حيَّا الله «حايل» كلها في شخص ابنها عبدالرحمن المعمر*
|
لا أتذكر الآن ولا أدري كيف عرفت أو تعرفت على الصديق العزيز أبا عبدالعزيز فهد العلي العريفي، إن معرفتي له تمت وجاءت مثل نسائم الربيع وروحه وريحانه، لا تدري من أين أتت إليك؟ ولا أدري كيف هبت عليك،.. نعم أيها الأحباب، وأنا أشاطركم اليوم في تكريم هذا الإنسان الذي يتصف بمزايا وصفات قد تبدو في هذا الزمان من الغرائب والأعاجيب. كنت أزوره في داره القديمة في حي سكني بين منطقة الشميسي والخزان، أو هكذا كان، تلك الدار كانت أشبه «بمضافة» أو محطة استقبال أو نزل وخان مسافرين للقادمين، والظاعنين من حايل ومن حولها، أو للضيوف العابرين عبر الرياض يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله. كان يهتم بكل قادم، ويسعى مع كل محتاج، ويشفع ما استطاع إلى ذلك سبيلا.. وهذه خصلة وسجية في أكثر من عرفت من أهل حايل الكرام وبلاد الجبلين، ومنازل طي وتميم ومن حل بها أو حام حولها تَعدِيِه معاشرة أهلها فيستشري به ما بهم من جود وكرم. من تلقى منهم ثقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يهدي بها الساري كان يلتقي عنده، ويتسامر لديه في ليالي الشتاء، طائفة من الأدباء ورهط غير مفسد من الرواة وحفاظ السير وشعر القصص والقصائد الشعبية، وكنت أسمع منه ومنهم حكايات فيها عبر وعبرات، تدور حول حياة الذين هجروا ديارهم وهاجروا عن أوطانهم في سبيل طلب الرزق والسعي في الأرض ابتغاء مغانم وسعة أو ستر وكفاف ودعة، وقد رجوتهم ان يدونوا هذه الذكريات ويحفظوا تلك المعلومات في السطور، حتى لا تضيع معهم في الصدور، أو تحرف من بعدهم ويساء فهمها أو يأتي من يؤول مقاصدها عمداً ليفسرها بضدها قصداً ويسيء إلى أهلها في تأويل أهدافها النبيلة، فهل فعلوا؟! يقول غازي القصيبي: «الويل لك إذا تعرفت على أديب أو شاعر خارج تأليفه وكتاباته». وأنا أعقب: هذا كلام فيه قدر كبير من الصحة وشيء من صدق كثير، لكن أدباء حايل وشعراءها والأجواد من رجالها وأهلها، هم الشذوذ الذي يؤكد القاعدة ولا ينفيها، فطوبى لمن عرفهم وحسن مآب. فهد العريفي، يا إخوان، ليس من كبار الموسرين، ولكنه من أكثر الميسرين لفعل الخيرات ودفن الخصومات، فقد سعى لدعم الجمعيات الخيرية في حايل ورفدها ومدها، واجتهد لإقامة مركز للمسنين بالمنطقة، وبذل الكثير من وقته وصحته، ومع كل هذا لا يحب أن يذكر او يسجل انه سعى أو شفع أو تبرع أو جمع، فما قولكم؟ فهد العريفي لم يتاجر بماضيه السياسي رغم صعوبة ظروفه سابقاً، ولم يستغل ذلك لجلب مغانم أو دفع مغارم، «كما فعل الآخرون عندنا ويفعلون»، حتى إذا مرض واعتل وأدخل المستشفى اخفى ذلك حتى لا يشق على المحبين والأصدقاء ويكلفهم عناء عيادته وتعب زيارته، وهذه من شيم النبلاء والكبار الذين يثقون في أنفسهم ولا يسيئون الظن في اخوانهم.
