قصة قصيرة
المجنون
|
عند الغروب على صدر الشفق.. ييمم وجه نحو الحقول.. يسير وسط البيادر.. يقف امام شجرة طويلة يتأملها كأنه يبحث عن شيء اضاعه.. عشرون عاما على هذا الحال.. رجل في حقبة الاربعين عيناه جاحظتان وشعره كث كثيف وذقنه مسترسل غزاه المشيب تبدو ملامح الوسامة في وجهه الكئيب اخفقتها عوامل السنين.
فوق التل هناك من يرتقب مجيئه كل يوم.. يتساءل احدهم بصوت خافت أهذا الرجل لا يكل ولا يمل من هذا الحال؟.. فيجيبه صوت غليظ يتقطع عند خروجه انه الحب يا بني أولم تحب بعد؟ تعال واسند لي فسنين قد اهلكتني واسمع قصة هذا الرجل ولا تقل شيخاً خرف اصبح يهرف بما لا يعرف فلدي ذاكرة تذكر يوم مولدك.
كان هذا الرجل يحب فتاة من الحي لم يتجاوز عمرها ذاك الوقت الثامنة عشر بعد.. احبها اكثر من حبه لنفسه.. كانا يجلسان تحت ظلال تلك الشجرة فيسند ظهره على الجذع وهي تسند رأسها على كتفه وخصلات شعرها تتطاير مع النسمة.. يجمعان الورد من الحقول .. يتقافزان فرحا مع هطول المطر تمتزج الدمعة مع القطرة.. لم تمهلهم الدنيا فكبر الولد وكبرت الفتاة، وفي يوم ما قرر الولد السفر لجمع المال فحزنت الفتاة على ذلك حزنا شديدا كادت ان تموت فعاهدها على الوفاء الدائم وبأنه سيعود قريبا.. رحل فطالت الغربة وحبيبته تنتظره مع لحظات الغروب.. عاد بعد مضي الكثير، عاد محملا بالنقود والهدايا.. عاد بحب ازداد مع سنين الغربة.. ولكنها لم تكن باستقباله فذهب يبحث عنها يسأل الناس، يسأل النسيم وقطرات المطر يسأل ظلال الشجرة والورود في الحقول.. فعرف بأنها رحلت كما رحل هو وبأن رحلتها ستطول.. منذ ذاك اليوم وهو هايم على وجهه، ينتظرها مع سويعات الاصيل.. ينتظر عودتها.. فهل سيعود من رحل الى البعيد.
أحمد حسن الشيبة
shybah@arabia.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
