بين رأيين من قتل الشعر..؟ الشعراء.. أم السرد ؟ القحطاني: السرد ليس للعرب فهو ديوان العالم.. والعرب لم يعودوا محصورين في جزيرتهم الفيفي: الشعر ديوان الضمير الإنساني والمفاضلة بين الشعروالسرد ليست بريئة
|
الثقافية: سعيد الدحية الزهراني
"انحسار الشعر.. والاتجاه نحو السرد" قضية قادنا الى طرحها دوافع عديدة، مع علمنا التام بخطورة ما نحن بصدد البحث فيه..
فالقضية تبدو أكثر تعقيداً وتداخلاً كونها تتصل بموروث أمة بأسرها بل ملمح أساسي في هوية تلك الأمة وذلك التاريخ الاحقوري.
من هنا تبدو أكثر صعوبة في ان تستوعب في ربورتاج أو طرح صحفي عابر بالرغم من ان الكثير من المقالات والأعمال الصحفية قد تناولت أو تعرفت بشكل أو بآخر الى هذه القضية.
ولعل الندوة التي أقامها نادي القصيم الأدبي بعنوان "الرواية بوصفها الأقوى حضوراً" تعد أبرز من تناول هذه القضية وأثارها بشكل مغاير.
الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد طرح في مقالته المنشورة في "الثقافية" العدد الثامن أبرز النقاط التي تؤيد فكرته المنحازة الى الشعر مستنداً الى بعض الأرقام والشواهد.
واختتم د. الرشيد مقالته بقرع جرس الخطورة الحقيقية لهذه القضية حيث قال "لقد قال احد الكتّاب ان الرواية أصبحت ديوان العرب الحقيقي. وهذا قول لا ينقصه الا الصحة. ومع انحيازي للشعر في الحكم بقوة فإنني أقول: إن الشعر أيضا لم يعد هو ديوان العرب".
والسؤال هنا: هل سيكون الشعر آخر ما سيفقده العرب؟
"الثقافية" ومن خلال زاويتكم "بين رأيين" طرحت قضية "انحسار الشعر.. والاتجاه نحو السرد".
واستضافت كلاً من الدكتور سلطان القحطاني عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود كلية الآداب.
والدكتور عبدالله الفيفي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود كلية الآداب.
فجاء رأي الدكتور القحطاني موافقاً لمسألة أن انحسار الشعر أدى الى بروز الجانب الرديء حيث قال: لا شك أن غياب الشعر الحقيقي أدى الى ظهور الكتابات السردية، كبديل لنص العرب الأول "الشعر" والشعر في أصله فن السماع والحفظ، واذا رجعنا الى المرورث العربي القديم فسنجد احتقار الكتابة والقراءة والاعتزاز بالحفظ، الذي تساعد الإيقاعات الشعرية على حفظه ولم تكن الكتابة مرغوبة في بداية ظهور الاسلام، فقد رأى عربي يونس بن حبيب يكتب فسأله عما يكتب فقال يونس: أكتب العلم، فسخر منه وأنشد:
استودع العلم قرطاساً فضيعه
فبئس مستودع العلم القراطيس
وكان الشعر العربي محتفى به، عندما كان شعراً عربياً أصيلاً، في فكره ومفرداته، يخاطب ضمير الأمة، ولكن عندما صار يكتب ولا ينشد، وحتى قائله لا يعرف معناه، وصار الشعر نثراً، يكتبه صاحبه ويقرأه لنفسه، إن فهم ما يعني. وسيبقى الشعر، لكنه شعر بلا روح، في زمن الكتابة والقراءة، حيث يجد المتلقي في الرواية الحقيقية ما لم يجده في الشعر، فالتركيبة الاجتماعية الثقافية قد تغيرت من إيقاع السماع الى رؤية النظر ومتعة القراءة الفردية، وبعد المعالجة الفنية، وهذا ما جعل الكثير من الشعراء والقاصين يغامرون بكتابات في حقل الرواية النقليّة. وان لم يحققوا إبداعاً روائياً، فانهم استعاضوا بالرواية عما فقدوه في المجالات التي كانوا يمارسونها، وهذا حقل من حقول التجريب السردي، ولن يحسب على الفن الروائي، مهما قال بعض الناقدين، غير المؤهلين لهذا الفن..
تنطلق مقولة "الشعر ديوان العرب" التي يقال ان عمر بن الخطاب قالها، من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "نحن أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب" ونعود الى الموروث العربي والتفاخر بالحفظ وتمرين الذاكرة على ذلك، وأقرب وسيلة للأمي حفظ الأحداث والعلوم عن طريق الشعر المقفى الموزون على الإيقاع العروضي، وعندما تعرف الإنسان على القراءة والكتابة، انتفت الحاجة للحفظ، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ذهب بريق الشعر الذي يحمل الفن والموعظة والحكمة، وظهر كلام في منزلة بين المنزلتين، لا هو شعر ولا هو نثر، ولم يجد فيه المتلقي الواعي ما يشبع رغبته، فانصرف الى النثر من رواية وقصة قصيرة ومقالة.