إن الكريم ليخفي عنك علته | حتى تراه صحيحاً وهو مجهود |
فهد العريفي لا يركض وراء بعض المطالب والمنافع الذاتية يعض ثوبه ويجري هنا وهناك، وعند هذا وذاك، لطلب العضوية والمناصب الشرفية، يحبو ويتزلف لهدف شخصي يعود عليه فقط بالمكاسب العاجلة ولعاعات الحياة الدنيا، ومع هذا فقد سعت إليه وجاءت منقادة، فاختير عضواً في مجلس منطقة حايل، فاعتذر برفق واستعفى بترفق، وابتعد بكبرياء لا تكبر، لأنه يعرف سلفاً كيف تدار الأمور خلف السور، وكيف تدور الدوائر في الخفاء «يا أمان الخائفين»!!. | فهد العريفي يتصف، مثل اكثر أهل حايل وبلاد الجبلين، بالسماحة والوفاء، والبذل والسخاء والصدق مع الذات، وعدم التقلب والثبات، وهذا عندي من أسباب عدم وجود تجار كبار وأثرياء ضخام جسام يشار إليهم مثل غيرهم في بقية المناطق والاقاليم، ذلك لأن طبيعة الناس في تلك الديار ومن حولها وطبع الحياة ومناخها طبعت مجتمع حايل وصيرته مجتمع جود وبذل لا مجتمع أخذ وبخل، ومجتمع تحمل وتجمل لا مجتمع سخط وتململ، فلله درهم من رجال! وكان عوناً لهم على كل حال! وسقى ديارهم المزن والغيث الهطال! |
هذي الديار التي يحمى النزيل بها | نعم الديار ونعم الأهل والجار |
منذ أيام الشباب واليفاعة كنت أسمع وأعي انه كلما اتجهت شمالاً انفسحت لك الأرض، واتسعت حولك الرؤية، ووضحت أمامك الشخصية، لذلك يغلب على أهل تلك الأصقاع ومن حولهم من البقاع الصراحة والعفوية والوضوح في الشخصية والتلقائية في التعامل، لأنهم قوم لا يتقنون فن التلون والختل، والخداع والمكر، فتجد أكثرهم لا يجيدون بشطارة ومهارة لؤم البغاة أو تقليب كلام الرواة، لهذا بقي أكثر الناس هناك لا يحذقون تصريف البضاعة ومكر الباعة، وحتى لو حاول الحايلي الشريف ان يتحايل ويتخابث، فإنه سرعان ما ينكشف ويخفق لأن شماليته وشمائله تنسيه الإمساك بأهم شروط حبال التلاعب وقانون اتقان اللعبة، وهذا الخلق والسجية صفة للفرسان، والشجعان من أبطال الشمال الذين يواجهون الخصم، ويجابهونه من الأمام، لا الغدر من خلف الظهر «كبار يا أهل حايل». | ليت الصديق العزيز فهداً ينهض للتأليف والتدوين، ولا يكتفي بكتابة مقدمات أو شرح شواهد وعبارات وردت أو ترد في بعض القصص والقصائد، فقد سمعت منه منذ سنين روايات عن شخصيات مكافحة شريفة عفيفة خرجت من حايل وانتشرت في أقطار مجاورة، وانقطعت اخبارها أو حرفت بعض سيرها وأسرارها لأغراض شخصية وأمراض نفسية، ومع هذا لا اخفي الاعجاب الكبير فيما ينشره نجله الأديب الشاعر الرواية الأخ احمد فهد العريفي. | بمناسبة الحديث عن ترفع أكثر رجال حايل، ومن حولهم وشمم معاطسهم وحسن شمائلهم، وبعدهم عن السخف والتبذل والتدني والدناءة والهذر والبذاءة، فقد لاحظت، وشاركني الكثير في ذلك، بأن الناس في ديار حاتم ومنازل طي وتميم كبار بلا تكبر، واغنياء بلا مال، وأثرياء بلا ثروة، ووجهاء بلا مناصب، وقد تناقشت مع بعض الإخوان ممن عرفوا فقه الحياة وحياة الواقع هناك وعبقرية المكان وطبع المكين فردوا هذا وعزوه إلى أن أكثر سكان تلك الديار المباركة غناه من معيشته، وتصرفه على سليقته، وصراحته على طريقته، بينما بعض الآخرين في مناطق أخر من بلادنا مع الأسف يستمد مجده من سواه، وغناه من غيره، فيصول على الناس بسيف المعز وذهبه، ويستطيل على البشر بجاه مولاه وسيده. وبعد، أيها الإخوان، هذه شذرات وخواطر خطرت على البال وما كانت بحسبان، أسوقها الآن في مقام التكريم والتقديم للصديق الوفي أبي عبدالعزيز فهد العلي، مع الاعتذار له ولكم، فلا استطيع أن أقول في كلمات ما يجب أن يقال عن هذا الرجل الصامت في صفحات. |
| * من عصبة الأدباء |
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|