الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th November,2003 العدد : 36

الأثنين 15 ,رمضان 1424

نص
عودة الطائر
عبدالله بن علي السعد
عودة الطائر
اليوم الخميس.. الساعة العاشرة ليلاً.
قطرات المطر تلمع تحت أضواء المصابيح العتيقة.. وقلب منكسر يسير وحيداً.. يعبر فوق الجسر الخشبي ويقف لينظر للنهر ويتأمل.. القمر يتكسر على الأمواج والمطر يفسد سكون الماء.. وتحت قطرات العاصفة الوليدة يمضي يتجرع همومه.
هل كان يتوقع أن يرحل عنه الجميع إذا كبر ليتركوه يواجه الحياة وحده في سني شيخوخته؟
.. هل تصور أن قلوب من وهبهم قلبه ستقسو عليه وتتخلى عنه وقت حاجته؟.. هل خطر على باله أنه سيعود وحيداً بعد أن كان لديه بيت وأسرة؟
أفاق من تأملاته على صدى خطوات تعبر الجسر.. لم يلتفت إلى القادم.. وتلاشت الخطوات مع قطرات المطر.. وعاد إلى تأمله.. السكون والحنين وضوء مصباح يتمايل ليشعره بالوحشة أكثر.. في هذه البقعة البعيدة عن المدينة، ترك مكانه على الجسر وتوجه إلى الغابة.
.. هناك حيث قرر أن يقضي بقية أيامه في هذه الحياة حيث لا أحد سيرافقه في بقية أيامه.
بدأ يعتاد على حياته الجديدة.. خروف ونعجة.. وبعض الدجاجات التي توفر له البيض.. وكلب حراسة قوي ووفي.. ومنزل صغير في وسط مساحة خضراء.. يمر بجوارها جدول صغير يوفر له حاجته من الماء.. وأشجار متناثرة تعزل المنطقة زيادة.. وكأنها تساعد الرجل في بعده عن الناس وبقائه وحيداً..
أوه لماذا تنبح يا قمر؟ ماذا وجدت هناك؟.. وجرى حيث وقف كلبه يتأمل في الأرض ويشم كأنه يريد لفت الانتباه لشيء.
أوه.. هذا جميل.. طائر جريح.
رفع الرجل الطائر الخائف.. وتأمل في جناحه.. إنه مكسور. لنحاول أن نعمل شيئا من أجله.. يبدو لي أنه قوي وهذا سيساعد على شفائه.
توجها الى المنزل الصغير وبدأ في عمل جبيرة لطائره. والآن يا صغيري.. سأسميك «غريب».. وسيكون هذا الاسم لك ما دمت ضيفي في هذا المكان.. ثم أدار ظهره والتفت.. ولكنه عاد إلى الطائر وهمس بحزن.. بل أنا ضيفك.. أنت صاحب المكان الأصلي.. أما أنا.. وترفرف دمعة مسحها بكمه.. وخرج من المنزل.
هيال يا قمر.. لا بد أن ننهي واجابتنا هذا اليوم.. لا تخف على «غريب» سيكون بخير.
الأيام تمضي سريعة.. و«غريب» يتماثل للشفاء في تقدم ملحوظ.
والآن يا صغيري.. يمكنك أن تطير خارج المنزل.. وستعود إلى عالمك الفضائي الواسع.
تعال يا قمر سنودع صديقنا.. وجرى الكلب خلفه وهو يثب فرحاً.
وفي وسط الباحة المحيطة بالمنزل وقف الرجل ومعه الطائر.. وبسط كفه.. وابتسم وهو يشير للطائر المحلّق.
الحمى تشتد.. والليل يطول.. وهذه الغربة لا ترحم ضعفه.. وقمر قريبا من صاحبه يئن لأنينه.. ويقترب ليدفئه بجسمه في ليالي الشتاء الباردة.. والسحب تحجب القمر وعواء ذئب بعيد.. وأصوات الرياح تحرك الأشجار.. وصوت خافت ينادي.. ابني.
أشرقت شمس النهار حاملة الدفء والسعادة.. واستيقظ الرجل يربت على ظهر صديقه ويبتسم له..
كانت ليلة قاسية أليس كذلك؟
اكتفى الكلب بصوت يدل على الألم.
لقد شعرت بك بجانبي.. ها نحن يا قمر غريبان في هذه الغابة.
رد الكلب بنباح.
وضحك الرجل.. لا تحب أن تشعر بالغربة.. نعم أنت محق هذا عالمك أنت أيضا.. لا يمكن أن تكون أنا.. على كل حال نحن متفقان.. لكل منا عالمه داخل عالمنا.. هيا بنا لنحضر الماء.
هل نجد صور الوفاء في كائنات لا تعقل؟ هل نراها انتهت من حياتنا؟
قطع ابتسامته صوت رفيف فوق رأسه.. رفع رأسه وابتسم.. هذا أنت يا «غريب».
ونبح الكلب في سعادة.
لقد تذكرتني ولم ترحل.. إذاً يا «غريب» لقد عرفت مكان عشك. وضحك الرجل.
مرت الأيام هادئة.. وفي زاوية المساحة الخضراء رقد جثمان الرجل.. وقريبا من قبره وجدت بقايا لجثة كلب ضخم.. آثر أن يموت على قبر صاحبه.. وفي المنزل عش صغير يحوي رفات طائر.
هذا كل ما بقي لجيل من الغرباء.. رحلوا عن كل شيء.. ليجدوا الوفاء في مساحة في غابة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved