الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th August,2003 العدد : 24

الأثنين 13 ,جمادى الثانية 1424

استراحة داخل صومعة الفكر (2/3)
سعد البواردي
أغاني العاشقين
محمد التهامي
174 صفحة من القطع الصغير
ان ذلك اجدى من كل هذه التهومات والتأوهاته.. والتساؤلات التي لا توصل إلى نتيجة.. التهامي» لكثرة ما يحلم أصيب رأسه بالدوار إلى درجة الدوامة.. وحتى لا تحرقنا دوامة موجه ننتقل نحو محطة أخرى لعلها أكثر هدوءاً وأكبر اشباعاً للنفس وبالطبع لن تكون هذه المحطة عشق أوهام فقد اشبعتنا الأوهام عشقاً سرابياً يحسبه الظمآن ماء فما يجد.. مع الطيف اللطيف الذي سيذكره:
«سأذكرها إذا ذكرت. وأذكرها إذا نسيت..
في ذكري لها ثمن.. أوفيها بما دفعت»
على قدر خطوات الأحباب يأتي الحساب.. هكذا يتعامل التهامي مع محبوبته يذكرها في كلتا حالتي التذكر والنسيان عملاً بالقاعدة على قدر ما تعطي تأخذ.. جميل أن يأتي الحب مناصفة بين قلبين في معادلة عادلة.. ولكن من يقوى عليهما عملياً على أرضية الواقع.. الشعر وحده لا يكفي.. إلا أن شاعرنا يؤكد موقفه من جديد في مقطوعته خذي، وهاتي».. أي شيء أخذته.. وأي شيء أعطته..؟ هل جاء متوازناً؟
خذي كل الذي ملكت يدي
وردي عقلي الباقي إليّ
فهل ترضين أن أحيا حياتي
ولا أدري عن الأشياء شياً؟!
وان أحيا. ويحيا الناس حولي
كأني في حماهم لست.. حيا؟!»
بهذا الكم الهائل من الاسراف في العطاء قدم شاعرنا كل شيء.. حتى عقله وهبه لها لحظة غفلة أو استغفال.. وراح يناشدها في خطاب نشيده اعادته إليه كي يبصر الأشياء من حوله.. ان يعود حياً كسائر الأحياء.. هل هذا معقول يا صديقي الغالي؟ إذا هي استلبت منك عقلك طوعاً أو كرهاً.. كرماً أو ضعفاً.. فبأي عقل لا تملكه.. وبأية بصيرة لا تبصر بها خاطبتها.. أظن في هذا الكثير الكثير من الاغراق في خيال ضارب في متاهاته.. نعم القصيدة موحية بمفرداتها.. رومانسية إلى درجة الحلم المكنف بكل أوجاعه.. إلا أن مساحة التصور في فضاءاتها تجاوزت حدود المقبول إلى درجة الاتهام بجنون الحب.. وهو ما لا ارتضيه لشعر شاعر تملك ناصية واقعية الشعر.. ووقع الشعور الذي لا يؤمن بالجموح ولا بالجنوح..
الحب المستحيل» رسمته ريشة شاعرنا في لوحة بانورامية قزحية الألوان.. اجتزئ منها بعض أبيات:
«سيرى قد اختلف الطريق.. وفاتني
فلعلني أنسى العذاب.. لعلني.
قد عشت في ظل السراب فما ثوى
وانساب من كف الرياح.. وخانني»
مفردة خانني» معبرة.. إلا أن الأكثر تعبيراً لو ان شطره جاء على النحو التالي وانساب من كف الرياح. وملَّني» وفي نهاية المطاف يأتي القطاف مر المذاق كما هي العادة:
«لم أجن الا حيرة مجنونة
تعلو وترعش خافقي.. وتثيرني»
حتى تثيرني» وهي صحيحة.. ربما تهمني» أو تغمني» ألصق بجنون الحيرة الذي ارتعش خاطره على وقعه.. يبدو من متابعتنا للرحلة الشعرية أن شاعرنا التهامي حدد له مساراً لا يكاد يتجاوزه.. وسوراً لا يرغب اختراقه.. الأحلام لديه مكسرة القوارب والمجاديف.. دائماً ترتطم بأمواج الحياة العاتية دون أن توصل إلى مرافئ الأمان.. لا وجود إلاما ندر في ديوانه أغاني العاشقين» لأغنية تجمع بين قلبين دون صراع أو وداع.. لعله اختار عن رغبة هذا الجانب السلبي من الحياة وقد استمد رؤيته من المواقع المعاش في حياة الكثيرين.. إلا أن للحب أيضاً صومعته التي تجمع ولا تفرق.. ومن حقنا عليه ألا يهمل نصف الكأس الملآن بعد أن أعطى لنا نصفه الفارغ.
حديث العمر» محطة جديدة أجهدنا السير للوصول إليها.. عن ماذا تتحدث؟!
«ظمئت إلى الحديث فحدثيني
وهاتي بعض ما جهلت سنيني
فقد حجب الزمان السر عني
فجن لما انطوى عني جنوني
أعيش مع الحياة كما أراها
وأحسبها كما كشفت عيوني»
