بغد مَنْ لِلرُّصَافَةِ وَ الْكرْخِ؟ شعر: الدكتور أحمد بن عبدالله السالم
|
سماءُ بغداد لا شمسٌ ولا قمرُ
وأرضُ بغدادَ لا ظلٌّ ولا ثمرُ
عشرونَ عاماً مضت صبحاً وأمسيةً
والشعبُ تحت أزيزِ القصفِ ينتحرُ
يدحو الرصاصُ نواحيها فَتَلقَفُهُ
أطفالُها فَهو في الأحشاءِ يستعرُ
من للرياحينِ يأتيهم فينقذَهمْ
فالبؤسُ في بؤسِهِم يُجلَى ويختصرُ
خاطوا من الحزن ثوباً والرصاصُ لهم
حَلوى فإن طَعِمُوا في غيرها قُبِرُوا
وعينُ حسنائِها بالدمع قد غَرِقت
فأصبحت حيثُ لا نجلٌ ولا حَوَرُ
قد عاث في قدِّها الميَّاس قنبلةٌ
أشلاؤها في الجهات الست تنتشرُ
ودجلةُ الخيرِ حتى الخيرُ فارقَهُ
وشابَهُ بَعدَها في مائِهِ كدرُ
كأنه لم يكن للأنسِ قنطرةً
تهفو الى صفوه الأحياءُ والبشرُ
لاثُوهُ بالدمِ حتى احمَّر غالبُهُ
فعزَّ من قَعِرهِ أن تُجتَنَى الدررُ
ولا يَرَى القمرُ اللألاء صورتَهُ
فيهِ، ولا اخضرَّ في شطآنه الشجرُ
إن أنسَ لا أنسَ ما التاريخُ سطَّرهُ
أما وقد لاثَهُ بالزرقة الغجرُ
بغدادُ ما عَرَفَت للأمن رائحةً
إذا انقضى خطرٌ يجتاحها خطرُ
أو أمَّلَت فالضحايا من جماجِمَها
كأنما الدمُ في ساحاتها جُزُرُ
ما أرخص النفس فيها كلُّ ثانيةٍ
تذوبُ نفسٌ وما في موتها ضررُ
تحيا، تخالفُ آمال الرفاق إذن،
تموت، كلٌّ يغنِّي موتُهُ قدرُ
كلٌ يصيبُ نصيباً من مصائبها
وعند حامي حماها يصدقُ الخبرُ
ما جاءها حاكمٌ إلا ونظرتُهُ
تحوط كرسيَّهُ والشعب يََحتَضِرُ
في شُخصِهِ ذابَ شعبٌ واختفى أملٌ
ويدَّّعي أنه بالشعب يفتخرُ
لم يُرفعِ الظُّلَمَ عن بغدادَ ما رُفِعَت
إلا التماثيلُ والأصنامُ والصورُ
ما أَمرَعَت أرضُها بالخير منذ أتى
حتى وإن رُفِعَ التمجيد والهَذَرُ
قد ضيَّعُوا معه الميراثَ فارتكستْ
بلادُهُمْ وهمو من قلَّةٍ نَفَرُ
سلوا الرفاقَ على كم جُثَّةٍ بُنِيَت
عروشُهُم واسألوا كم حفرةً حَفَرُوا
فليذهبوا غير مأسوفٍ على زمنٍ
ما قدَّروا قَدرَهُ من خلفهم حَجَرُ
هَبّت على الشعب ريح النصر وانتعشت
آمالهم كي يُحِسَّوا أنهم بشرُ
جاءَ الغزاةُ وعاثوا في كرامتهم
والشعب رغم الذي يلقاه منتصرُ
قد تشتكي من جروحٍ في تَجَاذُبِها
برءٌ وَيَقتُلُ من لا يشتكي الخَوَرُ
والقتل صنفعان: مَن حلَّ القصاص بهِ
صنفٌ، وصنفٌ به التمكينُ والظفرُ
لا مرحباً بجيوش الغزوِ حين أتتْ
وكلُّ قصدٍ سِوى التحريرِ مَحتَقَرُ
لا تحزني يا عراقَ الحزنِ وانتظري
فالخيرُ بعد زوال الشر يُنتَظَرُ
لعلَّ فيما جرى للناس منفعةً
وهل بلا خطرٍ يُستأَصَلُ الخطرُ
فَسِرُّ كلِّ دواءٍ في مرارتِهِ
وقبلَ كلِّ شفاءٍ تَسبقُ الإبَرُ
بغدادُ فلتنظري نحو الأَمَامِ فَمِن
ماضيك تُستَنبَطُ الأحكامُ والعِبَرُ
متى سنسمعُ صوتَ العقلِ مرتفعاً؟
فما لعقلِكِ فيما قد مضى أثرُ
من للرصافةِ؟ من للكرخ؟ هل رجلٌ
يأتي فَيُنسِيهما آلامَ من غبروا؟
إذن لقد بدَّل "ابنُ الجهمِ"(1) قَولَتَهُ
لو زاره طيفُها أو جَاءَهُ خَبَرُ
بغدادُ حسبُكِ ما قد مرَّ من حقَبٍ
في جلِّها حظُّكِ التَّغيِيبُ والخَدَرُ
إلامَ تَبقَينَ يا بغدادُ خائفةً؟
لا النومُ يحلو ولا يُستَعذَبُ السّمرُ
إن نامَ أهلُكِ عما يُرتَجَونَ له
فلن يُفِيدَكِ يا بغدادُ مؤتمرُ
أهلَ العراقِ أعيدوا مجد دَوْلَتِكُم
مع التشرذُمِ لا يبقى لكم أَثَرُ
توحَّدوا حول من تبقى قيادتُهُ
في خدمةِ الشعبِ، لا بالشعبِ يتَّجِرُ
لأرضِكُم يحفظُ الماضي تَجِلَّتَهَا
أمجادُها في نواحي مَجدِنَا غُرَرُ
ولتَعلَمُوا أنَّ بالجيرانِ قُوَّتَكُمْ
فما اعتلى نَفَرٌ بالجارِ قد غدرُوا
وأمسكوا بِعُرَى التوحيدِ قاطبةً
فحكمةٌ الدِّينِ لا بَكرٌ ولا مضرُ
(1) الشاعر المعروف "علي بن الجهم" القائل:
عيون المها بين الرصافة والجسرِ
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|