قصة قصيرة نُثار الملح غادة المديهش
|
إهداء..
إليها..
وإلى وطن صغير يسمونه (الكيمياء)..
وأحبة صافحتهم باسم البياض وودعتهم باسم التخرج..
وتنحني السنوات اللاهثة معي على كشف الحضور تتأمل توقيعي الأخير، ووحدها تعي..
إن نصل القلم الذي خط حضوري كان أيضاً يطعنه، يكفنه ببياض ورقة، ويتركه مسجى على أول عتبات الرحيل..
انسلَ الزمن إذن..
وانشق سقف الغياب عن حممٍ من الحنين تمطر جدب انكساري، ووعيت وأنا أغادر القاعة هاربة من هاجس لا يحنو، إنّ عليّ منذ اللحظة التي أنهيت فيها امتحاني هذا أن أشاغب حزني، واستجدي الذاكرة مساحة حميمة للعمر الآفل..
لنهارات ندية الرؤى، سخية الملامح، توشك أن تنفض حاملة وهج الأحبة..
ومخلفة لي ككل فجيعة إرثها الأقسى..
جسارة الورق..
وهذيان القوارير..
وأنا أنثى الحبر التي ما تسيدت بوح الحرف مرة، إلا وانهزمت ألف مرة أمام بوح عطر..!!
خرجت ولحرقتي طعم الملح ولصوتي بحة الصمت، والصمت خيارنا حين يضيق ثوب اللغة الأم بقامة أصواتنا، والذين أوهمونا أن ثوب اللغة لا يضيق..!
لم يشاهدوه وهو يتفتق عن حزني هذا الصباح..
ووقفت استل حقيبتي من ركام الحقائب والكثير من الأسئلة الشجية تنهش ظنوني وتصلبني في ميادين السهوم.
اقتحمني صخبك..
(سهلة الأسئلة..!!؟)
أومأت برأسي موافقة.. ولم أعقب..!
موجوعة أنا يا صاحبي..
ماتت شهيتي للكلام مذ وعيت أن التخرج في عرف مودّع مثلي لم يعد خاتمة القضايا..
قضيتي اليوم قضية (طلل)..
دروب ألمح أثر خطاي في امتدادها تسلخني من ذاكرتها عنوة..
وأماكن منحتني جذل التملك لفرط ما احتضنتني وافترشتها تفجعني بالنفي..!!!
ووجوه حبيبة سكنتني حدّ التوحد مع قسماتها.. بأن لقائي بها رهين صدفه..!
أخمن أن من الغباء أحياناً أن نبالغ في الانتهاء..
أن نغرس قلوبنا كفسائل النخيل في أرض نوقن أننا سنغادرها ولو بعد حين، حتى إذا شددنا الرحال..
أدمانا اجتثاثها ولجذورها في كل الزوايا نبض حياة..!!
لا تعجبني..
ففي لحظات الوجع تبدل قناعاتنا جلودها، وبعمق إحساسي بعبثية الانتماء..!
يتملكني إحساس أعمق بالامتنان لكل من غرزوا أنيابهم يوما ما في طراوة صدقي، أو أوجعوا بدناءة ظنونهم بياض يقيني..
مدينة إنا لهم بالتخفف من حرقة غيابهم، فلفقد أمثالهم نشوة (الطهر)..
تماماً كما نغسل أيدينا بعد زمن من مصافحة أكف دنسها الوهم..
وحدهم الأنقياء يا حبيبة من يكفيني حرقة غيابهم..!!
استفهامات كثيرة تحاصرني ونحن نجتاز الممرات من طابق لطابق تتكور حولي كفقاعات صابون لا يفضها غير شغب أحاديثك..
وأكتفي بالإنصات..
باختران صوتك لذاكرة بلا صوت.. وأغيب..!!
(باذخة) مساحات الحزن.. تلون الأحداث بملوحة الدمع و هاهي حكاياتك التي كانت تحملني إلى أقصى مدن الحبور، لم تعد تغريني اليوم بأكثر من الشجن..
ثمة إحساس بالفقد يؤثث انكفائي وينكأ في القلب مواطن الحنين فتجهش الروح بالبكاء..
وبكاء مثلي لو تشعرين صلد..
شحيح البوح..
عصي الوجع..
يشبه أن تضج السماء بالرعد دون أن تدمع غيمة..!!
فهل خطر لك لوهلة، أن حالمة لها قلب شاعر وتمرد أنثى، تسير بجانبك الآن متوشحة ابتسامة لا لون لها، وتشد على كفك بتوجس كأنما تقبض عقارب الزمن..
تنتحب بصمت..!!!!..
وينتشلني صوتك بعد طول مسير يشرح لي كيف تبدو النظرة التي أصافح بها الأشياء والأشخاص حولي سادرة في التنصل حدّ التأبين..
تعلقين (نظرة كهذه تشي بقطيعة..!!).
واعترف تحت وطأة إلحاحك أنني لم أعتد منازلة الزمن..!!
حين يقرر الزمن استرداد بعض ما وهبني ذات احتفاء .
أتنازل له بطواعية هي أقرب للترفع..!..
وأكتفي بتجرع لوعتي..
تعترضين..
وأصر (لست ممن يرهنون العمر لاستعادة ما قد لا يعود..!!!)
اختلفنا مليّاً ثم مضينا نجوب الأقسام بحنين مودع..
نتصفح ذاكرة الأماكن لحظة لحظة.. وحدثاً حدثاً..
وأمام كل مكان شجي..
كنت أقف ساهمة, أسترق النظر إليك وأنت تغسلين أوجاعك بالدمع فأكاد أغبطك على نداوة حزنك..
حتى إذا اصطدم انتباهك بترقبي، تعمدت افتعال الفرح..!
لتثبتي لي .. وربما لنفسك..
أن المسافة بين لهفة البقاء وحرقة الرحيل لا زالت أبعد من دمعة..!!
لكن المسافة أدنى بكثير..
وافترقنا...!!!
محت آثار القادمين بعدنا آثارنا..
وضمد الزمن جراحه، وبقيت جراحنا مشرعة للريح تأبى أن تندمل..
.................
........
..................!..
هذا المساء..
يقتحمني طيفك من خلف ستار السلوى، يوقظ الشوق والألم والحلم، ويشعل في سكينتي استفهاماً نازفاً للصيّاد..
وأسألك..
(أحزاني بخير
وش لونها أحزانك..!!؟
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|