هذا ما حسبته آنفاً وأنا أعاني من يأس حبه.. ويأس حياته التي رسمها ظلالا قاتمة في جوار لوحته بدايتها وهم ونهايتها هم.. انه يرى الحياة كما هي سوداوية اللون.. رمادية الملامح.. تبدأ بالعذاب.. وتنتهي بالاغتراب إلى منفى العاشقين الذين خذلتهم تجاربهم.. وخانتهم حظوظهم.. حسناً أدركنا لمثل الحزن في شعرك.. والبسمة التي ترسم ملامحها على وجهك كل ما التقيتك..
«وأصحو فالذي حولي يباب
تذوب على قساوته ظنوني
كأني قد حملت الشعر نوراً
إلى خلق يعيش بلا عيون»
سأعود» كثيراً ما يعود شاعرنا إلى هواجسه يقارعها ويصارعها وتنتهي المقارعة والمصارعة برفع الراية البيضاء من جانبه لأن الخصم عنده زمن.. ولأن الشكوى عنده مزمنة.. وتلك اشكالية التي لا ينفك من أسرها وقيودها مهما حاول.. مثل مثل معظم الشعراء الذين يستوحون أفكارهم وينتزعونها من حياة الناس المليئة بالصخب والتعب والوجع.. حتى العيد الذي ماتت أفراحه، أو تجمدت في شفاه الناس كان له معه هذا التساؤل: وكأنما يردد في ألم وحسرة ما قاله أبو الطيب المتنبي: عيد بأية حال عدت يا عيد».. انه يتساءل ويطرح نفس السؤال:
«أعيد؟ وأين العيد.. أين دلائله؟
أريني عيدي يا حياة أسائله؟!
ومالونه البراق في عين مبصر
ظلام بها الأبصار مهما تحاوله؟
وما يومه الموعود في دهر واهم
يعيش على الأوهام. والوهم قاتله؟»
أسئلة تنطوي على اجابات لاتحتمل التفكير ولا التأمل.. هكذا الأعياد ليس لها من واقعها إلا الاسم.. ومن مضامينها ومحتواها إلا الرسم لأن العيد شباب في الروح.. وعنفوان في الإرادة.. وعنوان كرامة وحياة.. بدونها لا أعياد ولا يحزنون.
نترك لشاعرنا حلمه فقد عرفناه دائماً مهيض الجناح مهما اختلفت العناوين: المضامين واحدة لا يتسع المجال لتكرارها.. نتجاوزها إلى أسرار جماله».. وهل هناك أسرار خاصة به لم نستكشفها بعد؟!
«خطرات تثور في وجداني
وحياة تمردت في كياني
ووجود مقيد في تراب
يتعدى مدى التراب الفاني»
ذلك يظهر الأشياء على حقيقتها دون رتوش ولا طلاء مزيف، الجماليات الكونية ليست خيوطاً فحسب.. وإنما هي أخلاق.. وسلوك وممارسة تذوب فيها حياة البشر صفاء وارتقاء بدلالاتها ومعانيها.
«ان يقولوا الدهور فهي زماني
أو يقولوا النجوم فهي مكاني»
ارتقاء بالفهم.. وسمو بالعلم والمعرفة.. تلك هي أسرار جمال عالمنا التي لم نكتشفها في واقعنا بعد لأننا مشغولون بطوباويتنا الضيقة..
الواقع والحلم» قُتل بحثاً.. ونحن والربيع» على نقيض.. الربيع يزهر ونحن ندوس زهوره بأقدامنا لا بإقدامنا.. وشعراء الجمال» يقولون عادة ما لا يفعلون.. وربيع بلا آخر» لا وجود له إلا في مخيلة شاعرنا المتفائلة.. الخريف مرادف للربيع لا ينفصل عنه ولا يهب له فسحة من زمن كي تبتسم زهوره وإنما يعالجه بقبضته التي لا ترحم.. لهذا يتساءل شاعرنا عن الربيع لقد عرفنا به في أكثر من موقف.. عرفناه أملاً. وعملا. وحبا. ومشاركة وإيثارا.. حتى الحب الحائر» حكى لنا عنه كتجربة بدايتها الحيرة. ونهايتها الهروب إن لم يكن الاستسلام في أبشع حالاته.. من معاناتنا كبشر إلى عالم قريب منا.. عالم الطير الغريب:
«يا طائري لا تنطلق.. أخاف من أن تحترق
أخاف ومضة الشهاب
في مجاهل الأفق»
كان هذا في الماضي.. خشية اليوم ليست من الشهب وإنما من سحب الطائرات النفاثة.. والصواريخ العابرة للقارات. ودخان حرائق الحرب التي تملأ الفضاء اختناقاً.. وكتما للأنفاس.. ويبدو من سياق قصيدته ان طيره ساذج:
«وطائري هذا البريء
يستريح للملق
وعيبه في أنه
في كل من يلقى يثق
يا ويله إذا الجنا
ح في شباكهم علق»
من قال له ان يكون مغفلاً؟ القانون لا يحمي المغفلين.. وإنما يحمي الذين يستغفلون المغفلين..!!

++

يتبع

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved