قصة قصيرة في المصعد!! بقلم: علوي طه الصافي
|
*انطلق المصعد الكهربائي إلى الأعلى بعد أن ضغط كل من فيه على ((زر)) الطابق الذي يريده في العمارة المكونة من عشرة طوابق.. أما هو فقد ضغط على الزر الذي يوصله إلى الطابق التاسع حيث الشقة التي يسكنها وعائلته.. لقد اختار الطابق التاسع لأنه لم يجد مشقة في الطابق العاشر هرباً من ضجيج الشارع.. يميل إلى الهدوء كي يقرأ.. ويكتب بعيداً عن الضوضاء.. هو يعرف ان البعض يقرأ في قطار.. أو حافلة.. أو طائرة.. الناس قدرات، وطباع.. وأصحاب أمزجة مختلفات موروثات، أو مكتسبات.. لو كانوا مزاجاً واحداً، وطبعاً واحداً لما اختلفوا في سلوكياتهم.. ولقلَّ، أو انعدام الخلاف، والشجار بينهم.. ربما جاءت حياتهم الاجتماعية رتيبة، كئيبة.. حلاوة الحياة في الضدية.. وجمالها في الاضداد.. ألم يقل شاعر مدنف *والضد يظهر حسنة الضد*.. عالم الشعراء غريب.. وأمزجتهم أغرب.. وسلوكياتهم غرائبية.. انهم كالمدن.. كل مدينة لها مذاقها.. وطبيعتها.. ولونها!! مدن تعشقها.. ومدن تفتتن بها.. ومدن تكرهها.. مدن عاشقة/ معشوقة.. ومدن ساحرة/ مسحورة.. ومدن مُشعِلة/ مشتعلة.. والمدن كالحسناوات منهن من تحتضنك حتى الهصر ومنهن من تعطيك ظهرها.. والحسناوات كالغواني، *والغواني يغرهن الثناء*.. هن كالتجارب التي تمر بحياتك.. فيها الفرح، والحزن.. النجاح، والفشل.. الحلو العذب، والمر العَلقم!!
أحسَّ بخدر في يديه.. كان يحمل عليهما أكياس الفاكهة والخبز.. وضعها على أرضية المصعد.. اتكأ بظهره على جانب المصعد.. كتَّف يديه على صدره، بعد ان ألقى لمحة خاطفة، وسريعة على مَنْ في المصعد.. نساء محتجبات بالسواد.. بعضهن بأطفالهن بملابس مدارسهم.. يرافقونهن وأزواجهن.
*.. ولا يقيم وزناً للجيرة.. والجوار.. ما أكثر أحاديث النساء، وما أطول ثرثرتهن.. فيما يسوى، ولا يسوى.. في الفاضي، والمليان.. هل هو اثبات لوجودهن.. أو شعورهن بظلم الرجل لهن على حق، أو باطل؟
*.. التصقت الغطاءات بالوجوه.. البكاء تحول إلى ندب.. التصقت كل واحدة بزوجها.. يطلبن الحماية.. حَمَلَ الأزواج أطفالهم على صدورهم.. تجاوب الأطفال مع أمهاتهم يبكون.. قرأ في دموعهم الخوف ممتزجاً بالبراءة المدهشة.. والدهشة الممتزجة بالبراءة!!
*.. حزينة تسير خلف نعش، أو جنازة ميت.. تحوَّل المصعد إلى مأتم غريب.. مأتم دون ميِّت.. رفعت النسوة غطاءات وجوههن المتلفِّعة بالسواد، والعَرَق، والدموع الساخنات!!
أصبح كل من في المصعد أسرة واحدة.. تساقطت كل الأقنعة.. انهارت الجدران.. هل الخوف سبب في السقوط، والانهيار.. أم ان الخوف نفسه هو السقوط، والانهيار؟ سأل نفسه برباطة جأش مفتعلة، ومنفعلة!! على إثر هذا السؤال نطحت رأسه أسئلة أخرى: لماذا يتجمع الناس في الأحزان، والأفراح؟
تُرى، لو كانت حياة الناس في الأرض.. نهاراتها، ولياليها.. ساعاتها ودقائقها كلها أحزان، وأفراح.. هل سيتوحد العالم، وشعوب العالم؟
هل ستتوقف الحروب.. والاحن.. وتموت الأنانية داخل النفوس؟.. هل ستختفي المصالح الفردية، والجماعية.. أو تتوحَّد في مصلحة واحدة مشتركة؟ هل ستُمحى الطبقية بين الناس فيتساوى الفقير والغني.. والقوي والضعيف؟ هل سيكون خير السماء والأرض للجميع؟
إذا حَدَثَ كل هذا على كوكب الأرض.. هل ستموت طموحات الإنسان، وتطلعاته.. ويتوقف غزو الفضاء.. والرحلات المكوكية إلى الكواكب الأخرى بحثاً عن جديد؟ وحياة الناس هل ستختفي منها الرغبة الإنسانية في المحافظة على النوع؟
*.. ويصبح مجرد حدث في ذاكرة التاريخ غير المكتوب!!
في هذه اللحظة نظر إلى ساعته.. لقد مرَّت ساعتان على المصعد، وتيار الكهرباء لم يعد إليه.. هل سيتحول المصعد إلى قبر جماعي؟
الضجيج.. ونحيب النسوة يزداد، ويعلو.. سمع أصواتاً كثيرة ترتفع من أسفل العمارة، أمام باب المصعد الأرضي.. هل جاءت للانقاذ، أم للفُرجة؟
فرجة.. ايه.. يا أحمق!! مؤنباً تفكيره الساذج.. وشعوره اللا إنساني!! رجل في المصعد صرخ: اتصلوا بمحطة الكهرباء بالهاتف!! رد عليه أحدهم من أسفل المصعد: لقد اتصلنا.. صبراً.. صبراً.. وعدونا بإعادة التيار بعد نصف ساعة!!
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|