والحقيقة أن موكب الحفل، ومن حضره من أمراء الشعراء وسفراء العرب، وزهور مدينة باريس الساحرة العريقة من الشاعرات، والأديبات.. وذوات الصالونات الباريسية الاجتماعي المخملية الرفيعة، ووجوه المجتمع البارزة من الرجال. |
كان موكباً أرستقراطياً فجاء الجميع بملابسهم الارستقراطية الاجتماعية.. وكأن سماء باريس أرادت المشاركة في هذا الموكب ترحيباً بضيوفها العرب بسمرتهم القمحية لم تمطر لؤلؤاً، ولم تعض على العناب بالمبرد كما يقول الشاعر العربي.. بل أمطرت "وشِلاً" أو "هتاناً" رفيفا رقيقاً، ومشاعر خاصة فكانت واحدة من ليالي الأساطير التاريخية. |
وقد سحرني الجو.. وأثار الحفل كوامن مشاعري.. وأشعل ذاكرتي.. ولأنني لست شاعراً.. فحين عدت إلى غرفة فندقي "جورج سانك" بالفرنسية.. أو "جورج الخامس" بالعربية.. وهو من أفخم الفنادق الباريسية، حيث يقع على جادة أشهر شوارع باريس، المشعلة/ المشتعلة.. هو شارع "الشانزلزية" وهذا الفندق هو الذي استضاف فيه الأمير الشاعر "عبدالله الفيصل" مرافقيه من رؤساء تحرير الصحف السعودية، والعربية. |
حين عدت إلى غرفتي كتبت في مذكرتي الخاصة نثراً فنياً رومانسياً يتناسب ومشاعري المتواضعة التي وقدها الحفل.. ورققها الجو الطبيعي ليلتها.. قلت مما قلت، وليس كل ما قلت ما أرى فيه نوعاً من الأدب أرى أن يشاركني قارئ "المجلة الثقافية" في بعض تلك المشاعر الصادقة، النابعة من القلب.. قلت مما قلت، وليس كل ما قلت: |
الزمان: ليلة من ليالي باريس المعطرة بزخات مطر الشتاء. |
المكان: قصر من قصور باريس التاريخية، قصر شهد أحداثاً جليلة.. وعاش في ذاكرة عدة أجيال.. إنه قصر "بلدية باريس". |
المناسبة: تقليد طائر من طيور الشعر العربي المفردة، أرفع وسام فرنسي يمنح عادة للملوك.. والأمراء.. ورؤساء الدول.. وعصافير الشعر!!. |
داخل القصر: كوكبة من نجوم الفكر والأدب والشعر في فرنسا وجهها الدبلوماسي عربياً، وأجنبياً.. باقة من "فراشات" باريس الأرستقراطية.. قلب الصحافة السعودية والعربية وعقلها.. كل هؤلاء كانوا في انتظار طائر الشعر العربي. |
في الخارج: علامات استفهام تتقافز من أفواه الواقفين أمام القصر لتعانق زخات المطر الرقيقة.. تتلاحق الصور في رشاقة الموقف القادم.. وجوه سمر كانت عيونها خلف زجاج أبواب السيارات.. تلمع كعيون الصقور.. والسيارات كأنها في "كرنفال"!!. |
اللحظة: يصل الموكب.. كان رأس العمدة "جاك شيراك" يلوح فوق الرؤوس، مقدمة المستقبلين.. ينتصب الأمير عبدالله الفيصل كالنخلة.. إنه طائر الشعر العربي المحتفى به.. بملابسه العربية.. فإذا هو يبدو في شموخه أطول من العمدة "جاك شيراك" الذي كان رأسه قبل قليل فوق كل الرؤوس!!.. |
سار الأمير الشاعر يحمل في إهابه مجد تاريخ باذخ.. وعلى حروف شعره أزهرت أصدق عبارات العشق.. والحب.. والسهد.. والغرام!!. |
التعليقات: أحد الحضور: ما أروع هذا الأمير العربي الشاعر!! آخر: هو الليلة فارس أحلام باريس الشاعرة، والعاشقة.. هذه المدينة الحسناء "المشعلة والمشتعلة".. ثالث: إن حصوله على وسام باريس يعد فتحاً ثقافياً للعرب.. رابع: إنه حفيد عبدالعزيز الملك الأسطورة، وابن الفيصل الملك السيف.. خامس: بخ.. بخ لقد أحاط بالمجد من كل جانب.. سادس مصححاً ومعترضاً، بل قد أحاط به المجد من كل جانب. |
قلت في نفسي: إن هذا التكريم والوسام .... وحده، إنه لكل مواطن في مملكة الإيمان، والنور.. ولكل مواطن عربي، فالمملكة "بيت العرب"!!. |
حين وقف يلقي كلمته في الحفل نسي نفسه.. تحدث عن أمته، و حضارة أمته.. إنه سلوك "الفطرة العربية الإسلامية".. ثم قال في تواضع الكبار: |
"أعترف أنني في الشعر لست متفوقاً على سواي من الشعراء العرب المعاصرين، وإنما أجد أنني ساعياً بدأب في سبيل الإجادة، وإتقان العطاء"!!. |
إنه لم يركب زورق "النرجسية" كما هي عادة بعض الشعراء العرب المعاصرين.. ولم يقل كما قال الشاعر العربي، أبو الطيب المتنبي الذي أعده شاعر العصور: |
أنام ملئ جفوني عن شواردها |
ويسهر الخلق جرَّاها ويختصم |
أو: |
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي |
وأسمعت كلماتي من به صمم |
أو: |
وما الناس إلاّ من رواة قصائدي |
إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدا |
أو: |
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا |
بأنني خير من تسعى به قدم |
ومما يجب ذكره أن هذه ليست المرة الأولى التي يترجم فيها شعر "عبدالله الفيصل" إلى لغة أجنبية.. لقد سبق أن ترجم إلى لغات أخرى، فاستقبله قراء تلك اللغات بحفاوة وتقدير واسم الديوان كما ذكرنا "ديوان الحب" ويعني بالفرنسية diwan de lصamour.. وله ديوانه الثاني "حديث قلب" 1403هـ 1982م حصل على "جائزة الدولة التقديرية" بالمملكة عام 1405هـ 1985م.. كما حصل على "الجائزة الدولية الكبرى للشعر الأجنبي". |
ومنح "الدكتوراه الفخرية في الإنسانية" بقرار من مجلس أمناء "الأكاديمية للعلوم والثقافة" المتفرعة عن "مؤتمر الشعراء العالميين" الذي انعقد في مدينة سان فرانسيسكو" بالولايات المتحدة الأمريكية. |
وحديث الذكريات مع سموه، وعنه متعددة، وطويلة، لا تتسع لها مساحة النشر هنا.. رغم شعوري بأنني قد تجاوزت الحد المطلوب.. فمعذرة من هذه المجلة الكريمة وقرائها الأكرمين.. والله المستعان (1). |
+++ |
(1) الكاتب: الحلقة القادمة مع "الأمير الذي لطمني على وجهي بأدب"!! |
هؤلاء، مرَّوا.. |
(*) ص.ب: 7967 / الرياض: 11472 |