حزن الأبواب هاني الحجي
|
صغيري محمد :
نذرت أن أنثر بذور ملامحك ليلة زفافي لتزهر حلما (منتظرا) في بساتين طفلي الكبير.
مدخل :
صغيري محمد :
اقف على عتبات الأبواب ، معلقة نظراتي بأهداب أمل عودتك ، اقرؤك في عيون الأطفال المتناثرة على طرقات المنازل ، كلهم يعودون إلا أنت يا صغيري .. أعود منكسرة إلى غرفتك ، أرى حقيبتك أنهكها غبار النسيان ، اقتحمها بلهاث الأمل ، علِّي أجدك بين ألوان كراسة الفنية، لا أجد إلا خربشاتك تعيد لي بسمتك الصغيرة.
مع تكبيرة الفجر بعد أن أبلل سجادتي بدموعي ، أتسلل إلى المطبخ أعد (الساندوتش) أضعه في حقيبتك تقول والدتي : محمد لن يذهب إلى المدرسة بعد اليوم.
أعود إلى غرفتك لأرى حقيقتك مرتبة كتبك لم تبعثرها كعادتك ، حذاءك لم ترمه في الصالون ، أقبله .. اقبله .. اقبل حذاءك يا محمد ، متوسلة بدموعي أن تعود لتبعثر أدواتك ، لن أصرخ فيك يا صغيري .. آه لو تعرف فرحتي ببعثرة عينيك في سمائي.
كل يوم انتظر عودتك علَّك تكون مزروعا في الورود ، أو محتجبا في عيون الأطفال أو حتى تحت عجلات السيارة التي دهستك .. أقول لهم مزحة : محمد يختبىء تحت العجلات ليمارس فرحه الطفولي.
عندما ألقوا في غرفة العمليات قميصك الملطخ بالدماء لم يرتد أملي بعودتك.
حزن :
كان عقرب الوقت ليلتها يلدغ الحياة لتبطىء مسيرة الكون ، لذة الموت
ترتعش بين أضلاعي وملائكة الله تصنع جسرا من روحي ، لتعرج إلى قبضك ، أنت تعيد ترتيب أبجدية الموت ، لتبدأ من التاء إلى الألف .. كنت يا صغيري تنزع من صفاء طفولتك لتطبعه قبلة على الصدر أختك.
كلماتي في محراب الدعاء قبل أن ينعقد لساني
هل ستعود يا محمد ؟
أنت يا صغيري يخونك لأول مرة طريق الوعد ، حتى في سماء صدر أختك الحنون ..
غياب :
صغيري محمد :
في تلك الليلة بعد أن مسحت عن شفتيك غبار عتابك ، بعد أن لعقت رحيق أحلامك الصغيرة ، هد أركان ليلتي كابوس تصدقت بدموعي لرثاء نفسي ، ربما كانت اللحظة يا صغيري تحفر نفق الرحيل ، تجهز أكفاني ، حتى في صلاتي سجدت قبلاتي الأخيرة على الوجوه ، كان الموت في ملامحك يشبهني ، يشبه رحيلي عندما كان موعدنا أن تلعب قليلا بعد عودتك من المدرسة ، في داخلي كنت أرى جنازتي محمولة على نعش ضحكاتك ، ألا تذكر يا صغيري ، قلت لك: لا تتأخر لتذاكر معي دروسك ..
قلت لي: لن أتأخر ..
ها أنت يا صغيري تبعثر دقائق الانتظار على بوابة المقابر، في طريقي إليك قرأت قصيدتي لكنها (لم تكتمل) .. لأنك وطأت حافة النهاية ..
آه يا محمد ..
هل تعرف معنى أن تقف أمام عناية مركزة ، صوتهم البارد قطع كل الآمال
كسور ونزيف ..
آه يا صغيري ..
عندما رأيتك ممدا في العناية لم تكن ضحكاتك مرسومة ، لأول مرة يحرمني وجهك الأسمر من الابتسامة .. ما زلت انتظر تراتيل خطواتك على قرآن صبري كل فجر .. أسمع لكن لا اقرأ قرآن فجرك يا صغيري.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|