الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 08th May,2006 العدد : 152

الأثنين 10 ,ربيع الثاني 1427

(عبدالله المحيميد)..
وتقشير المجتمع السعودي..؟ (1-2)

*محمد الدبيسي:
** في كتابه (تقشير.. قراءات في الثقافة والمجتمع السعودي).. يُقشر (عبدالله المحيميد) الظواهر الاجتماعية بإزميل أنيق.. يراعي فيه حركة كتابة ماهرة، ليلج وباحتراف متقن إلى التجاويف والمضائق والمنحنيات والزوايا والأقواس.. في التكتلات الاجتماعية، يعيد تشذيب المنمنمات ويُقيم نتوءاتها وحوافها الجافة، ينبش العتمة ويفضح الأورام بحذف.. يغرس رأس إزميله في قلب الفيروس الاجتماعي، يُشرح أعضاءه..، فكأنه يستخرج القوانين الاجتماعية المضمرة.. ويبتدع مجالاً للنقد الثقافي.. باستحقاق منهجي لنطاق المصطلح وحقله الدلالي.
وقد استدعى ذهني ثناء قراءته.. (مشروع الناقد الثقافي).. الذي ابتدع (المصطلح - العنوان) في مشهدنا.. ولكنه استعار نموذجاً أدبياً صرفاً.. كان متناً تفسيرياً وتطبيقياً لدعواه.. وحيثية حاول فيها نفي الأدب.. وتفريغه من جمالياته..؟ لإثبات نسقه الثقافي..!
** وبعيداً عن سعير الجدل حول (النسق) وجماله وقبحه.. راح (المحيميد).. يُقلب ظواهر اجتماعية نعبرها بلا اكتراث.. فما يُغيب أو يغيب عنا إلحاحها العميق..؟ تفترش قناعاتنا المضمرة.. دون أن نعبأ بها أو نسائلها.. فكأنها ومسلماتنا الغيبية سواء..!
لم يحتج الكاتب الى قدرة فائقة في التنقيب عن أنساقنا المعيشية والفكرية وطقوسنا الحياتية.. ومقولنا اليومي.. وأنظمة اجتماعية تُسيرنا.. ليعثر على ضالته..؟
كفاه أن يتأمل (ممارسة) اجتماعية ما..؟ يفضي تواتر جريانها، إلى استيطانها كعلامة فارقة.. ترسخ ما يظنه المجتمع قيمة بقاء أو ضرورة وجود، أو سنة كونية لا تقبل الحراك.. ولا تمسها (منقصة) المساءلة.. ولا تجترحها (قوانين) التبدل أو التغيير.. (الكبسة - الشماغ) مثالاً..؟
أو (مقولاً) تناقله الألسن وتعيد تكراره مستكفية بإشارته - الدلالية الطليقة -.. عن محركاته وأساساته في بنية الثقافة التي أنتجته.. والمراحل التي عبرها.. حتى صار مرتهناً لهذه الدلالة أو مستدعياً لها: (صفر سبعة - التكروني..) مثالاً..؟
من هذه الظواهر وفي نطاقاتها المفاهيمية تتراءى للكاتب أنساقنا الاجتماعية والثقافية في مستواها الظاهري المباشر مشكلة نافذته باتجاه عمقها الجواني.. وبعدها الفلسفي.. كما لو كانت عصباً حساساً.. ظل ولفترات طويلة من تاريخ وجودنا ككيان.. في سياق طهراني ونطاق شرعي.. يخلع عليه (الخطاب العام) بسياقاته ومحاضنه الإعلامية والتعليمية والاجتماعية، تيجان التميز والأصالة والتبجيل و(الخصوصية)! فيما ينتظم (سلك الحرير) في الوجدان الاجتماعي تلك الأنساق.. التي وان اتخذت لبوساً تقاليدياً ظاهرياً.. فهي من البنى القارة في ذلك الوجدان..؟
تتماهى أحياناً بالآداب والتقاليد والمقررات الدينية..، لتستمنح قداستها ونفوذها.. ومناعتها ضد المراجعة والتقييم..؟ ويصبح الفكاك منها حينئذ انقلابا على نظام العادة.. وخرقاً لناموس المستقر والشائع.. و......!؟
** وتكمن هنا.. أهمية فعل (عبدالله المحيميد)، بوصفه اختراقاً لذلك (المستقر والشائع) وكشفاً لحجاب العادة.. واجتراحاً للمسلمات النسقية في الضمير الاجتماعي.. ليتبين سماتها وفواصلها.. ويعيد فحص مكوناتها القناعية ومحركاتها الأساس.. أو هو بمعنى آخر.. عرض (الوجه الآخر للعملة) الاجتماعية المتداولة...؟
وهي لدينا ذات وجهين..؟.. نصادق وجهها الظاهري (الإشاري) المباشر.. كونها (ممارسة) متجلية بالفعل.. ومتواطأ على إقرارها والتسليم بها من لدن ممثليها..؟
أو هي (مقولاً) يحمل مكوناته المفاهيمية..، ويمتلك قيمة تداولنا له..، إذ نمنحه قيمة اعتراف عبر ذلك التداول..!
فيما (المحيميد) يضيء وجهها (الآخر).. تحولاتها ومراحل تكونها.. ونسبها الشرعي.. وجهها المخفي أو حقيقتها المعتمة..!
فهي تلك المستقرات في العرف الاجتماعي.. المألوفة في النظام السوسيولوجي، عندما يحررها الكاتب من طاقاتها الهلامية.. تبدو بنية ضئيلة.. وعندما يضعها على حد التجريد التأملي.. تنكشف سوءتها القبيحة.. لتكشف بدورها رحلة (الكلمة - الممارسة).. ومراحل استيداعها في ضمير تراوده حقيقتها المطلقة..!!
** في (ممنوع التدخين) ينتهي الكاتب الى ان (.. التدخين نسق ثقافي ومحاربته ليست حرباً ثقافية.. أما الصحة فليست إلا استغلالا ظاهريا...) ص 34 .
وفي (إعلانات الوفيات يقول: (إعلان الوفاة في الصحف اعلان للحي) وليست اعلان للميت بمعنى أنها اعلانات تقع في خانة المنتوجات الرمزية للحي..) ص 37
ويقول في (.. الجماهير).. (... إذا كانت كلمة الجماهير ظلت محبوسة في أفواه المثقفين لدينا فليس مرد ذلك الى اتساخها السياسي بفعل الستينيات، وإنما لما لها من قوة تعبيرية من الناحية السسيولوجية، التي ربما تفسد فضاءنا القائم على تقسيمات عشائرية وقبائلية، يمكن تجاوزها حين يسمى (الناس) ب(الجماهير)، ورغم ما لهذا من أهمية عند المثقفين إلا أنهم لم يستطيعوا تدشينها في فضائنا اللغوي.. ص 39 .
فهذا الحفر المعرفي في مكونات الوجدان الاجتماعي.. يشكل علامة على وعي الكاتب بتحول المتن الاجتماعي الى هامش ضئيل..؟ إذا ما فُرزت عناصره.. استبنا هشاشة محتواها.. وبريقها الخادع.. ومحايثاتها الغائبة عن إدراكنا..؟.. إذ لا نتلمس سوى تجليها المعتبر.. ولمعانها المزيف.. في ممارسة الفعل ومتداول القول..؟
 
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved