وخلة واحدة تلمسها واضحة في حياته، تفسر لك كل حقائق حياته وأخلاقه، تلك هي "منطق الحيوية القوية في نفسه"، فهي مصدر كل ما عرفه فيه الناس، من توفز وتوثب، وحب وكره، وتوقد وإخلاص، ووفاء ووطنية وشهامة، ونبل.. واستطيع أن أقول غير مبالغ ان في كل حركة من حركاته بل في كل نامة من نأماته، دليلاً على منطق الحيوية القوية في نفسه. |
فلقد كان يعيش رحمه الله من أمانيه وآماله في كون حافل بالحركة، يحبب إليه الكفاح والجهاد، ويجدد في نفسه النشاط الدائم،ومن أجل هذا كانت حياته رحمه الله مليئة بالمشاريع، حفيلة بالأعمال، ولا أعرف ولا يعرف الناس معي مشروعاً قام في هذه البلاد، لم يكن محمد سعيد رحمه الله عضواً عاملاً فيه، فهو في الحق كان عصب المشاريع التي قامت في هذه البلاد، وبه كان قوام أغلبها" إلى أن قال: "وما بي أن أعدد أعماله ومشاريعه، فأذكر عضويته في كل مشروع، أوعمل، وكيف خدم الحيوات المختلفة في بلادنا وكيف أخرج "الأزرقي" و"وحي الصحراء" وكيف أدار تحرير أم القرى أربع سنوات كانت فيه مثال القوة الصحفية العارمة، وكيف تسلم عمله بالمطبعة الحكومية، وفيها آلة طباعة واحدة تدار باليد، فتركها وهي ادارة يحسبها الناس، دولة في وسط دولة، كما عبر أحد كبار الموظفين، شغل بها الأفكار والناس، ثم كيف أرسل بعثة فنية إلى مصر وألحقها بأخرى، وبنى داراً للمطبعة حالت الظروف دون تمامها". |
أما حديثاً فقد كتب كثيراً من قمم الثقافة والفكر مشيدين ومقرظين أعمال والدي رحمه الله التي ما زالت تلقي بظلالها على حياتنا المعاصرة، ومنهم على سبيل المثال معالي أخي الكريم الشيخ هشام محي الدين ناظر الذي أبحر بين دفتي كتاب "المجموعة الكاملة لآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه" للأستاذ حسين الغريبي، فاقتبس مما كتبه عنه ".. فنحن في زمن اهتزت فيه الهوية نحتاج ما نلتصق به من الذين حافظوا على هويتنا بفكرهم وأقلامهم.. وبأرواحهم في أحايين كثيرة.. وقد تنقلت بين دفتي الكتاب علني استكشف شخصية الراحل الكريم فوجدته بحراً عميقاً يستحق الغوص في لججه لالتقاط درره. |
وتعجبت أنه في حدود مجتمعه آنئذ كان يعالج نفس القضايا التي ما زلنا نعاني منها اليوم وبقيت دون حل ان لم تكن تعقدت أكثر من ذي قبل".. وسعادة الكاتب الصحفي الكبير الدكتور محيي الدين اللاذقاني اطلع بشغف على ذات الكتاب، وعلق عليه بصحيفة "الشرق الأوسط" عدد 8419 وتاريخ 1/10/1422هـ الموافق 16/12/2001م، فتحدث باختصار عن بعض ما ورد في الكتاب مثل المقالات التي تناولت موقع "الحجون"، و"المسائل ا لحاروية" إلى أن ختم مقاله الضافي قائلاً: "إن أعمال محمد سعيد عبد المقصود خوجة التي حققها وأعدها وقدم لها الأديب حسين عاتق الغريبي موسوعة حقيقية للثقافة الاجتماعية والتاريخية. |
وقد عمل الغريبي بالنصيحة فقدم عملاً لا يمكن أن يستغني عنه أي باحث في التاريخ الاجتماعي لمكة وجيرانها". |
هذا غيض من فيض.. وتلك أمة قد خلت.. ورجال تحدثت أعمالهم من معادنهم. فلا أقل من أن نحفظ لهم حقوقهم ومآثرهم الأدبية والفكرية والتاريخية لأنهم من السابقين بالفضل، وواجب الوفاء يحتم علينا اعطاء كل ذي حق حقه. |
والله من وراء القصد. |