أما السرد فليس للعرب فقط، فهو ديوان العالم، والعرب لم يعودوا محصورين في جزيرتهم، كما تقول الكتابات الضالة، فقد أصبحوا جزءاً مهماً في التركيبة الكونية، وما يكتب في الغرب صار يقرأ في الشرق بكل سهولة، وما يكتب في البلاد العربية يقرأ في كل أنحاء العالم.
أما الدكتور الفيفي فقد رأى أن المفاضلة بين السرد والشعر اجترار مستهلك لنزعة فروسية عربية من المفاضلة، حيث قال:
والشعر ديوان الضمير الإنساني
تطوّر السرد أمر مفرح، وذو دلالة على تطوير ما يجري في المجتمع المدني. غير ان المفاضلة بين السرد والشعر، وكأنهما فرسا رهان في حلبة سباق، يأتي بمثابة اجترار مستهلك لنزعة فروسية عربية من المفاضلة، كانت تقوم قديماً على المفاضلة بين أمدح بيت وأهجى بيت وأغزل بيت، أو أشعر العرب وأشعر الناس أو حتى أشعر الإنس والجن، ثم ترقّت دولة التصنيف حتى نصّبت أمراء للشعر ووزراء للكتابة! وها نحن أولاء الآن لا نسأم المفاضلة بين الشعر والرواية، أيهما أكثر، وأجدر، وأقوى. بينما ما يزال هذان الجنسان في الغرب يتعايشان جنباً الى جنب في وسائل الإعلام والنشر، دون أن يُلحظ هذا الميل الى "الواحدية" التي يتعلق بها الخطاب الثقافي العربي، في هذا الشأن كما في سائر شؤونه.
لعل الرواية كانت قبل 20 عاماً أو حتى أكثر تتقدم في الانتشار على الشعر في الغرب، لشعبيتها وابتذالها، ولسهولة تعاطي القارئ العام معها، في الحافلة أو القطار أو الطائرة، أو قبل النوم، وهو ما تأبى لغة الشعر وطبيعته الخاصة جدا عنه. لكن السؤال "المفارقة" الآن: ونحن في عصر السرعة والحاسوب والإنترنت، هل نحن حقّاً في عصر يتناسب مع جنس الرواية؟ أليس الشعر بطبيعته الاختزالية التكثيفية هو المرشح لمواكبة عصر كهذا؟! يكفي ان القصيدة أكثر مواتاة من أي جنس أدبي آخر، ناهيك عن الرواية، للبث أو التلقي عبر شبكات المعلومات المختلفة. ومع هذا، لا أحبّ بدوري هنا أن أتطرّف في الطرف الآخر، فكل جنس أدبي يمتلك طاقات تعبيرية خاصة ويلبي حاجة إنسانية معينة لا يعوّضها الجنس الآخر.
على أن المفاضلة تلك ليست ببريئة على كل حال من سياقاتها المتعالقة بالعولمة وعصر اجتثاث الثقافات القومية وتذويب اللغات الوطنية وتجريد الشعوب من أسلحتها الثقافية وغسل الضمائر والأدمغة من انتماءاتها الجذرية، التي يخشى في النهاية ان تفرز أجيالاً "من الإرهابيين" ، فتلك قيم حادة يظل الشعر ديوانها كلها لدى كل الأمم. ذلك ان الشعر "ديوان الضمير الإنساني، كما هو ديوان الخصوصية الثقافية"، وهنا مكمن خطورته. وليست الحملة الشعرية التي شنها بعض الشعراء الأمريكيين ضد حرب جورج بوش على العراق، وما قوبلت به من قمع في بلد الديموقراطية المدّعاة وحرية الكلمة والإعلام، التي تصدّر شعاراتها للساذجين كما تصدّر الوجبات السريعة دونما رصيد حقيقي إلا نموذجاً تاريخياً ما زال طازجاً، يدل على مقدار إمكانية أن تغذو الكلمة الشعرية مزعجة لنوازع اللا إنسانية في إنسان شرير.
إن الشعراء الحقيقيين عادة يرفضون مباشرة الانتظار أو الانحناء للعاصفة كي تمرّ! وتلك حماقتهم التي ضاق بها حتى أفلاطون في مدينته الفاضلة! فالشعر الحقيقي بوسعه ان يفجّر براكين هامدة ويقلب موازين سائدة، ولا غرابة إذن ان يُقلق أرباب الحسابات الامبريالية ويعكّر صفو المقبلين على مشاريع من التسلّط والإفساد في الأرض! وهو دور لا قبل لرخاوة جنس أدبي آخر كالرواية به.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|