير على حين غرة قوية هوجاء، اقتلعت في طريقها تلك البساطة والعفوية في طرق حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، ولعل أول عاصفة شهدتها المجتمعات الخليجية ومنها المجتمع السعودي، هي الطفرة الاقتصادية والعمرانية وما يهمنا هنا بالذات الطفرة العمرانية فلم تأت عملية التطوير العمراني رغم ايجابياتها متدرجة ومراعية للحاجات والخصائص الاجتماعية للمجتمع السعودي والخليجي بشكل عام، فتخطيط الأحياء السكنية لم يأخذ بالمعايير النفسية والاجتماعية والثقافية للسكان، بل ان الأحياء السكنية التي منها تتشكل المدن لم تأخذ طابعاً وهوية عمرانية لها صلة بحضارة المجتمع الشرقية الإسلامية. فقد جاء تشكيل تلك الأحياء خطوطا متقاطعة لمنازل وشوارع، بحيث أصبحت الأولوية للسيارات تمر من خلال هذه التجمعات السكانية من جميع الجهات. لم نعد نرى الحي بالمعنى الاجتماعي المعروف، حيث يكون هناك مدخل ومخرج للحي ومعظم ممراته الداخلية للمشاة دون السيارات، مع مراعاة المساحات الخضراء والانارة الهادئة، إلى جانب مركز خدمي واجتماعي لأهل الحي، حتى يشعر أهل الحي بالأمان النفسي والاجتماعي وتعود تلك الحميمية إلى الأحياء فيسهم ذلك في عودة الحميمية إلى أهل الحي والجيران المتجاورين، ولا أقول إن التخطيط العمراني هو المسؤول الأول عن وهن العلاقات بين الجيران، إذ إن النفوس أيضاً أصابها ما أصابها من التغير، لكن ذلك ليس بالسبب الوحيد بل هو أحدها، ومن الظلم تحميل الجهات الحكومية مسؤولية ذلك وحدها إذ إن الحكومات في كل الدول لا تستطيع عمل كل شيء، فالمسؤولية بالذات في هذه الفترة على أصحاب المشاريع العقارية، ليتحلوا بالحس الاجتماعي قبل التجاري في تخطيط الأحياء السكنية. هذه بعض من الخواطر التي أثارتها هذه اللوحة التي أبدعها الفنان جون وتر هاوس عام 1885م وهذا هو سر الإبداع والعبقرية الفنية ان يثير فيك عمل فني كهذا فيضاً من الخواطر والرؤى، لأنها تحمل رسالة واضحة المعاني، سامية الأهداف، وهذا هو الفن الراقي وإلا فلا.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|